في ليلة مظلمة أضاءها القمر، وعلى ضفاف جزيرة صغيرة تبعد 3 كيلومترات تقريباً عن سواحل البحرين، جلست مع أصحابي نتسامر في ذلك الجو الذي لولا الرطوبة التي تشوبه لكان حقاً رائعاً مع نسمات متقطعة من الهواء. شكلنا حلقة حول النار وكان الهدوء يعم المكان، حيث الانقطاع عن عالم الضجيج والتلوث، فبدأنا نتداول الأحاديث والذكريات، إلى أن وصلنا الى ذكر الينابيع الحلوة التي كانت تنبع في عرض البحر والجزر التي كانت تتمتع بها البحرين، وكيف كان آباؤنا إذا عطشوا أو أرادوا الصلاة يذهبون لتلك الينابيع فيشربون ويتوضؤون منها ويصلون على الجزر القريبة منها. والإنسان يأسى على تلك الخيرات التي اندثر بعضها وغيب بعضها الآخر.
الجزيرة التي كنا على ظهرها لا تتجاوز مساحتها 300 متر في 200 متر، وعليها بعض الرمال البسيطة. أما باقي المساحة فكلها صخور مرجانية قاسية لدرجة أننا لا نستطيع المشي عليها من غير حذاء. فاقترح أحد الشباب علينا قائلاً: «لماذا لا نجلب بعض الشجيرات التي تستطيع العيش على ظهر هذه الجزيرة ونزرعها لكي يستظل بها الناس وخصوصاً البحارة، ونقوم بترتيب الجزيرة من قبيل بسط الرمال على مساحة أكبر ونقلل من الصخور المرجانية برميها في البحر وننظف الأوساخ لتكون هذه الجزيرة استراحة للبحارة ومرتعاً لنا كلما شئنا الانقطاع عن عالم الضجيج والإزعاج؟ وكان صاحب الاقتراح متفاعلاً كثيراً مع اقتراحه، وكل الشباب أيدوه فيه.
فقلت لهم بألم شديد: إياكم أن تفعلوا شيئاً مما ذكرتم اذا أردتم المجيء لهذه الجزيرة مرة ثانية! فتعجبوا من كلامي وموقفي من تفاعلهم مع الاقتراح، فقالوا لماذا تقف في وجه اقتراح يعود بالفائدة على الناس؟ فقلت لهم: لماذا الخضر (ع) عندما ركب على ظهر سفينة المساكين خرقها؟ لكي يعيبها، أليس كذلك؟ ولماذا أراد أن يعيبها؟ لأن وراءهم ملكاً يأخذ كل سفينة غصباً. فلكي يصرف طمع ذلك الملك عن غصب تلك السفينة أعابها لكي يحفظ ملكيتها لهؤلاء الضعفاء المساكين... وحسناً فعل.
وكذلك هذه الجزيرة وغيرها إذا أردتم أن لا يطمع فيها طامع، وتكون لقمة سائغة لحيتان البحر... فذروها على ما هي عليه، والا فأين ولّت جزر البحرين الأخرى... هل ابتلعها البحر أم أكلتها الاسماك؟
العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ