العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ

الاستراتيجيات الكبرى يأكلها الصغار

لؤي عباس comments [at] alwasatnews.com

كل شخص يفهم الاستراتيجية بحسب تجاربه وخبراته، فتراها بشكل عام عبارة عن الأهداف العليا والسبل التي وضعت لتحقيقها. ولنبتعد عن التعقيدات والتعاريف الأكاديمية المشهورة التي تصل إلى قرابة العشرة، يمكننا أن نقول ان الاستراتيجية أهداف ينتج عنها توظيف للموارد البشرية والمادية لتحقيق هذه الأهداف. وهناك مراجعات دائمة لتعديل توظيف الموارد ووسائل تحقيق الأهداف بسبب التغيرات الدائمة في البيئة من ناحية الظروف كالقوانين المتغيرة وتزاحم الأعمال الأخرى في الساحة، وحتى الأهداف يتم تعديلها ما لم تكن أهدافاً عليا أو مقدسة.

حتى الأطفال لديهم استراتيجيات خاصة، مثلا ترى طفلا يجمع بعض مصروفه اليومي في حصالة لأنه يطبق استراتيجية بعيدة المدى، فهو يريد أن يشتري شيئاً كبيراً قد يمثل «بنية تحتية» بالنسبة إلى حياته الطفولية، كشراء دراجة أو لعبة إلكترونية، أو يريد أن يفتح بها حساباً مصرفياً للمستقبل، ولكنه كطفل لديه نوازع قوية نحو الاستفادة الآنية من هذه النقود، فتراه في لحظة من اللحظات يرغب في كسر الحصالة لتلبية تلك النوازع قصيرة النظر.

فلو كان هذا الطفل يتمتع بتفكير راشد، لقام بتوظيف كل نوازعه نحو الاستفادة الآنية لخدمة الهدف الأكبر «الاستراتيجية»، لكنه بسبب قصر نظره تراه يستسلم للنوازع الآنية ما يفرغ الاستراتيجية التي كان يتبعها من محتواها.

المجتمع أو الأمة ككل بها الكثير من المؤسسات التي تحمل استراتيجيات أقل ما يقال عنها انها قصيرة المدى وتضر باستراتيجياتها الكبرى، بالضبط مثل كسر الحصالة بالنسبة إلى الطفل، فالأمة كيان يمكن تشبيهه بالإنسان، والمؤسسات داخل الأمة هي النوازع (وحتى النزوات) الآنية، والأمثال تضرب ولا تعارض!

هذه مجرد مقدمة للنظر في الأوضاع الاجتماعية الآتية: مؤسسات وشركات تجارية تقوم بشفط الرمال البحرية، لأن رمال البناء شحيحة في السوق. لاحظ قصر النظر، عندما تحاول بعض الجهات أن تقنعنا بأن تلك التربة ليس لها أهمية بيئية! حتى البحر رفع لافتات احتجاج في كل المياه الإقليمية تقريباً وذلك باللون الحليبي الذي يؤلم ويحزن كل الذين عهدوا صفاء البحر في غالبية المياه الإقليمية في السبعينات والثمانينات. وكذلك يقوم البعض بدفن خليج توبلي وبطرق قانونية!

ما الذي تريده أية مؤسسة أو فرد من وراء إفساد البيئة؟ البقاء على قيد الحياة وعدم الإفلاس؟ لكن... إذا ماتت البحرين فلن تخرج للوجود أية شركة.

الوضع الثاني يتعلق بالبطالة، إذ ترى الشركات البحرينية تفضل الأجنبي الجاهز على البحريني الذي يحتاج إلى تدريب، بل اني عايشت بنفسي شركة تأتي بالمهندس الأجنبي غير المدرب وتقوم بتدريبه التدريب الصناعي - اللازم لإتمام التخرج الجامعي - وتعطيه راتباً أعلى من البحريني الذي أتم تخرّجه من الجامعة، والسبب الظاهر في ذلك هو انهم قد ضمنوا التحكم في العامل الأجنبي وعدم مغادرته للعمل، بينما البحريني ينتظر العمل الحكومي! لا أقول ان السبب الذي تحجج به صاحب العمل ليس فيه شيء من الصحة، ولكن أقول وبكل تأكيد ان الاستراتيجية التي يتبعها قصيرة النظر وأنانية وتضاد أهداف الوطن، لأنه يقيم شركته على أساس البقاء طويل الأمد للعامل الأجنبي على حساب حقوق العامل البحريني.

ومن جهة ثانية بينما العامل العاطل البحريني يدفع ضريبة البحث عن العمل زمناً طويلاً من البطالة، فإن صاحب العمل غير مستعد للانتظار البتة، وفي أول فرصة يعمل على جلب العامل الأجنبي الجاهز. هذا مع العلم بأن نسبة البطالة لدينا تفوق نسبة البطالة في البلاد التي تصدر عمالها إلينا!

الوضع الثالث يتعلق بمأسسة الطائفية، فبينما ترى ان من الأهداف الاستراتيجية لكل الطوائف توحيد المسلمين وعدم التفرقة بينهم، تجد مجموعة هنا أو هناك تستغل انتسابها لهذه الطائفة أو تلك، في تحقيق أهداف آنية تفرغ الاستراتيجية العليا لطائفتهم نفسها من محتواها.

وهناك العشرات من الأوضاع الوطنية الأخرى التي تنم عن نظرة قاصرة أو مقصرة، أفلا يعلم أصحاب الشأن أن عدم وجود استراتيجية وطنية ذات أهداف سامية تلزم المؤسسات الأصغر باحترامها، يعتبر ضعفاً في الدولة؟

وهناك أوضاع أخرى شائكة على المستوى الدولي، من قبيل مؤسسة «إسلامية» تعدم اثني عشر نيبالياً، فيتم حرق أكبر مسجد في النيبال وإهانة القرآن والمقدسات، بينما الاستراتيجية الكبرى للعمل الإسلامي يجب أن تخدم الهدف الإسلامي وهو إخراج الإنسانية من عبادة الطاغوت لعبادة الله ونشر العدالة الاجتماعية!

وعمليات خطف وعمليات انتحارية تضر بقدسية العمليات الفدائية والاستشهادية، وتفرغها من محتواها أمام الرأي العام العالمي. فلماذا لا توظف هذه المؤسسات استراتيجياتها في خدمة أهداف واستراتيجية الأمة، بدل العمل على هدمها وتفريغها من محتواها؟

والآن أين نضع أمتنا؟ هل هي أمة راشدة تضع أهداف مؤسساتها في خدمة الهدف الأكبر؟ أم انها أمة قاصر (طفل) إذ لم ينضج الوعي بعد بخطورة هذه الأعمال؟ أم انها أمة يغلب عليها نزوع المؤسسات للأنانية؟

كاتب بحريني

العدد 742 - الخميس 16 سبتمبر 2004م الموافق 01 شعبان 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً