قامت الصحافية القديرة ريم خليفة وكذلك رئيس التحرير النشط منصور الجمري بإثارة موضوع قلعة البحرين ومخطط التخريب الذي يستهدف موقعها ومحيطها، وتغطية الموضوع كانت بحرفيةٍ بالغة وموضوعية، إلا أننا ارتأينا أن نرمي حجرا آخر في الماء الراكد علّه يجري إن شاء الله... وتتفاعل القضية.
في البداية نسأل: هل هناك علاقة طرد «تصادم» بين الآثار وبين الإعمار؟!
بمعنى، هل نحتاج دائما إن أردنا أن نشيّد أو نطوّر البلد إلى أن نصحب ذلك بتخريب وتهديم بقايا الآثار، التي إن لم توازِ أهمية التطوير فإنها حتما تفوقه بقيمتها التاريخية ورصيدها الإبداعي على صعيد العالم ككل ـ نعني قلعة البحرين ـ فإن كنا نؤمن بتلك العلاقة ما بين الآثار والإعمار إذن لرأينا حضارة الأوروبيين قامت بفعل تهديمهم وتخريبهم بقايا الآثار الرومانية واليونانية، ولشاهدنا المصريين ما نهضوا بعلومهم وفنونهم إلا من بعدما كسرّوا رأس (أبوالهول) ودمروا أهراماتهم التي حيّرت الألباب لهذا اليوم، وإذا التطور لا يتأتى إلا بالإفساد في الأرض، إذن لما قامت قائمة العراق في العراقة والحضارة إلا عندما فتّت العراقيون وسوّوا بالأرض كل ما هو بابليٌّ وسومري... وهكذا دواليك... (تدمر) في سورية و(البتراء) في الأردن... والقائمة تطول.
إذن، ما الذي دهى المسئولين في الوطن حتى يقرروا أو يسكتوا عن تخريب أهمّ موقع أثري عراقة وقيمة، عرفته شبه جزيرة العرب؟ هل هي هدية أخرى من هدايا هذا العام لشعب البحرين، أم هي موضة هذه الأيام يا ترى؟! «الموضة الطالبانية» المكررة، عندما قاموا بتفجير تماثيل (بوذا) الأثرية، إلا أن هؤلاء القوم فعلوا فعلتهم بالديناميت والصواريخ وكل ذلك طبعا بعد أخذ (فتوى) الملا عمر، إلا أن جماعتنا في البحرين ماضون في مشروعهم بذكاء ودهاء وهم لا يحتاجون إلى الديناميت ولا إلى الملا عمر! فكل شيء يتم عبر (القانون!) وبهدوء وتخطيط متقن للغاية... والكل في سبات عميق، وبقدر ما تكون هذه العملية التخريبية ذكية جدا للمصالح الفردية فإنها في الوقت ذاته غبيّة جدا بعواقبها الوخيمة والكارثية على شعب البحرين وعلى التراث الإنساني بكّله.
ديلمون، وما أدراك ما ديلمون، الحضارة والثقافة، الإبحار والتجارة التي ارتبط بها البحرينيون قبل 4500 سنة ها هنا، على هذه الأرض التي نحن عليها، أيا ديلمون: إن جدرانك تباع بأبخس الأثمان، وسواحلك تنتهك أعراضها بالدفن والردم كل يوم، يا من كنت عصيّة على الغزاة أصبحتِ اليوم متهالكة منزوعة القوى بعدما عاث فيك المتمصلحون وكسّر أطلالك النفعيّون.
أسأل الدولة كم سيدرُّ عليكم مشروع بيع الأراضي هذا؟ حتما ان الدخل لن يكون منافسا أو حتى موازيا للمداخيل التي سنجنيها سنويا عبر ترويج السياحة «الأثرية»/ «الثقافية» التي يعشقها معظم السياح وخصوصا الأجانب منهم، وكل ذلك طبعا عبر زيادة واستكمال التنقيب لا التخريب!! النتائج الإيجابية ستكون جدا مدهشة بعدما نسوّق لحضارتنا الرائدة وآثارنا الفريدة في كل العالم، الذي يجهل الناس في معظم دُوله حضارة باسم ديلمون أو تايلوس أو البحرين، وكل ذلك طبعا بفضل الاهتمام «الزائد والكبير!!» من وزارة الإعلام، وبفضل سياسة التحديث وتجميل الآثار «بالأسفلت والإسمنت!!» وكذلك العناية بسواحل ديلمون وتايلوس عبر «ترصيعها» بالصخور الجيرية وحذف الرمال إليها... يا عجبي!
ونختمها بمناشدة شعب البحرين: ألا تغار على تاريخك؟ هل تسكت عن هكذا انتهاك لحضارتك؟ أم هل يرضيك اقتحام تراثك وثقافتك والفتك بآثار أجدادك؟! أخذت السياسة كل عقولنا واستحوذت علينا كل ندواتها ومظاهرها؟! ألا يستحوذ علينا يوما تاريخنا؟ أم لا تستحوذ علينا لحظة «ديلمون» المنتهكة حرمتها؟! أيتها الجمعيات، أيتها المنظمات: هل تستطيعون التوقف هُنيئة عن «التنظير» و«السجال» وتهبّوا لنجدة ديلمون؟!... وما أدراك ما ديلمون
العدد 74 - الإثنين 18 نوفمبر 2002م الموافق 13 رمضان 1423هـ