العدد 738 - الأحد 12 سبتمبر 2004م الموافق 27 رجب 1425هـ

هل يشكل العراق الجديد تهديداً للنظام الإسلامي في إيران؟

فاضل عباس سلمان comments [at] alwasatnews.com

لا يوجد مجال للشك في أن النظام العراقي السابق قد شكل تهديداً كبيراً للنظام الإسلامي في إيران، وقد تمثل ذلك واضحاً في الحرب التي شنها على إيران والتي قدم لها بإلغاء اتفاق الجزائر بين البلدين في اقتسام شط العرب. كان التهديد يحاول إضعاف النظام ومحاصرته، بل والمضي نحو إسقاطه ليتسنى لحاكم العراق آنذاك أن يبسط سيطرته على المنطقة كاملاً. لقد كان التهديد مباشرا، احتلال أراض وتدمير بنى تحتية وتجنيد قوى معارضة، في حرب ضروس استمرت ثماني سنوات، أضعفت البلدين معاً، ولم تستطع تلك الحرب إسقاط النظام الإسلامي بل على العكس جعلت المواطن الإيراني يلتف حول نظامه إذ كان الدفاع عن النظام هو الدفاع عن البلاد نفسها، وهي الدفاع عن حق المواطن الإيراني في العيش بكرامة.

هل كان النظام العراقي يريد إسقاط النظام الإسلامي في إيران؟ بمعنى هل كانت النية تستهدف النظام الإيراني لأنه تبنى الخيار الإسلامي في الحكم؟ وهل كان لاختلاف الأيدولوجيا بين النظامين دور في ذلك؟ أم إن الهدف هو إضعاف النظام الإيراني نفسه لأن الفرصة كانت مواتية، إذ الدولة كانت تودع نظاماً وتستقبل آخر فشكلت حال الفراغ السياسي نقطة ضعف قادت النظام العراقي لأخذ خطوة البدء نحو تحقيق هدفه.

ما يهم الآن هو حال التهديد التي شكلها النظام العراقي لإيران الإسلامية والتي لسخرية القدر ودع النظام العراقي حلبة المسرح بسرعة لم يكن يتوقعها، ربما لأنه لم يعد يجيد التمثيل في عصر تبدلت فيه مدارس التمثيل والإخراج وتطورت كثيراً، بينما بقي النظام الإسلامي يلعب أدواراً مهمة ومحورية بكفاءة تزيد هنا وتنقص هناك.

ماذا عن النظام الحالي في العراق، أو النظام المرسوم لهذا البلد؟ نظام علماني فيدرالي تعددي، هل يشكل أو سيشكل تهديداً للنظام في إيران كما كان سلفه؟ المؤشرات تقول إن النظام الجديد ومن سيكون على سدة الحكم قد تعلم من دروس الماضي الكثير، وأنه ليس على استعداد البتة لخوض أية مغامرة من أي نوع تدخل العراق والمنطقة في متاهة جديدة. «أنه وقت السلام والبناء» هكذا يقول العراقيون. أنهم يرسلون التطمينات تلو التطمينات للدول المجاورة بضرورة الكف عن أية عبثية قد تقود المنطقة إلى ما يحمد عقباه. وإيران ليست استثناءً من ذلك، ناهيك عن وجود روابط تاريخية طويلة بين البلدين، فضلاً عن عوامل الجغرافيا والدين الذي يتشارك فيه البلدان.

العراق الجديد، عراق ديمقراطي فيدرالي علماني، عراق يؤمن بالتعددية الحزبية والتعددية الدينية والتعددية الاثنية، عراق يختزن موارد بشرية وطبيعية كبيرة جدا للحد الذي يجعل منه دولة متقدمة على كل المستويات الاقتصادية والصناعية ويحقق للفرد حياة معيشية كريمة.

هذا العراق الذي ستشكل العلمانية إحدى أسسه، بتوافق تام بين كل طوائفه وأعراقه سيعمل على احترام الأديان وحمايتها. فلن يجد المواطن العراقي بعد اليوم أية مشكلة في التعبير عن دينه والقيام بممارسة عقائده كيفما يشاء. نظام يفصل بين الدين والسياسة، لكنه لا يلغي الدين ولا يتعرض لأهله. نظام يحترم معتقدات الناس ولا يصادر حرياتهم، طالما تزامن ذلك مع احترام القانون. هذا النظام بدأ يتشكل في العراق في ظل تحرر الحوزة العلمية في النجف من كل قيودها التي فرضت عليها قرابة الثلاثين عاماً، فعادت لاعباً أساسياً في تشكيل نظامها الحاكم. وعلى رغم ذلك، فهي لم تدعُ ولم تشترط أن يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع. هذا التوجه كان واضحاً وواعياً ونابعاً عن فهم إسلامي لطبيعة دور الدولة في حياة الأفراد، والذي عبّر عنه أحد رجال الدين الحوزويين في العراق عندما قال: «نحن لا نمتلك مشروعاً شيعياً خاصاً بنا، إنما نمتلك مشروعاً عراقياً وطنياً ينطلق من أن الدين منفصل عن الدولة. فالدولة - والقول مازال لرجل الدين العراقي - إنما هي تقوم بتوفير خدمات للمواطن فلا توجد دولة كافرة ودولة مسلمة، إنما يوجد أناس مسلمون وأناس كافرون».

هذا الفهم لطبيعة العلاقة بين الدين والدولة والذي تتبناه المرجعية في النجف الأشرف يختلف كلياً عن طبيعة الفهم للعلاقة ذاتها لما تراه المرجعية في قم المقدسة. فمرجعية النجف ترى إمكان قيام نظام علماني يكتسب الشرعية من قبول الناس به، نظام لا يعتمد على ولاية الفقيه ولا يحتاجها، نظام لا يحتاج لمجلس صيانة الدستور ولا تشخيص مصلحة النظام، نظام يحترم تعددية الناس الفكرية والإيديولوجية، ويجيز تعددية الأحزاب، ولا يحجر على أحد ترشيح نفسه لأي موقع في الدولة. نظام يقوم على اقتصاد السوق وجلب الاستثمارات والتخصيص وعدم هيمنة الدولة على قطاعات الحياة.

إذا استطاع هذا النموذج أن يرى النور - وهو ليس بالشيء المستحيل - عندها قد يتساءل المواطن الإيراني: ما المشكلة في النموذج العراقي العلماني والمدعوم من المرجعية الشيعية في النجف؟ لماذا لا يكون لدينا نظام كما هو عند جيراننا طالما أنه مقبول من مرجعية دينية شيعية كمرجعية النجف؟ هل مازال نظامنا الإسلامي في إيران هو النموذج الوحيد والصحيح للحكم؟ والسؤال مازال للمواطن الإيراني.

سؤال كهذا هل يمكن أن يشكل تهديداً للنظام الإسلامي في إيران؟ ربما. هل كان صانع القرار الأميركي يرجو نتيجة كتلك عندما قرر أن يطيح بصدام حسين؟ ربما.

كاتب بحريني

العدد 738 - الأحد 12 سبتمبر 2004م الموافق 27 رجب 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً