«كوبا مناهضة للنظام الرأسمالي، وخارجة عن نطاق سيطرة البنك الدولي، على رغم وقوعها تحت ضغط إعلامي وسياسي وسيكولوجي هائل، ووجودها عند مرمى حجر أشرس قوة استعمارية في العالم المعاصر، بالإضافة إلى أنها محاطة بحصار اقتصادي وتجاري شامل لامثيل له في التاريخ المعاصر». جاء ذلك على لسان حميد خنجي، في ندوة «الثورات الوطنية... كوبا نموذجاً» التي نظمتها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، مساء الأحد الماضي في مقرها في الزنج.
واستعرض عضو المنبر ورقة تناولت الثورة الكوبية، والنظام السياسي الكوبي ومجالات التنمية فيها، على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وعلاقة كوبا بالنظام الاشتراكي، وصلتها الوثيقة بالاتحاد السوفياتي سابقاً. وفي معرض إشادة خنجي بالإنجازات التي حققتها كوبا في مختلف المجالات، قال: «إن المهتمين بالشأن الكوبي لا يمكنهم أن ينكروا التقدم النسبي، والنجاحات التي حققتها كوبا لشعبها، ليس في الجانب المادي الحياتي فقط، سواءً أكانت خدمات صحية وتعليمية ووظيفية وتوفير الضمان، بل أيضاً ما حققته من مستوى رفيع في المجال الروحي، فهناك الأدب والفن والسينما الكوبية والرياضة والجوانب الاجتماعية الأخرى».
وتساءل: «هل يمكن ربط هذه الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، بشكل ميكانيكي بطبيعة النظام الاشتراكي، أو يمكننا القول إن النظام الاشتراكي ما هو إلا انعكاس لهذه الإنجازات؟ أنا اعتقد أن المسألة ليست بهذه البساطة، فدول الرأسمالية المتقدمة وحتى الدول النامية الغنية، تمكنت من توفير خدمات ومستويات متقدمة في بلدانها، بسبب قدراتها الاقتصادية الكبيرة».
واسترسل قائلاً: «انتصار الثورة في كوبا لم يكن من السهل تطويره إلى ثورة اشتراكية، فثورات كثيرة حدثت في العالم النامي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية كثورة مصر وإيران والجزائر والعراق واليمن، لم تتجه إلى مثال شبيه بالثورة الكوبية عدا تجربة اليمن إلى حد ما».
وأضاف: «التجربة الكوبية تبدو متلائمة مع المتغيرات العالمية، وانعكاسها على شتى مناحي الحياة الوطنية للشعب الكوبي، متخذة مصلحة غالبية الشعب الكادح قبل كل شيء بعيداً عن التجريد النظري والجدل البيزنطي. هذا إذا كان النظام الكوبي تنطبق عليه المعايير الحادة للاشتراكية، واما إذا ما كان النظام قد أصبح رأسمالياً بحتاً، وجرى بيع الأخضر واليابس برخص التراب كما حدث في الدول الاشتراكية السابقة الأخرى، فجلّ وسائل الإنتاج الأساسية ستكون واقعة تحت سيطرة وتخطيط الدولة بشكل أو بآخر، وبالتالي فمزايا وخيارات العملية الإنتاجية تتوزع على الغالبية العظمى من الشعب العامل، إلى جانب أن قوة عمل الشغيلة ليست بضاعة تخضع للمضاربة في السوقين الداخلية والخارجية. وهذان العاملان الاقتصاديان الأساسيان ينفيان عن النظام الكوبي صفة رأسمالية الدولة التي يحلو للبعض إطلاقها عليه».
وبالنسبة إلى الممارسة الديمقراطية في كوبا أوضح خنجي قائلاً: «لكوبا ديمقراطية اشتراكية إيجابية تصب في مصلحة الكادحين الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان، وليست الديمقراطية الشكلانية التي تعبر عن مصلحة الطبقة المهيمنة، وهي ذات مجتمع إنساني آمن وخصوصاً على الصعيد الداخلي فيما يتعلق بعلاقات أفراد الشعب، فالأمراض الاجتماعية المتفشية في الدول الرأسمالية الكبرى، مثل انعدام الأمن وتفشي الجريمة والرشوة والفساد والأمراض النفسية ليست مرتفعة بالمعدلات العالمية ذاتها في كوبا».
وامتدح خنجي الشعب الكوبي مبيناً أنه «يتمتع بحس أممي وتضامني مع الشعوب، وهو حساس بطبيعته من تدخل الآخرين في شئونه الداخلية وذو فطرة جدالية، فهو لايحترم الرأي والرأي الآخر فحسب، بل يمتلك ذهنية تتسم بالشفافية وعدم الركون إلى المسلمات، وهو لا يغض الطرف عن الأخطاء والنواقص أبداً، بل يجابهها ويصارحها، ويتسم بحس إبداعي رفيع أهله لإنتاج وإعادة إنتاج كوادر قيادية من الطراز الأول، تتصف بالإخلاص والجسارة وهي المسألة الحاسمة في كل الثورات، وخصوصاً الثورة الاشتراكية وكيفية المحافظة عليها»
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 735 - الخميس 09 سبتمبر 2004م الموافق 24 رجب 1425هـ