ترى ما الذي يجعل الخطاب الشيعي يحيل جل مشكلات البلد إلى ما يعتقد أنه ظلم واقع ضد منتسبيه؟ المسألة بحاجة إلى تقصٍ. لن أختلف هنا أن بعضنا يضخم القضايا أحياناً، بيد أن لذلك أساساً موضوعياً، يتعلق بطبيعة توزيع الثروة، في دولة ريعية، يعتبر التوظيف في أجهزتها نوعاً من التقسيم لمداخيل النفط. حين يلاحظ هؤلاء المواطنون أن الوظائف وغير الوظائف تتوزّع بين الجماعات المواطنة الأخرى، بعيداً عن أسس الكفاءة في أحيانٍ كثيرة، من دون أن ينالهم من «الطيّب نصيب»، وكأنهم «أولاد العبدة»، فذلك، بالضرورة، يفرز رد فعل عكسياً.
لو دققنا في الأجهزة العسكرية، لرأينا تمييزاً فاقعاً. ولو لاحظنا سياسة التوظيف في المؤسسات التي استحدثت بُعيد انطلاق المشروع الإصلاحي، مثل النيابة العامة والمحافظات وأمانتي مجلسي الشورى والنواب والمحكمة الدستورية، لترسخ الاعتقاد بأن الحديث عن الأسرة الواحدة مجرد كلام.
هذا لا يعني أن تمييزات أخرى لا تقع، بسبب الجنس أو العرق، فربما تقدم أبناء القبائل على أبناء الهولة في مواقع ما، ويصير العكس في مواقع أخرى. لكن الظلم الواقع على الشيعة يبدو أشد، وفي أحيانٍ كثيرة فإن الأجانب مقدمون عليهم، ما يجعل كلمة «بحراني» تشير إلى الدونية.
إذا طالب الشيعة بالأولوية، فهذا عين الظلم. لكن تبدو مطالباتهم تتركز على تكافؤ الفرص والمساواة. وهو مطلب شرعي وسيسهم في تعزيز المواطنية، ويحقق نوعاً من العدالة.
قد يعتبر البعض القضية لا تستحق كل هذا الضجيج، مبررين ذلك بأن التمييزات واقعة على الجميع، لكن الحقيقة أن الموضوع أكثر تعقيداً.
يمكن أن تتجاهل قوى المجتمع، بما فيها المؤسسات الرسمية، هذا الشعور المتنامي، وتعتبره «عقدة اضطهاد» لا أكثر، لكن هذه «العقدة» قد تنفجر في وجه الجميع، كما انفجرت في تسعينات القرن الماضي حاملة مطلباً دستورياً...
ستبقى قضية المساواة ملحة، ومن المصلحة العمل حثيثاً على تأسيس دولة القانون التي تعتبر المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات
العدد 733 - الثلثاء 07 سبتمبر 2004م الموافق 22 رجب 1425هـ