واقعة اختطاف الصحافيين الفرنسيين كريستيان شينو وجورج مالبرونو في العراق من قبل ما يسمى بالجيش الإسلامي أعطت الكثير من الدروس والعبر للشعوب العربية والإسلامية. فهذه الحادثة التي قد تكون عابرة بعد سنوات عدة أقامت فرنسا ولم تقعدها منذ 20 أغسطس/ آب الماضي ولمدة عدة أيام متواصلة، ولكن ماذا عملت فرنسا في محاولاتها من أجل إطلاق سراح رهينتين فقط من مواطنيها؟
يمكن تلخيص الجهود التي قامت بها فرنسا من أجل إطلاق سراح مواطنيها في الآتي:
- إطلاق الرئيس الفرنسي جاك شيراك دعوات عدة من أجل الإفراج عن الرهينتين.
- إيفاد وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنيه ووفد من كبار المسئولين الدبلوماسيين والأمنيين يتقدمهم رئيس جهاز المخابرات والخبير في الشئون العربية الجنرال فيليب روندو إلى بغداد وعمّان والقاهرة، بالإضافة إلى إجراء اتصالات بعدد من دول الخليج.
- عقد سلسلة من الاجتماعات المتواصلة بعد تشكيل لجنة أزمة داخل الحكومة الفرنسية أشرف عليها رئيس الوزراء جان بيار رافارين، ووجه الوزراء عبر تصريحاته المتتالية إلى ضرورة الإسراع في معالجة الأزمة.
- قيام وزير الداخلية دومينيك دو فيلبان بتنظيم مظاهر الغضب التي اجتاحت المجتمع الفرنسي.
- اندلاع المظاهرات الغاضبة في مختلف المناطق الفرنسية للمطالبة بالإفراج عن الرهائن.
- قيام مؤسسات المجتمع المدني الفرنسية بدور كبير في المطالبة بالإفراج وحشد كل القوى السياسية والاجتماعية إمكاناتها وقدراتها من أجل هذا الهدف. وفي مقدمة هذه المؤسسات اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا، والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي شكل وفداً ثلاثياً رافق وزير الخارجية في جولاته السريعة.
- قيام المؤسسات الإعلامية الفرنسية بدور كبير في تغطية وقائع الأزمة، وأبرز هذه المؤسسات مجموعة إذاعة «فرنسا الدولية».
تلك كانت أبرز الجهود التي قامت بها فرنسا، التي زادتها احتراماً على الصعيد الدولي، وهو ما أفرز حالاً واسعة من ردود الفعل في مختلف أنحاء العالم من المؤسسات الدولية، ومن حكومات البلدان. ومثل هذه الجهود الجبارة التي بذلتها الحكومة الفرنسية تستحق الدراسة والاهتمام، في الوقت الذي مازلنا نعاني فيه من احتجاز مجموعة من المواطنين في غوانتنامو والسعودية وكرواتيا، ونجد الجهود المبذولة من قبل الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني لا ترتقي إلى حد يمكن أن يظهر بعض الأمل خلال الفترة القليلة الماضية بعد أن دبّ اليأس في نفوس أهالي المعتقلين من أبناء الوطن والمعتقلين أنفسهم. وهذا كله سيساهم في فقدان المواطنين الثقة بالحكومة ومؤسسات المجتمع المدني. فعلى سبيل المثال لم نجد بياناً صادراً عن الحكومة يبدي قلقه من احتجاز هؤلاء المواطنين في تلك البلدان على رغم العلاقات الجيدة التي تربطنا بحكوماتها. ولم نجد وفوداً من المؤسسات الحقوقية تشارك في عضوية الوفد الأمني الذي أرسل قبل فترة إلى الولايات المتحدة لمتابعة قضية معتقلي غوانتنامو لدعم الجهود الحكومية المبذولة. وفي الوقت نفسه فإن الإعلام المحلي، وخصوصاً الإذاعة والتلفزيون، ظلاّ بعيدين عن هاتين القضيتين، وكأن قضية احتجاز المواطنين في الخارج أمر غير مهم ولا توجد حاجة إلى طرحه في وسائل الإعلام للفت الانتباه إليه لأنه قضية غير وطنية.
مجرد مواطنين اثنين قامت لهما الدنيا ولم تقعد، ونحن نطالب على مدى سنوات وشهور طويلة من أجل إطلاق سراح معتقلي غوانتنامو ومعتقل في السعودية وآخر اكتشف حديثاً في كرواتيا. وهذا كله يطرح سؤالاً: متى ندرك قيمة الدم البحريني/ العربي المسلم الذي ننتمي إليه أجمعين، وهل أصبح الدم الفرنسي أرقى وأسمى من الدم البحريني/ العربي المسلم. ويكفينا إدراكاً بما وصل إليه حالنا من أن هناك رهينة محتجزاً مع الرهينتين الفرنسيين في العراق قد لا يعلم الكثيرون عنه شيئاً، وهو سائقهما السوري الذي لم تتحرك له الحكومات العربية لأن دمه عربي فقط
العدد 730 - السبت 04 سبتمبر 2004م الموافق 19 رجب 1425هـ