العدد 73 - الأحد 17 نوفمبر 2002م الموافق 12 رمضان 1423هـ

الصحافة سُلطة رابعة... وليست سَلَطة رابعة!!

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

ليس دور الكاتب، والمثقف، والداعية، والصحافي... ان يدوسوا المجتمع ويمسحوا به الأرض غير عابئين ظنا منهم ان ذلك يوصلهم إلى الإمساك بأول خيط يقودهم إلى حيث بريق المنصب ولمعان الحساب المصرفي.

انها كلمة وحروف مغموسة بالكذب وأكبر شيء على الله والوطن والمجتمع ان يأكل المثقف لقمة عيش مغموسة في الكذب وخداع المجتمع وحتى السلطة. ليس دورنا ان نأكل لحم الناس نيئا. ولعلة نطيل صلاتنا ونهز سبحتنا وعلى نخب جوع الناس ندق الكأس ليلا.

الكثير من حياتنا تغير وهناك معايير سياسية لدى السلطة اختلفت وعلمت ان من يجيد الرقص الثقافي في الكبريه السياسي لا يمكن ان يخدم لا مجتمعا ولا سلطة فهو يسيء للسلطة وللفكر والثقافة أكثر من انه يحسن، لأن قاعدة (اكذب، اكذب، اكذب حتى يصدق الناس) أصبحت قاعدة قديمة وأثبتت التجربة ان الموضوعية والاتزان بين النقد الذاتي وتثمين التجارب والمكتسبات بعيدا عن الأجندات الخاصة هي الأفضل دائما إلى سمعة ديمقراطية أي دولة فكيف لو أصبح القلم همه الدائم دوس المجتمع، وتجريحه والتشكيك الدائم في مواقفه وبطريقة تعميمية فاضحة تدل على عقدة نقص يشهد عليها التاريخ الطفولي المربك والتنقل الوظيفي «النظيف». فالتشهير بسمعة الناس وتجريحهم ليس حرية ولكن هذا هو قدر الثقافة في البيئات العربية دورها ان تكون في الصفوف الخلفية في قاعات المؤتمرات العامة وغيرها لتصبح الثقافة الهزيلة والسطحية من المثقفين العاديين جالسة على المقاعد الوثيرة الناعمة وفي الصفوف الأمامية. كل شيء مقدر سوى الثقافة والمفكر في المجتمع العربي الا ان يقبل بحلب ثقافته ساعة الطلب أو ان يكون مثقف علاقات عامة أو سائق ثقافة «24 ساعة تحت الطلب».

وهذا هو الواقع. الثقافة تصبح مستنقعا آجنا آسنا عندما يصبح في المجتمع مثقفون تحت الطلب وتارة لا يكون طلب ولكن المثقف يتبرع بمحاولات خلق الوقيعة بين المجموعة الواحدة وبين الشعب والسلطة. فتلك مسافات ولله في خلقه شئون.

يذكر لنا التاريخ الحديث ان مثقفا سأل صديقه المثقف الآخر لماذا تقوم بالوقيعة بين السلطة والمجتمع وبالنميمة السياسية؟ فقال: هكذا لاعتبارات خاصة... كيف أعيش، كيف أقبل لأي فاسد يعتاش على دكاكين الفتنة. وعلى رغم اعترافه فانه كابر في ذلك أيضا واعتبر ذلك نوعا من أنواع الوطنية فراح يتهم صاحبه قائلا: أنت تكتب للمال أليس كذلك؟ فرد عليه متسائلا: وأنت تكتب لماذا؟ فرد المثقف المدجن: أكتب للشرف. فأجابه بلغة وطنية مفحمة: نعم، أنا أكتب للمال لأن المال ينقصني وأنت تكتب لـ «الشرف» لأنه ينقصك... وقيل قديما (ان الأمثال لا تعارض).

الثقافة يجب ان يكون دورها هو التقريب بين المجتمعات، الحفاظ على النسيج المجتمعي، تقوية وجهات النظر بين السلطة والمجتمع لا الوقعية بينهما ومحاولة إثارة النعرات وتوظيف أي حدث وأي الواقيعة، وأي نكة، وأي كحة للتسيس ولضرب «أسفين» الفتنة.

البعض يريد ان يجعل الصحافة سلطة رابعة ضمن مقبلات مائدة الوزير. ان اللعب بالنار عبر الكتابة له مساوئ على الجميع وطريقة اللمز والغمز الدائم باستخدام (فئة حزبية) و(فئة صامتة) سيكون له مردوده السلبي والخطير وسيعمل باتجاه حشر حتى المعتدلين في الزاوية الضيقة وليست مشكلة الثقافة الوطنية أو المثقفين الوطنيين إذا كان هناك من يعيش أزمة هوية وصعوبة في استبدال «العين» بالألف. يجب ألا تتحول هذه إلى عقدة نفسية، فالأوطان تقوم على الإخلاص لها والاندماج فيها مع نسيان الوطن الأصلي. والرسول (ص) يقول: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». إن بعض النغمات الشوفينية هذه ليست مستقرة في لغة الجميع مهما كان انحدارهم فيوجد من قاموا وأسسوا ثقافة التعايش والحب ومن الفئات ذاتها. إذن هي عقدة شخصية وليست عقدة مجموعة أو أمة والناس الطيبون النظيفون ومن كل الأطراف لا تستوقفهم عقدة تغير الحروف وعدم ضبطها.

ولا يجعلونها مبررا للهجوم على المجتمع بين الفينة والأخرى بل هناك من ذهب للتبرؤ من هذه الاطروحات الأثنية العصبوية للتبرؤ منها ومن أي مثقف يحاول التخلص منها ومن عقدتها بدوس المجتمع وبالوقيعة بين الدولة والناس.

ولا يمكن لا للسلطة ولا للمجتمع ان يصدقا الثقافة الكاذبة ويكفي ان هناك من المسئولين من بدأ يظهر امتعاضه من هذه الكتابات، لأنها أصبحت تحرج الجميع لما تحمله من لغة ممجوجة وقديمة أصبحت محل استخفاف وامتعاض الجميع خصوصا بعد المحاولات الكريمة من تقريب وجهات النظر والتركيز على القواسم المشتركة.

إن الهجوم المستمر بإطلاق النار ليس لعبة من ألعاب (الأتاري) يلعبها الصحافي يلقيها ويسير، وليست علبة كبريت يشعل بها النيران كالأطفال ثم يأتي بعد زمن يذرف دموع الحسرة... أبدا انها تؤدي دورها وهي تصل إلى جميع المثقفين والعلماء والناس العاديين وإذا سببت فتنة فإنها لن تأكل الا من أشعلها وذاكرة الشعوب لا تعرف النسيان ولا يمكن ان تغفر لمثل هذه الكتابات التي تحاول جاهدة تقسيم المجتمعات بمثل هذه التقسيمات الحادة وبلون «أبيض وأسود» وكأننا في جنوب افريقيا أيام «الابارتيد». وتلك حقيقة توصل اليها نزار قباني وهو يصف بعض المثقفين العرب قائلا:

وإذا أصبح المثقف عهرا

يستوي الفكر عندها والحذاء

ان «رامبو» هذا البطل الهيليودي الشهير بطل في حدود عمله لكنه الرجل الانثوي الشهير إيضا في المجتمع وفي أسرته ولدى كل الناس.

وان العنترية الصحافية واجادة فن دوس المجتمع لابد ان يكون لها نهاية، وكثيرا ما علمتنا التجارب العربية ان الكتابات التي جاءت في سياق بث الفتنة الداخلية والنفخ في نار الحرب الأهلية سواء في لبنان أو في اليمن أو في فلسطين وتقسيم المجتمع الواحد إلى «أسود وأبيض» «شريف وساقط» و«حدوي ومقسم» «وطني وخائن»، كثيرا ما علمتنا هذه الكتابات ان أصابع كتابها هي أول من تحترق بنار مثل هذه الفتن وإذا - لا سمح الله - اندلعت فستأكل أبناءها لأنهم منبوذون من كل الأطراف بمن فيهم السلطة ولن يرحمهم أحد. فمفرق المسلمين ومن يعمل على تكفيرهم أيضا بحجة «التوحيد» و«الدعوة الإسلامية» هو أول من تأكله نار الفتنة ثبت ذلك تاريخيا. من أثار الفتنة الأهلية في لبنان مات فلم يبك عليه أحد وأصبح سبة في فم كل المسلمين على اختلاف مشاربهم في حين بقي الشيخ حسن البنا والشيخ محمد جواد مغنية اسمين خالدين في ذاكرة التاريخ وفي عقول الأجيال.

لقد استفادت الأمم العربية والمجتمعات الإسلامية من تجاربها سواء في التاريخ الاسلامي القديم أو الحديث فما عادت تصدق من يملكون المواهب «الحربائية» في التلون وتغير الجلد وتبدل المواقف فهم آخر من يصدقهم الناس «فالناس لا تمشي وراء مهرج ولا تؤمن بنبي كذاب يدعي النبوة زورا».

إذن ما هو الحل؟ الحل يكمن في تأسيس واقع متوازن يبتعد عن التطرف في النقد وحلحلة القضايا سواء عبر صحافة أو كتابة أو جمعية والابتعاد عن تجريح المجتمعات وتقسيمها تقسيمات إثنية ثنائية والابتعاد عن الارتماء الكلي في أحضان السلطة وبأن كل ما يشرع، وما يقال، وما يؤسس هو صحيح وحكيم ورشيد. الحال الوسطية والفكر الوسطي المتزن هما الأسلوب الأمثل. تعزيز وتثمين المكتسبات الوطنية مع عدم نسيان محاربة الفساد ورموزه في أية وزارة وعدم التباكي على أي مسئول يقوم عمله الإداري على الفساد الإداري وعلى أساليب المحسوبية. فليس دور الوزير احتضان المطرودين فإن ذلك يأخذ من رصيده لدى المجتمع ولدى الدولة أيضا.

فالوزير يجب ان يكون أبعد مسئول في أية وزارة عن تفريخ أصدقائه في الوزارة، ففي عصر الشفافية والتكنلوجيا وثورة المعلومات والإنترنت ما عاد شيء خافيا خصوصا إذا جاءت بعض الفضائح على لسان كبار المسئولين وفي الملتقيات الثقافية غيرها، حيث انه - ولله الحمد - جاء توجه التشهير بالفساد ومحاربته من الدولة ذاتها وكبار المستشارين المثقفين في دعواتهم الدائمة إلى محاربة الفساد الإداري والمالي.

هذه هي الصحافة، يجب ان تكون صحافة رقابية حتى يتعزز كل منهج إصلاحي والصحافة النزيهة تكون واضحة كظهر الكف لا شيء فيها مغطى، قد يغضب عليها الناس، قد يضيق صدر المسئول منها ومن «وجع الرأس» ولكن هذه هي الصحافة وتحمل (سلطتها) باعتبارها سلطة رابعة. وتلك هي مشكلتنا، المشكلات تلاحقنا وان فررنا منها... لا أعلم ان كان من حسن المصادفة أم من سوئها ان يأتيني خبر جلب مجموعة من المدرسين العرب قبل أسبوع «مصريين، أردنيين» تأكدت من الخبر فعلمت بوجود وبقاء «20 مدرسا مصريا في فندق سان روك» أما البقية فقد أخذوا طريقهم إلى سكن الشقق المفروشة بعد ان تم الفحص عليهم في احد المراكز الصحية القريبة من الفندق ذاته. وللأمانة فإن مجيئهم جاء قبل التشكيل الوزاري الجديد.

دائما ما أقول: هي وزارة وليست مكتبا سياحيا وشققا مفروشة. تلك سوأة الماضي نتمنى ان تتغير مع التشكيل الوزاري الجديد

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 73 - الأحد 17 نوفمبر 2002م الموافق 12 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً