ليس من المستغرب أبداً أن تبدأ جمعية الوفاق الوطني الإسلامية في التفرع والانقسام، انه الشيء الطبيعي لهذه الجمعية التي حملت منذ يومها الأول من تشكيلها اختلافات جوهرية في الأفكار والتوجهات لم تكن خافية على الكثيرين بما فيهم أعضاء الجمعية، تمثل ذلك جليا حتى في اسم الجمعية - الوفاق - بل حتى الفترة الزمنية التي تطلبها ظهور هذه الاختلافات لم تكن قصيرة كما ربما تصور البعض.
أعضاء الوفاق فاجأهم تطور الوضع السياسي في البحرين كما فاجأ الكثيرين، فوجدوا أنفسهم أمام واقع سياسي جديد انتقلوا فيه من وضع المعارضة الجماهيرية غير المنظمة وغير المنتظمة إلى واقع سياسي يعترف بالعمل المعارض ويتعامل معه جزءاً من النظام السياسي، فكان لابد أن ينتظموا في جمعية سياسية وبسرعة كما الآخرون الذين وان كانوا كالوفاق في مفاجأتهم بالوضع إلا أنهم كانوا منتظمين أصلاً في جمعيات سياسية غير رسمية أو خيرية، فلم يجدوا صعوبة في التحول بسرعة إلى جمعيات سياسية علنية ذات أهداف وتوجهات واضحة المعالم قليلة التباين.
فالسرعة التي أنتجت الوفاق أجلت فرز التباينات ومراجعة التوجهات والاختلافات إلى حين أصبح من الصعوبة استمرار حال الوفاق فيما بينها، فهي خليط من الإسلامي المتشدد إلى الإسلامي المعتدل إلى الإسلامي الذي يرنو إلى قيام جمهورية إسلامية إلى المسلم الليبرالي والمسلم العلماني. وهي اختلافات تعبر عن تباينات في منهجيات التفكير والنظر إلى أمور الحياة.
ربما كان المشترك الوحيد بين أعضائها هو الطائفة ومظلوميتها والرغبة في الاستثمار السريع لحركة الشارع الواسعة في واقع سياسي الكل كان راغباً في دخوله والاستفادة منه على أساس التصور بأن دستور 1973 سيغدو هو المرجع السياسي للحياة المقبلة. ولم تتصور أنها ستدخل في كل هذه الإشكالات الدستورية والسياسية. هنا نحن نتحدث عن إشكالية تكوينية (عملية تكوين وإنشاء الجمعية).
الإشكال الآخر هو إشكال تنظيمي، فالوفاق تحولت من حركة احتجاج ومعارضة كانت العلاقة بين أفرادها قائمة على الرمز القائد، القائد الذي يقود ويأمر الجماهير والقاعدة التي تقدس وتأتمر بأمر قائدها، وخصوصاً أن هذه العلاقة استمرت سنوات طويلة تكرست معها وتجذرت كثيراً أدبيات هذه العلاقة. بل ووجدت لها في التاريخ والتراث أمثلة ترفدها وفي الحاضر ما يعززها ويدعمها. وهي علاقة ربما تختص بها الحال الشيعية في علاقة أفرادها برجال الدين. علاقة لها مركباتها وتداخلاتها. هذه العلاقة انتقلت مع الوفاق وهي في شكل جمعية سياسية من المفترض أن يحكمها قانون ولائحة داخلية وجمعية عمومية وإدارة تنفيذية منتخبة.
فالوفاق ظاهراً أصبحت جمعية سياسية لها رئيس وإدارة وجمعية عمومية مسئولة عن وضع البرامج واتخاذ القرارات، أما عملياً فهي مازالت مجموعة من الرموز الدينية وجماهير تتبعها من خلال هذه العلاقة الروحية، ناهيك عن مرجعياتها من خارج التنظيم السياسي. وهذه الحال مرشحة بقوة لأن تستمر فترة ليست بالقصيرة يصعب معها كثيراً فك هذه التداخلات وإعادة ترتيبها وتنظيمها، وخصوصاً أن هناك من هو مرتاح ومستفيد من مثل هذه الحال، إلاّ أن البعض الآخر يجد صعوبة أيضاً في استمرار هذه الحال، ويرى ضرورة أن تتعامل الجمعية مع نفسها على أنها جمعية عمومية وإدارة منتخبة تتعامل على أسس مؤسسية يكون مركز قرارها داخل الجمعية نفسها لا خارجها. هذا البعض الراغب بقوة في خوض العمل السياسي سيحتاج إلى وقت طويل ليتمكن من تصحيح وضع الجمعية بحسب فهمه ورؤيته، وفي الغالب لن يستطيع فعل ذلك.
يبقى أن نقول ان الانقسام ليس سيئاً بالمطلق، كما أن الاندماج ليس مفيداً بالمطلق أيضاً. إنما هما حالتان طبيعيتان تمر بهما المؤسسات في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية.
كاتب بحريني
العدد 728 - الخميس 02 سبتمبر 2004م الموافق 17 رجب 1425هـ