شغلت الصحف العبرية والأميركية على حد سواء، مسألة أعادت إلى الأذهان قضية الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد الذي مازال مسجونا في أميركا، وهي التحقيقات التي تجريها وزارة الدفاع الأميركية بشأن جاسوس إسرائيلي يعمل في «البنتاغون» هو لاري فرانكلين الذي سرب إلى «إسرائيل» أسرارا بالغة الحساسية عن إيران. وعلى رغم مسارعة «إسرائيل» إلى نفي وجود أي جاسوس لها في واشنطن ووسط مخاوف حقيقية، من تأثير ذلك على العلاقات الأميركية الإسرائيلية قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الأميركية الرئاسية، شغلت هذه القضية الصحف العبرية، ولو لم تفاجئ أحدا، على أساس أن «إسرائيل» تملك «سمعة مشبوهة» على هذا الصعيد وقد اكتسبتها في الثمانينات حين جندت من تصفه بأنه المحلل الاستخباراتي الأميركي اليهودي بولارد ليتجسس لصالحها، أكدت التعليقات أن لا شيء ثابت في هذه القضية الجديدة وأن الأمر قد يكون على علاقة بالانتخابات الأميركية، وهو الأمر الذي أكده تصريح رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية أهارون زئيفي من أن قضية التجسس المثارة الآن في أميركا «هي مجرد لعبة انتخابية أميركية». وأكدت معلومات أحد المعلقين أن فرانكلين يؤمن بشدة بأفكار «المحافظين الجدد» لكن المعلقين الإسرائيليين استخدموا أيضا هذه الانتخابات ليرسلوا إشارات إلى الأميركيين تحمل في طياتها تهديدات مبطنة لأركان إدارة بوش بأن اليهود سيتحولون عن تأييد الرئيس الحالي إلى منافسه الديمقراطي لأنه «إذا تم انتخاب جون كيري، فهذا يعني أن المتهم الجديد، لاري فرانكلين سيخرج من هذه القضية ولن يفقد مكانته في المجتمع الأميركي بسبب آراء كيري السياسية المعروفة في هذا السياق». وأبرزت «هآرتس» في خبر افتتاحي ترجيح مصادر أميركية بأن يتم إسقاط التهم الموجهة إلى فرانكلين وذلك بسبب عدم وجود أدلة على أن فرانكلين كان يعمل لصالح «إسرائيل» أو اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشئون العامة «إيباك». غير أن الصحيفة لفتت إلى احتمال اتهام فرانكلين بإساءة استخدام وثيقة سرية أميركية. إلا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي «أف بي آي» لم يعلن رسميا حتى الآن ما هي التهم الموجهة إلى فرانكلين وما إذا كان سيتم اعتقاله أم لا. في الوقت الذي يقوم فيه المحققون الفيدراليون بتوسيع التحقيق ليشمل وزارة الدفاع والخارجية ومؤسسات خارج الإدارة. ونقلت عن مسئول قريب من القضية أن موظفي التحقيقات عبروا عن رغبتهم في استجواب مساعد وزير الدفاع لشئون السياسة دوغلاس فايث ونائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز. في المقابل نقلت الصحيفة العبرية عن مصادر إسرائيلية أن «إسرائيل» لم تتلق أي طلب من أية مؤسسة تابعة للإدارة الأميركية لتزويدها بمعلومات أو توضيحات بشأن التحقيق مع فرانكلين. وعلقت «هآرتس» في افتتاحيتها على قضية التجسس التي كشف النقاب عنها أخيرا في أميركا. ولاحظت أن أسئلة كثيرة أثيرت بشأن القضية غير أن عدم وجود دليل على تورطه في القضية وعدم اعتقال أي شخص حتى الآن، لم يحميا «إسرائيل»من تلقي اللوم في قضية التجسس التي حصلت داخل وزارة دفاع أعز أصدقائها. وأضافت الصحيفة أن ثمة تفاهمات بين واشنطن و«إسرائيل» بشأن عدم تشغيل الجواسيس، غير أنه من غير الواضح ما إذا كانت الدولة العبرية التزمت بها. وأوضحت أن عدم وجود دليل يدفع إلى الاستنتاج بأن ثمة أطراف في واشنطن لديها مصلحة في إثارة القضية من أجل العثور على كبش فداء. وأشارت «هآرتس»، إلى وجود أطراف أخرى في المنطقة ترغب في تخريب العلاقات الأميركية - الإسرائيلية (في تلميح واضح إلى المحيط العربي) بقدر ما يرغب بعض الأطراف الأميركيين في إلحاق الضرر بحملة الرئيس جورج بوش الانتخابية من خلال التشهير بسياسته تجاه «إسرائيل». لافتة إلى أنه ما من قضية أفضل من التجسس لتحقيق أهداف كل هذه الأطراف. وخلصت إلى أن مواجهة كل هذه التهم تحتم على إدارة بوش أن تقدم دليلا واضحا على القضية. ومن جانبه، سجل ناثان غوتمان في «هآرتس» في رسالته من واشنطن «بورتريه» للمتهم بالتجسس، مستهلا ذلك بالإشارة إلى أن فرانكلين لم يخف مطلقا دعمه لـ «إسرائيل». ونقل عن زملاء له في مكتب الشرق الأدنى وجنوب آسيا في «البنتاغون» أن تعاطف فرانكلين مع «إسرائيل» كان علنيا. فهو لم يكن يتوانى عن الإشادة بالدولة العبرية واتخاذ مواقف عدائية من عدد كبير من الحكومات العربية والإسلامية لاسيما النظام الديني في إيران والديكتاتوري في العراق أيام حكم صدام حسين. وأضاف غوتمان، أنه كان محلل الشئون الإيرانية في المكتب المذكور وأجرى دراسات بشأن «حزب الله» والإسلام والسعودية. وهو حائز على دكتوراه في الدراسات الشرق آسيوية من جامعة سان جون في نيويورك. ويتحدث الفارسية والعربية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية. ولفت غوتمان، إلى أن آراء فرانكلين السياسية مشابهة لآراء المسئولين عنه أي دوغلاس فايث ووليام لوتي. فهو مثلهم يؤيد سياسة التحرك من أجل إحلال الديمقراطية في الأنظمة العربية و«خلق» حلفاء مؤيدين لأميركا في الشرق الأوسط. غير أن غوتمان، نقل عن زملاء فرانكلين أنه ساذج بعض الشيء وهو ما أدى إلى تورطه في المشكلات. وأوضح أنه لم يكن يدرك خطورة نشاطاته لذلك فهو لم يحاول أن يخفيها. لافتا إلى انه زار «إسرائيل» ثماني مرات عندما كان يخدم في القوات الجوية الأميركية ويعمل في «البنتاغون». لكن غوتمان، اعتبر أن استمرار فرانكلين في منصبه يعتمد على الرئيس الذي سينتخبه الأميركيون. فإذا تم انتخاب المرشح الديمقراطي جون كيري، فهذا يعني أنه لن يفقد مكانه وذلك بسبب آراء كيري السياسية المعروفة. وخاضت مجلة «واشنطن مانثلي» في قضية التجسس هذه، في تقرير نشرته تحت عنوان «إيران كونترا 2» فلاحظت أن التحقيق مع فرانكلين بشأن تسريبه معلومات حساسة تتعلق بسياسة واشنطن تجاه إيران، يسلط الضوء على الصراع غير المرئي الذي تشهده إدارة بوش بشأن توجه السياسة الأميركية نحو إيران. وعرضت المجلة ملابسات القضية استنادا إلى تحقيقاتها الخاصة. فكشفت أن فرانكلين وزميلاً له في مكتب «فايث» هو هارولد رود، كانا الموظفين الأميركيين المتورطين في إجراء اتصالات مع تاجر الأسلحة الإيراني مانوشير غوربانيفار وغيره من المنفيين والمنشقين والمسئولين الحكوميين الإيرانيين. وأوضحت أن غوربانيفار هو الشخص نفسه الذي لعب دورا رئيسيا في فضيحة «إيران كونترا» خلال ولاية الرئيس الأميركي الراحل دونالد ريغان. غير أن المجلة لفتت إلى انه من غير الواضح بعد العلاقة بين هذه الاتصالات وتهم التجسس الموجهة إلى فرانكلين. لكن المجلة أشارت إلى ان مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف. بي.آي» يعتبر هذه اللقاءات جزءا من التحقيق الجنائي الذي يجريه عن القضية. واعتبرت أن سبب تردد الإدارة الأميركية في الإفصاح عن هذه الحقائق واضح وهو نابع من حقيقة أن اللقاءات التي جرت بين غوربانيفار ومكتب مساعد وزير الدفاع هي دليل على وجود فصيل في وزارة الدفاع يحاول أن يعمل خارج القنوات الطبيعية للسياسة الخارجية الأميركية للدفع نحو تبني أجندة لتغيير النظام في إيران لم يوافق عليها الرئيس بوش
العدد 725 - الإثنين 30 أغسطس 2004م الموافق 14 رجب 1425هـ