بعد - ما نكاد أن نسميه - يوم النكبة، وفي الوقت الذي فاجأ الجميع العدد المميز من صحيفة «الوسط»الصادر يوم الثلثاء 24 أغسطس/ آب، وأبهرت الشارع التغطية الحية التي نقلت نبض الشارع بصورة صادقة بعيداً عن جو التبريرات والتطمينات المعهودة، بدليل ان الاعداد جميعها نفدت من الأسواق في زمن قياسي، خرج الينا بعض الإعلاميين (الكبار) ليهمش هذه التغطية الحرة ويصفها بأنها محض تهويل وتضخيم!
لا ندري، هل ان هؤلاء (الإعلاميين) نزلوا إلى الشارع ورأوا الناس كيف يبحثون عن ملاجئ تقيهم لهيب الحر في حال هستيرية؟ أم انهم اكتفوا بتشغيل «الجنريتورات الخاصة» والجلوس امام هواء المكيفات البارد، ليملأوا صفحاتهم بالتطمينات الزائفة التي لم يعد يصدقها حتى المغفلون؟ لماذا يصر البعض من الاعلاميين على العيش في أجواء المجاملات والتملق للمسئولين وتخدير الشعب بأساليب الكذب الصحافي؟ العجيب في الامر أن هذه العقليات لم تعد تتقبل تخطئة المسئولين الذين عاشت ردحاً من الزمن تقتات من نميرهم العذب في مقابل تقديس أخطائهم التي أهلكت الشعب في تلك السنين العجاف! هؤلاء كانوا ومازالوا يربتون على أكتافنا كلما حدثت انتكاسة ويقولون لنا في كل مرة: ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النُّــــوَّمُ. صفحة سوداء كعتمة الليل التي لم يبددها انقطاع الكهرباء، صفحة عكست بلونها صورة «البؤس» والانهاك التي اعترت وجوه الآلاف ممن لم يجدوا مفراً من مواجهة النار والظلام، تلك هي الصفحة الأولى من عدد يوم الاثنين الأسود. صفحة يبدو أن سوادها كان أشد وطأً على بعض رجال الإعلام فضلاً عن المسئولين! وإلا فلماذا أبدى بعضهم انزعاجه منها وراح يلوح بأن «بعض الصحف صورت الأمر وكأنه كارثة»؟!
وأية كارثة أشد نرتقبها أن تقع؟!
لم نصدق يوماً اننا سنجد منبراً نتنفس فيه بعمق ونبوح عما كبتناه طويلاً. حتى أذن الله لـ «الوسط» بأن تكون القلب النابض بخفايا المآسي التي يعانيها هذا الشعب المنتقص حقه والمغيب صوته. وسرعان ما امتلأ الشوفينيون حنقاً وغيظاً لهذا المتنفس الذي يؤلمهم جهره بالحق وبهموم الناس التي غيبوها طويلاً. مايضيركم ان تنعكس الحقيقة على مجرد وريقات ليس إلاّ؟ ومن قال لكم إن ما حدث ليس كارثة؟ وأية كارثة أقسى من أن نقدم ضحيتين، وعشرات الشيوخ والأطفال يوشكون على الموت من دون ملجأ؟ ولكن اذا عميت اعينكم ان ترى ما حصل يوم الاثنين «يوم الحصاد المر» فإننا في المرات المقبلة التي نتيقن ان الكهرباء ستنقطع فيها على رغم التطمينات الزائفة، وبدلاً من ان نتوجه الى المجمعات والى المطار الذي اغلق ابوابه في وجوه الهاربين من الحر، نعم... سنتوجه كلنا الى بيوتكم او الى مباني صحفكم التي تختبئون فيها تحت ضخ «الجنريتورات غالية الثمن». ونتمنى ألا توصد أبوابكم في وجوهنا خشية غضب المسئولين!
من الذي يؤجج الشارع؟
يا أنتم... ليست الصورة الحية التي تحاكي واقع الناس هي التي تؤجج مشاعرهم، بل انها تلك الظلاميات وتجاهل أحاسيس الناس في هذه التغطية أو تلك. غياب الحقيقة دائما هو ما يثير حنق المجتمع. الآن كل العالم يدرك ان الشعب البحريني ليس شعباً ساذجاً يسهل اسقاطه في احابيل الصحافة. شعبنا اصبح يمتلك وعياً بما يدور في دهاليز الوزارات وأروقة المؤسسات من فساد وتلاعب. شعبنا لا يحتاج إلى عارضي عضلات يظهرون بين الفينة والأخرى يزعمون الدفاع عنه باسمه في الوقت الذي هم يطعنونه من خلفه سواء قصدوا ذلك ام لم يقصدوا.
أين كنتم قبل أن تولد «الوسط»؟
طريف ذلك «القفز المفاجئ»، ومضحكة تلك «الدمقرطة الساخنة» التي أخذت فجأة تتحسس آلام الناس وتستأسد على المسئولين بين عدد وآخر في صفحاتكم. وبقدر ما يسعدنا هذا التحرر الخجول فإن السؤال لا يفارق مخيلتنا: أين كانت هذه الجرأة قبل أن تولد «الوسط»؟ ألم نكن نتأوه بالأمس وأنتم صامتون كأن على رؤوسكم الطير؟ حدث ما حدث ولم نجد منكم سوى الدوس على جسد الميت والتصفيق وراء الجاني.
ولدت «الوسط» وأخذتم تفتحون النار عليها كلما سنحت لكم الفرصة، وأنتم الذين سرقتم جرأتها ونزاهتها ورحتم تتصنعون حرية الطرح ومحاكاة الشارع، بيد أن ما تضمرونه في قلوبكم لا يفتأ حتى يظهر على فلتات أقلامكم، تفضحون أنفسكم بأنفسكم... لمن؟ للشارع الذي لم تعد تخفى عليه بواطن الأقلام، وللمجتمع الذي لم يعد يصدق دبلجة الآلام وفذلكة التصريحات وفبركة المواقف.
متى تصمتون؟... متى تترك أقلامكم بصيص النور يتسع؟ أم تخافون أن تتصاغر كوة الظلام التي تستركم؟ حكوميون أكثر من الحكومة... ومناضلون أكثر من المناضلين... لا تعرف لكم وجهة معينة... تتقلبون كتقلب الدهر! أعرف أن هذا لا يحرك فيكم شعرة، ولكن أكتب ذلك ليعرف الرأي العام أكثر عن الذين يرفعون راية المواطنة في عناوينهم ويمزقونها بأقلامهم مجهولة الهوية.
لعل الصورة اصبحت جلية وواضحة لمن يهمهم الأمر. افعلوا ماتشاؤون ودعوا «الوسط» تفعل ما تشاء... لم يعد يهمنا ما يقال هنا او هناك، ولكن يهمنا ان نجد متنفساً كلما ضاقت بنا السبل ذرعاً. فلا تحبطوا عزائم الجنود المجهولين في جس نبض الشارع ونقل الحقائق. ربما تترك الصورة الصادقة اثراً في نفس مسئول هنا او هناك فينتفض الضمير الإنساني وتنتصر الحقيقة
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"العدد 723 - السبت 28 أغسطس 2004م الموافق 12 رجب 1425هـ