أكد السيدمحمد حسين فضل الله، أنه يجب أن يخرج المحتل الأميركي الآن من النجف كمقدمة لخروجه من كل العراق، مشدداً على زحف العراقيين للنجف لحماية المرجعية تحت هذا العنوان. ورد على وزير خارجية الحكومة العراقية المؤقتة متسائلاً: هل الميليشيات الكردية هي من أبناء الست؟ وأكد أن النجف قضية تخص كل العالم الإسلامي، وليست مسألة داخلية.
وجاء في تعليقه على تطورات النجف الأخيرة بقوله: «إن ما حدث ويحدث للنجف يمثل جريمة كبرى حتى وإن تحدث البعض عن خطأ ما، كما أن ذلك يمثل خيانة ولذلك أدنّا وندين الحكومة العراقية المؤقتة في اصل إرسالها القوات الأميركية المحتلة إلى النجف، وخصوصاً بعد القصف المجنون الذي طاول الحجر والبشر، ولانزال نأمل بأن تحل المسألة بطريقة سلمية تحفظ للنجف قداستها وحريتها، وتهيء الوسائل لحرية الإنسان العراقي كله من خلال زوال الاحتلال الأميركي المغطى بما يتحدث عنه بأنه سيادة عراقية.
وأضاف: «إننا إذ نرحب بزحف العراقيين إلى النجف من خلال المرجعية التي نحترمها ونقدرها، فإننا نحذر من بقاء الاحتلال الأميركي في النجف. ويجب قبل كل شيء أن يخرج المحتل من النجف كمقدمة لخروجه من العراق كله أو يجب أن يكون زحف العراقيين لحماية النجف وصون القيم الإسلامية والمرجعية الإسلامية في العراق تحت هذا العنوان، أي خروج المحتل من النجف الآن قبل كل شيء، حتى تنطلق جماهير العراق المؤمنة إلى النجف وإلى الصحن الحيدري الشريف والمرقد المقدس ووادي السلام، والنجف قد تحررت من دنس القوات الأميركية لتكون النجف لأهلها وللعالم الإسلامي كله، لأن مشكلة النجف هي مشكلة قوات الاحتلال الأميركي ونحن نرفض الاحتلال بكل أشكاله المعلنة أو المغطاة بغطاء رسمي.
ورد فضل الله على وزير خارجية الحكومة العراقية المؤقتة الذي قال إن مسألة النجف مسألة داخلية فقال: «إننا نقول له إن النجف لا تدخل في المسألة الجغرافية لأنها للعالم الإسلامي كله، ومن حق العالم الإسلامي، كما يتدخل في القدس، وكما يتدخل لو اعتدي على مكة والمدينة، فإن من حقه أن يتدخل لحماية النجف في حرياتها ورمزياتها... إننا نقول له: افهم طبيعة الأشياء ثم تحدث بها، كن وزير خارجية يستطيع أن يفهم خلفيات الأمور ومعنى المقدس... إنك لا تتحدث عن الميليشيات الكردية فلماذا تتحدث عن الميليشيات العربية الشيعية... إنكم إذا كنتم ضد الميليشيات، ونحن ضد الذين ينشرون الفوضى، لكن لماذا لا تتحدثون عن الميليشيات الكردية؟ هل هم أبناء الستّ والآخرون أبناء الجارية؟ كونوا عراقيين، ولتكن الحكومة العراقية لكل العراقيين؛ هذا هو نداؤنا للجميع».
الإدارة الأميركية لا تتواصل إلا بالقتل
إلى ذلك سجل فضل الله، للإدارة الأميركية أنها تواصلت مع العرب والمسلمين بكل أساليب القتل والدمار والإلغاء والهيمنة، وذلك في معرض تعليقه على الدعوات الأميركية إلى التواصل مع العالم الإسلامي.
ورداً على سؤال وجه إليه في ندوته الأسبوعية عن جدوى دعوات المسئولين الأميركيين للتواصل والانفتاح على العالم الإسلامي، فأجاب: لعلّ من الأمور التي تبعث على السخرية والاستهجان أن تتحدث رموز الإدارة الأميركية الحالية عن أنها تدرس أفضل السبل للتواصل مع العالم الإسلامي، إذ إن هذه الإدارة بالذات تواصلت مع العرب والمسلمين بكل أساليب القتل والدمار والإلغاء والهيمنة، ولم تتحرك خطوة واحدة باتجاه حوار حقيقي وهي حتى عندما لوحت بمشروعات الإصلاح، استخدمتها كورقة تهديد وكفزاعة بوجه هذا النظام أو ذاك بعيداً عن أي استعداد للإفساح في المجال أمام أي إصلاح فعلي في الأنظمة التي اعترفت بأنها دكتاتورية وبأن الولايات المتحدة تدعمها منذ أكثر من ستين سنة.
وتابع: «إن تواصل الإدارة الأميركية مع العالم الإسلامي هو كتواصل الذئب مع الحمل، بحيث لم تسلم منطقة في هذا العالم من العبث الأميركي أو من التآمر لإسقاطها كثمرة ناضجة في يدها، وخصوصاً إذا كانت تحتوي على ثروات نفطية أو مواقع استراتيجية كما حصل في أفغانستان والعراق والخليج... لتبقى المواقع الأخرى محل رصد أو لتكون بمثابة الأهداف المستقبلية للمشروع الأميركي الذي لم ينتهِ فصولاً في المنطقة العربية والإسلامية. لقد باشرت هذه الإدارة حربها على الإسلام كفكر وكدين وكمفاهيم بعد الحرب الضروس التي شنّتها على البلدان الإسلامية تحت عناوين مكافحة الإرهاب أو الإصلاح أو نشر الديمقراطية، فانتشرت ديمقراطية القتل بالمجان والإبادة الجماعية حتى على الشبهة، إذ وصلت أعداد القتلى العراقيين إلى عشرات الآلاف، وإذ بات القتل جماعياً على يد المحتل الأميركي بعدما كان فردياً في كثير من الحالات على يد الطاغية صدام حسين».
وقال: «ولذلك، فنحن نعتقد بأن كل الدعوات التي يطلقها المسئولون الأميركيون والتي تتحدث عن إطلاق الحوار مع العالم الإسلامي أو البحث عن أفضل سبل للتواصل معه، هي دعوات منافقة وذات أهداف انتخابية تهدف إلى استمالة المسلمين وكسب أصواتهم في الانتخابات الرئاسية الاميركية... إذ كيف يُعقل أن تعمل هذه الإدارة على اضطهاد المسلمين وقتلهم في أكثر من مكان من العالم الإسلامي، ثم تصدر القوانين التي تبيح لها ملاحقتهم على الشبهة في أميركا من دون أن تلاحق غيرهم، ثم تتنبّه قبل بضعة أسابيع من الانتخابات الأميركية إلى ضرورة فتح الحوار وقنوات التواصل معهم! إن هذه الإدارة هي التي سمحت بمهاجمة الإسلام كدين ومهاجمة النبي محمد (ص)، وهي التي تحدثت جهاراً عن حملها للعصا الغليظة لتأديب من يراد تأديبه وتخويف من يُراد تخويفه في العالم الإسلامي تحت عنوان مكافحة الإرهاب، ولم تستمع لكل الأصوات الصادقة والمخلصة التي دعت إلى تحديد مفهوم للإرهاب، والتي أكدت ضرورة مكافحة أسباب الإرهاب بالعمل على مكافحة الفقر والظلم والاضطهاد، لأن أي سعي في هذا المجال كان سيضعها في لائحة الاتهام المباشر كونها المسئولة المباشرة عن هذا الإرهاب الذي احتضنته في مرحلة من المراحل أو أطلقته من كوامنه من خلال التزاماتها المطلقة بـ «إسرائيل».
وأضاف فضل الله: «ولذلك، فإن على المسئولين الأميركيين ألا يثيروا الحديث عن الموازنات التي خصصوها أو سيخصصونها للعالم الإسلامي في الإطار الإعلامي أو الثقافي أو برامج التنمية مادامت سياستهم الخارجية تضع المسلمين والعرب في موقع العدو المباشر أو الاستهداف المباشر، وما داموا يصرون على رؤية الأمور في المنطقة والعالم بالعين الإسرائيلية، وماداموا يعملون على نهب ثروات المسلمين ثم يتوددون إليهم باللغة الإعلامية والسياسية التي يعتقدون بأنها قادرة على غسل دماغهم أو تطويعهم، ولكن المشكلة هي أن مشهد الدماء الذي استكملته الآلة العسكرية الأميركية من فلسطين إلى أفغانستان إلى العراق يبقى شاهداً على استحالة أن يصدّق هذا العالم كل دعوات التقرب منه والتي تأتي على طريقة وضع السم بالدسم».
وخلص إلى القول: «وإن هذه الإدارة التي تحدثت عن «الدولة الفلسطينية» هي التي عملت على إلغائها في رسالة الضمانات لشارون التي أسقطت حق العودة وشرّعت الاستيطان وأفسحت المجال للجدار العنصري أن يمتد، فيما يلعب الرئيس الأميركي لعبة خداع الرأي العام العربي والإسلامي. إن المسألة بالنسبة إلى العالم الإسلامي هي المسألة السياسية وهو غير معني بكل هذا اللغو الأميركي عن البرامج الثقافية أو التربوية... فأميركا تعرف والعالم كله يعرف أن المشكلة هي في المسألة الفلسطينية وفي دعمها المطلق لـ «إسرائيل»، والذي انعكس سلباً على صورتها في العالم العربي والإسلامي، والكل يعرف أيضاً أنها (أميركا) هي التي فرضت على مصر وكذلك على الأردن أن يصالحا «إسرائيل» كما فرضت على بقية الأنظمة أن تطبّع الوضع معها وأن تشرّع لها ساحاتها لفتح مكاتب الاتصال فيها».
وختم بقوله: «إن مشكلة العالم الإسلامي مع أميركا ومع هذه الإدارة بالذات هي في نشرها للفوضى الأمنية والسياسية فيه، وفي استباحتها لأمنه السياسي والاقتصادي وفي هجومها الفكري والإعلامي ضد الإسلام، ولذلك فإن هذه الإدارة ليست أهلاً لإدارة أي نوع من أنواع الحوار الجدي مع العرب والمسلمين. ولأن الحوار مع الشعب الأميركي ضروري، فإننا نعتقد بأن هذا الشعب يستحق إدارة أفضل منها بكثير، كما أن العالم يطمح إلى أن تسقط هذه العقلية الإرهابية التي تديرها وألا يختار الأميركيون أية إدارة شبيهة بها كي لا تعبث مجدداً بالأمن العالمي وبمصير البشرية»
العدد 721 - الخميس 26 أغسطس 2004م الموافق 10 رجب 1425هـ