العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ

رابطة آسيا من الاقتصاد إلى الدفاع والأمن

قمة «بنوم بينه» لدول جنوب شرقي آسيا

أحمد ابراهيم comments [at] alwasatnews.com

شهدت قمة بنوم بينه لدول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) للفترة 5 - 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري انعطافة تاريخية في توجهات الرابطة وتطلعاتها. فالرابطة ارتفعت بها إلى مستوى المنظمات الإقليمية والدولية الكبيرة عبر اعتماد مبدأ الأمن والدفاع الذي نصت عليه التعريفات الثلاثة للمنظمة الاقليمية في مبادئ الأمم المتحدة ومقرراتها، بوصفها ذات مسئولية في الدفاع والمحافظة على أمن دولها الأعضاء وصلاحها إلى جانب رفاهية شعوبها وتقدمها الاقتصادي.

وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود (1967 - 1990) اكتفت (آسيان) بالشطر الاقتصادي حتى عرفت بالمنظمة الاقتصادية، ناحية منحى دساتير دولها العملية لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية - خضعت دول (آسيان) المؤسسة الست: اندونيسيا، ماليزيا، تايلاند، الفلبين، سنغافورة، وبروناي للشروط الأميركية ثم الأوروبية في ترسيم سياساتها وتحديد علاقاتها مقابل تعهد الدول الأخيرة بالدفاع عنها وحماية طرقها التجارية.

واسترخت (آسيان) سياسيا وعسكريا وأمنيا، في ظل القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في معظم دول المنطقة، وقطفت ثمار الرخاء اقتصاديا ببروز ظاهرة «النمور الصناعية»، فيما ظلت الشئون السياسية والأمنية في قبضة العسكر المجند في جبهة عريضة متقدمة لنزاعات المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة.

ولما وضعت الحرب الباردة أوزارها وما ترتب عليها، من سقوط الشيوعية وشروع الولايات المتحدة بسحب قواتها من قواعدها العسكرية في الخارج إلى انفتاح الصين وخروج اليابان من عزلتها، صبت هذه الحوادث والتطورات كلها في توجهات وتطلعات «آسيان» كافة نحو تعزيز مكانتها الدولية وضمان تكاملها السياسي والأمني إلى الجانب الاقتصادي، ومواجهة شبح الفراغ الأمني الكبير الذي راح يطارد دول المنطقة بتنافس أعداء الماضي، اليابان والهند والصين، على تعبئة وتهديد أمن المنطقة واستقرارها السياسي والاقتصادي.

وفي غضون التسعينات، تجسدت هذه التطلعات في توسعة «آسيان» وضمها دول الهند، الصين، لاووس وكمبوديا وفيتنام الشيوعية ومن ثم بورما العسكرية. وأضفى التوسع على (آسيان) عمقا جيوسياسيا أمنيا على حدود الصين والهند فضلا عن عمقها الاقتصادي في السوق النامية الكبيرة بثقلها السكاني (400 مليون نسمة). وإذا ما استعرضنا الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء الجديدة، لاسيما كمبوديا وبورما، تتضح أهمية وأولوية الأمن الجماعي والتعاون السياسي والعسكري من وراء توسع (آسيان)، وتغطية مظلتها منطقة جنوب شرقي آسيا كلها.

واستندت (آسيان) في توسعتها بهدف التعاون الأمني السياسي إلى دعامتين أساسيتين تعودان إلى السنوات الأولى لقيامها وتأسيسها العام 1967. تمثلت الأولى في إعلان زوبفان للعام 1971 والذي عبر بوضوح عن تطلعات وطموحات المنظمة إلى التحرير من تدخل الدول الكبرى في شئونها الداخلية. وكان الإعلان أطر هذا التطلع والتحرر في أطر اقتصادية عبر اتفاق التعاون وإقامة منطقة (آسيان) التجارية المتحدة. وتمثلت الدعامة الثانية في اتفاق العام 1976 للتفاهم والتعاون بين دول المنطقة التي تنص على احترام السيادة والحدود وعدم التدخل في الشئون والحل السلمي للنزاعات والخلافات بين الدول الأعضاء.

وبقدر ما كانت هذه المبادئ والاتفاقات التكاملية السلمية سبيلا إلى نهضة (آسيان) الاقتصادية ابان السبعينات والثمانينات حتى منتصف التسعينات كانت وبالمستوى نفسه، ان لم يكن أعظم وأكبر، في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وتجنيبها النزاعات والحروب جراء الخلافات الحدودية والتوترات العرقية والدينية التي تزدحم بها المنطقة.

وفوق هذه الأرضية الصلبة الموسعة قامت قمة بنوم بينه الأخيرة تتصدر القضايا الأمنية الدفاعية جدول أعمالهما، ابتداء شاركت الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية دول (آسيان) العضوة أعمال القمة، وتأتي هذه المشاركة في إطار شعار (آسيا للآسيويين) وما ينطوي عليه من ابعاد سياسية وأمنية في موازنة القوى في المنطقة. وتسعى (آسيان) من خلال هذه المشاركة إلى الحيلولة دون قيام وهيمنة قوة اقليمية أو دولية في المنطقة. فمثلما واجهت الطموحات الفلبينية ومن ورائها القواعد العسكرية الأميركية للهيمنة والنفوذ في المنطقة تواجه الصين وقوتها العسكرية المتعاظمة، ولعل أولى مقدمات هذه المواجهة المشاركة الهندية في قمة بنوم بينه.

إلى جانب توقيع اتفاق أمني سياسي بين الصين و(آسيان) يحدد وينظم سياسات وعلاقات دول المنطقة في بحر الصين الجنوبي حيث تتنازع معظم دول المنطقة السيادة على مجموعة كبيرة من الجزر لاسيما جزر سيراتلي الغنية بالثروات المعدنية والنفط. وعكس الاتفاق حرص الجانبين، «آسيان» والصين، على تطبيق القانون الدولي واجتناب التهديدات والتصعيدات العسكرية في سبيل تسوية الخلافات والنزاعات الحدودية.

وفيما يتعلق بمشاركة اليابان وكوريا الجنوبية في قمة بنوم بينه تسعى (آسيان) إلى ضرب عصفورين بحجر: الأول، ان الدولتين آسيويتان وذاتا ثقل اقتصادي كبير فيما يتمثل الثاني في تحالفات الدولتين السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة، إذ هما تضيفان أكبر القواعد العسكرية الأميركية في العالم، ومن جهة أخرى ينشط داخل (آسيان) محور ثلاثي - الفلبين، سنغافورة وتايلاند - يدعو إلى تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، كما اتضحت وتجسدت هذه الدعوة في عودة قوات عسكرية أميركية إلى الفلبين للمشاركة في محاربة الارهاب والتطرف الأصولي في المنطقة.

وأخيرا، جاءت الحرب ضد الارهاب بقيادة واشنطن التي ترى في جنوب شرقي آسيا جبهة ثانية متقدمة، لتعطي (آسيان) زخما جديدا في انطلاقتها القوية نحو الامن الجماعي ومرة ثانية تأتي مشاركة الدول الأربع - الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية - لتعبر وبوضوح عن انعطافة (آسيان) نحو تأكيد وترسيخ ثم العمل بمبدأ الأمن والدفاع عن ميثاق المنظمة. تنافست وزايدت هذه الدول على وقوعها ضحية للارهاب الدولي. تؤكد الصين على ان الارهاب الدولي يهددها في خاصرتها الشمالية الغربية - أقليم شين جيانغ المسلم، وتطالب العالم لاسيما الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانبها في مقاومة أعماله الارهابية الانفصالية. ومن جانبها تدعو الهند المجتمع الدولي إلى مساعدتها في مواجهة الارهاب في كشمير. وتجدر الإشارة إلى الامتدادات العرقية والدينية بين الهند والصين من جهة ودول جنوب شرقي آسيا من جهة أخرى.

وكذلك الحال مع الدولتين الأخريين، اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تضيقان ذرعا بمشروع بيونغ يانغ النووي، وتلتقيان مع (آسيان) في دعوتها إلى جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

طبعا، لم يفت (آسيان) ان تلتفت وتتذكر في بنوم بينه انطلاقاتها الأولى في التنمية الاقتصادية، حين شهدت القمة توقيع اتفاق قيام أكبر منطقة للتجارة الحرة بين (آسيان) والصين، على ان يبدأ العمل في بناء هذه (السوق المشتركة) من الآن خطوة خطوة حتى العام 2010.

يذكر ان صادرات (آسيان) إلى الصين ارتفعت من 5,2 إلى 10,2 في المئة خلال السنوات (1990 - 2000). وهكذا، تعتمد (آسيان) وتوظف التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري في الدفاع الأمني، مؤكدة ان المنطقة التجارية الحرة ستكون قوة جذب وبؤرة تجتمع وتتعاون فيها دول شرق آسيا، جنوبا وشمالا، بما فيها كوريا الشمالية، بعد انهيار جدُر العزلة والقطيعة السياسية - الايديولوجية

العدد 72 - السبت 16 نوفمبر 2002م الموافق 11 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً