وجه لي الكثير من القراء انتقادات بشأن الكتابات الأخيرة والتي تناولت فيها جانباً كامناً من المجتمع البحريني. وبالطبع مناقشة مثل هذه القضايا بالنسبة للبعض تحمل درجة عالية من الحساسية، وينبغي عدم طرحها علناً من وجهة نظرهم لأنها تمثل مصالح فئة معينة في المجتمع، وهي أمور خاصة لا تحتاج إلى النقد أو المناقشة علناً.
قد يكون هذا الطرح صائباً تجاه قضايا معينة، ولكنه بعيد كل البعد عن الصواب عندما نناقش مسألة الطائفية أو المناطقية التي استشرت عبر عقود طويلة بين الأفراد وداخل المؤسسات، وها نحن اليوم نجني ثمارها وتداعياتها ما يحتم علينا جميعاً معالجتها.
طبعاً مكونات المجتمع ليست بآفة وإنما هي تركيبة فريدة من نوعها بين دول الخليج العربية، وهي نموذج صريح لنظرية الدولة القطرية التي طرحها المفكر الأنصاري في اطروحاته الكثيرة. ولكن من المخجل أن ندس رؤوسنا تحت التراب ونناقش قضايانا المهمة، ونتحدث عن «مصالحنا» و«مصالحهم»، و«إنجازاتنا» و«إنجازاتهم»، وماذا قاموا به وما قمنا به.
هذه الثنائية أصبحت اليوم بحاجة قوية إلى الطرح والرصد والمناقشة والتحليل، لأن سلوكيات وعقلية جيل حقبة الاستقلال قد تغيرت بشكل كبير، وخفّت حدة النعرة الطائفية في تكوينه الثقافي. ولكن المشكلة عندما تأتي عوامل خارجية وداخلية تساعد على غرس وإثارة النعرة الطائفية والمناطقية من جديد. وهذه هي علاقة «التحدي والاستجابة» بمنظور المؤرخ آرنولد توينبي (1889-1975)، فبإسقاط بسيط نجد عندما يظهر تحدٍ ما في المجتمع أو للمواطنين أنفسهم تبرز النعرات الطائفية والمناطقية، وتكون بمثابة استجابة للتحدي الذي يواجهه المجتمع.
وعليه فإنه لابد من الاستفادة من هذه العلاقة في تطوير أنظمة المجتمع، وتحديث بناه التقليدية التي انعكست على جميع مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية. فعلى سبيل المثال إذا أثيرت قضية، ودار جدل حولها مثل مسألة تقنين الأحوال الشخصية، فإنه طبعاً هناك مواقف متباينة لدى كلتا الطائفتين، وهذا يجب أن يكون سبباً في القيام بسلوك أو اتخاذ موقف واضح ومشترك يبلور المصلحة العامة للجميع وفق منظور توفيقي يقرب من الطائفتين لا أن تعالج القضية بشكل يزيد من حدة الخلاف والشقاق. أما سبب التركيز على جيل الاستقلال فيعود بالدرجة الأولى إلى القدرات التي يمتلكها، والفرص الواسعة أمامه لأن يحدث تغييراً في نفسه ويؤثر في صوغ العلاقات الطائفية، وخصوصاً أن تكوينه الثقافي وتجربته التاريخية وظروفه بمعطياته الراهنة ستساعده على ذلك.
في النهاية إذا لم يكن المجتمع البحريني جريئاً بما فيه الكفاية لمناقشة قضاياه ومعضلاته الكثيرة، فإنه لن يحقق أي تقدم منشود إذا كان يخجل من طرح أبسط القضايا وأهمها
العدد 719 - الثلثاء 24 أغسطس 2004م الموافق 08 رجب 1425هـ