وجدت السلطات الاسرائيلية في التهويد درباً وحيدة للحفاظ على يهوديتها ولمقاومة الخطر الديموغرافي الذي يهدد الدولة العبرية التي يتوقع في الفترة القريبة زيادة عدد مواطنيها العرب على اليهود، ما يفقد هذه الدولة يهوديتها. وفي محاولة للحفاظ على يهوديتها تقرر في الجيش الاسرائيلي تهويد 7500 جندي من المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق في حين قرر وزير الداخلية لم شمل الاجانب المتزوجين من يهود وتفكك العائلات العربية الفلسطينية، وذلك بعد ان اقرت «اسرائيل» تعديل قانون المواطنة العنصري ضد ابناء الاقلية العربية في الداخل الرافض لمنح المواطنة بالغاء لم شمل العائلات العربية التي يكون فيها أحد الزوجين فلسطينيا من خارج حدود «اسرائيل».
وصعدت «اسرائيل» في السنوات الاخيرة حملتها لاستقدام المزيد من اليهود على خلفية الهوس الديموغرافي والقلق المتزايد ازاء احتمال ان يصبح اليهود أقلية في فلسطين التاريخية او ارض «اسرائيل» الكبرى من البحر الى النهر، بحسب القاموس الاسرائيلي. وتذكر حركات دينية يهودية ان نحو نصف المهــاجرين الروس الذيــن هــاجروا الى الـدولة العبرية مطلع تسعينات القرن الماضي ليسوا يهودا، وان اعداداً هائلة منهم تؤم اسبوعياً الكنائس المختلفة في انحاء الدولة العبرية.
وكان تقرير صدر أخيراً كشف ان عدد الفلسطينيين سيفوق في العام 2050 عدد الإسرائيليين في فلسطين التاريخية نتيجة للفوارق في نسبة الزيادة الطبيعية بين الطرفين، وفيما سيصبح عدد الإسرائيليين 10,6 ملايين نسمة سيبلغ الفلسطينيون 11,9 مليون نسمة. واليوم هناك 6,8 ملايين نسمة داخل «إسرائيل» من بينهم - بحسب التقرير - نحو المليون نسمة من فلسطينيي 1948 مقابل 3,8 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لكن التقرير يفيد ان الفلسطينيين سيضاعفون أعدادهم ثلاث مرات في غضون أقل من خمسين سنة فيما سيتضاعف عدد الإسرائيليين مرة ونصف المرة فقط، وذلك في ضوء الفارق الكبير في الزيادة الطبيعية، إذ يبلغ معدل عدد الاطفال في الاسرة الفلسطينية 5,7 في المئة مقابل 2,9 في المئة لدى الاسرة الإسرائيلية. ويستمر النمو السكاني الفلسطيني على رغم ان نسبة وفيات الاطفال لاتزال مرتفعة، اذ يتوفى 26 مولودا من بين كل ألف مولود فلسطيني مقابل 5,3 لدى الإسرائيليين على رغم ان معدل جيل الإنسان الفلسطيني 72 عاما أقل من جيل الانسان الإسرائيلي 79 عاماً.
واتخذ مســئول القوى البشرية في الجيش الاسرائيلي قرارا بتسريع اجراءات تهويد 7500 جندي من ابناء المهــاجري من دول الاتحاد السوفياتي السابق، لا يعتبرون يهوداً وفقاً لتعريف اليــهودي في قانون حق العودة لانهم ابناء لآباء يهود وأمهات غير يهوديات، إذ سيلتحق هؤلاء الجنود بدورات مكثفة يتلقون فيها محاضرات عن تراث الشعب اليهودي وعن الصهيونية والهوية الدينية تتبعها مراسم التطهر والختان ثم تصدّق المحاكم الدينية على اعتناقهم اليهودية.
وتحاول سلطات الجيش ان تتم كل هذه الاجراءات بعيداً عن الاضواء خشية تدخل الاوساط الدينية المتشددة التي تتمسك بالمادة الرابعة من «قانون العودة» المعدّل العام 1970 التي تنص على ان اليهودي الذي يستحق الامتيازات والمساعدات المالية الكثيرة الممنوحة للمهاجرين هو مَن ولد لأم يهودية او تهوّد وليس ابن دين آخر. ويقول مسئول عسكري ان 60 في المئة من المجندين من ابناء المهاجرين يرفضون اداء القسم بالتوراة، انما يطلبون ان يتم ذلك بالقسم بالعهد الجديد ليس لإيمانهم به بقدر ما هو احتجاج على عدم اعتراف المؤسسات الرسمية بيهوديتهم. واكدت مصادر عسكرية اسرائيلية انه تم اخيراً تهويد 350 جندياً، وتتجه النية لتهويد 7500 جندي، وان هناك دورة لتهويد الجنود تستمر 12 اسبوعا في مدرسة عسكرية في تسريفين «صرفند الفلسطينية المهجرة» وذلك بالتعاون مع معهد اسرائيلي مدني متخصص في التهويد.
وفي السياق ذاته، أقر وزير الداخلية الاسرائيلي، ابراهام بوراز، نظما جديدة تتجاوز قانون المواطنة الاسرائيلي من خلال تمكين «لم شمل» أجانب يتزوجون من يهود والحصول على حقوق المواطنة من خلال الهجرة الى «اسرائيل». وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الإسرائيلية ذكرت يوم الجمعة الماضية ان بوراز قرر السماح لاولاد لآباء أو أمهات من جميع انحاء العالم بالهجرة الى «اسرائيل» بعد ان تزوج اباؤهم او امهاتهم من يهودي، وانه على رغم ان بوراز كان يدعو دائما الى تطبيق مثل هذا القانون، فإن الاعلان عن قراره هذا يأتي في وقت يتزايد فيه الحديث في «اسرائيل» عما يسمونه بلهجة تنم عن فكر عنصري بـ «الخطر الدمغرافي»، أو التحسب من ارتفاع عدد الفلسطينيين في السنوات المقبلة عن عدد العرب الفلسطينيين في مناطق فلسطين التاريخية، بين نهر الاردن والبحر المتوسط.
ولفتت الصحيفة الى ان الانظمة العنصرية واللاانسانية التي اعلنت عنها وزارة الداخلية، بعدم السماح للاولاد غير اليهود، الذين تزوج اباؤهم او امهاتهم من يهود، بدخول «اسرائيل» بزيارة ابائهم او امهاتهم من خلال دخول «اسرائيل»، خشية ان يبقوا فيها وان يمسوا بالطابع اليهودي. ونصت انظمة وزارة الداخلية، في اعقاب الهجرة الكبرى الى «اسرائيل» من دول الاتحاد السوفياتي السابق، في مطلع التسعينات، على ان غير اليهودي الذي هاجر الى «اسرائيل» بسبب زواجه من يهودي لن يتمكن من احضار ابائه من زواج سابق معه، بينما الانظمة الجديدة التي اعلنها بوراز، تسمح بهجرة ابناء المهاجرين غير اليهود الى «اسرائيل». والمثير في هذا الموضوع انه في حال كان هؤلاء الابناء متزوجين ولديهم عائلات، فانه بامكانهم هم وازواجهم وابناؤهم الهجرة اليها، وبالتأكيد الى المستوطنات في الاراضي المحتلة، كما هو حاصل مع آلاف المهاجرين، الذين زعم انهم يهود، ويتم توطينهم في المستوطنات.
وزعم بوراز انه من غير الانساني الفصل بين الآباء واولادهم عندما يكون الحديث ليس عن غير اليهود، وانما عن غير العرب، وذلك لان الانظمة التي وضعها هذا الوزير نفسه تمنع وتنضم هذه الانظمة البورازية الجديدة الى انظمة اخرى اعلن عنها بوراز في الآونة الاخيرة، بينها منح مكانة مقيم في «اسرائيل» لاولاد العمال الاجانب الذين يوجودون فيها بصورة غير شرعية ومنح مكانة مقيم دائم لذوي جندي خدم لسنة في الجيش
العدد 718 - الإثنين 23 أغسطس 2004م الموافق 07 رجب 1425هـ