ولد الزعيم الشيعي الشاب في النجف العام 1973، الابن الثالث للمرجع الديني محمد صادق الصدر، صاحب الجمعة والكفن الأبيض، والذي اُغتيل بأمر من صدام العام 1999 برفقة ولديه مصطفى ومؤمل. واثناء حياة المرجع الديني السيد محمد صادق الصدر أوكل إلى ولده (مقتدى) رئاسة تحرير مجلة «الهدى»، وعمادة جامعة الصدر الإسلامية. وهو لم يصل إلى مرتبة المجتهد، ويعرف في الحوزة بأنه «طالب بحث خارج»، وهو يؤكد دائماً أنه «ليس مرجعية مقلدة بل وكيل المرجع آية الله كاظم الحائري» بحسب وصية الوالد.
وكان مقتدى شاهداً على مقتل ابيه وأخويه على أيدي المجرمين البعثيين، وقد اختزنت ذاكرته مقولات أبيه من على منبر الجمعة في الكوفة «كلا كلا أميركا، كلا كلا «اسرائيل»، نعم نعم للإسلام».
اُغتيل أبوه جسديا على يد صدام وجلاوزته، كما اغتيل قبلها وبعدها على يد معممين وأدوات المرجعيات التي سماها أبوه بالمرجعية الساكتة، فعاش الابن حالاً من المخزون المزدوج. ولما اسقطت أميركا صداماً كان التيار الذي خلقه الصدر الاب لايزال حاضرا فملأ الساحة والتف حول الصدر الابن، لأسباب عدة منها خلو الساحة العراقية بعد سقوط بغداد من أي من القيادات المعروفة للاجيال الشابة من شخصيات المعارضة السابقة لنظام صدام، والتي جاءت بمعية الاحتلال الاميركي للعراق. ورأى أتباع الصدر الثاني أن أحق من يقودهم هو ابنه.
ميراث الشهادة وكفن الشهيد
سيطر الصدريون على الوضع حيث الفراغ الهائل الذي خلفه الاحتلال، وأخذوا يقدمون المساعدات للناس من المساجد وبعض الخدمات، إذ إثر انهيار حكم حزب البعث كشف أتباع الصدر الثاني عن قوتهم التي تتمثل في شبكة من المؤسسات الخيرية الشيعية التي أسسها والده الشهيد. وفي الأسابيع الأولى التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق انتشر أنصار الصدر في شوارع الأحياء الشيعية الفقيرة من العاصمة بغداد وقاموا بتوزيع الغذاء. كما تم تغيير اسم أكبر حي شيعي في العاصمة بغداد من «مدينة صدام» إلى «مدينة الصدر».
وقام السيد مقتدى الصدر منذ الاسابيع الاولى لسقوط نظام صدام بإمامة الصلاة يوم الجمعة في مسجد الكوفة كما كان يفعل والده قبل اغتياله، وارتدى الكفن الذي يلتف به والده اثناء إمامته للصلاة قبل اغتياله. وبذلك زاد نفوذ مقتدى الصدر وأنصاره مع سقوط النظام. وواصل الصدر دعواته إلى مقاومة الاحتلال الأميركي، وطالب بانسحاب قواته من العراق، وانتقد ضمنا حياد السلطات الدينية في النجف أمام الاحتلال. وتحوّل السيدمقتدى الصدر الى ظاهرة سياسية أثارت وتثير كل هذا الجدل، وجرت خلفها كل هذه التبعات السياسية والأمنية الخطرة بسبب خطأ فادح ارتكبته الولايات المتحدة لحظة تدشينها اللعبة السياسية الداخلية في العراق بعيد سقوط النظام السابق، وهذا الخطأ الفادح ليس سوى استبعاد مقتدى الصدر من الترتيبات السياسية التي باشرت بها لإقامة معادلة داخلية بين الفرقاء الذين نشطوا في الساحة في مرحلة ما بعد صدام، خصوصاً في تشكيلة ما عرف حينها بمجلس الحكم والحكومة التي تمخضت عنه.
والغريب ان الولايات المتحدة فعلت ذلك بناء على مشورة بعض المرجعيات السياسية الشيعية التي قللت في حينها من أمر الصدر، ولأن أميركا كشفت عن جهل مريع بتفاصيل وحيثيات التركيبة الاجتماعية - السياسية - الدينية في العراق، وغفلت بالتالي عن آفاق التطورات التي يمكن ان تذهب اليها الأمور، فإنها أخذت بهذه المشورة، فكان ان وجد الصدر نفسه معزولاً، حين أمسى خارج المعادلة السياسية الجديدة، وهو الذي يعتبر نفسه طرفاً مهماً في الصف الشيعي، على الأقل انطلاقا من المكانة المعنوية والروحية لعائلته التي كان النظام السابق قد صفّى جسدياً بعض كبار أفرادها ومنهم والده كما أسلفنا.
وندد الصدر بمجلس الحكم الانتقالي الذي عينه المحتل لأنه «غير شرعي» بسبب طبيعة علاقته مع قوات الاحتلال، وأعلن عن نيته تشكيل حكومة موازية للمجلس سماها «حكومة الظل» تضم وزارات العدل والمالية والإعلام والداخلية والخارجية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويوضح أن تشكيل مثل هذه الحكومة سيكون فاتحة للعراقيين للتعبير عن آرائهم، وأن الشعب العراقي هو الذي سيمنح مثل هذه الحكومة شرعية بواسطة الاستفتاء عليها، الذي سيكون على شكل مظاهرات سلمية.
وشكل الصدر ميليشيات مسلحة أطلق عليها اسم «جيش المهدي»، واحتفلت ميليشيات الزعيم الشيعي غير المرخص لها بتخريج أول كتيبة في البصرة يوم 6 اكتوبر/ تشرين الأول 2003. ولكنه رفض اعلان الجهاد أو اعتماد المقاومة المسلحة لمقاومة الاحتلال. وقال إن جيش المهدي، الذي أعلن عن تأسيسه قبل اشهر، هو قوة مدنية منزوعة السلاح، فهو بعبارة أخرى تيار مدني غير مسلح يسعى للمساهمة في إعادة إعمار العراق الجديد بطرق سلمية ومدنية مشروعة على حد قوله.
تنديد ببريمر وقانون الدولة
عندما صرح الحاكم الأميركي بول بريمر برفض الإسلام كمصدر رئيسي للتشريع في العراق هدد مقتدى الصدر بإعلان الثورة على الأميركيين، وأصدر مكتب الصدر بيانا يصف تصريحات بريمر بأنها تدخل سافر ومقيت في الشأن الوطني، موضحا «أن وقوع العراق تحت الاحتلال لا يكفي كمبرر للتدخل في إرادة العراقيين».
وهاجم الصدر قانون إدارة الدولة المؤقت واعتبره «وثيقة غير شرعية كتبت في غفلة من الزمن»، وقال مكتبه في بيان إن القانون «لا يمثل طموحات شعبنا، وهو حتماً لم ينبثق عن إرادته ويصادر بكل وقاحة إرادة الأعم الغالب من شعبنا المسلم».
وأعلن الصدر في إحدى خطب الجمعة أن «هذا القانون شبيه بوعد بلفور الذي باع فلسطين... نحن في طريقنا لبيع العراق والإسلام... إنها علامة سيئة».
وأصدر بريمر قراراً بإغلاق صحيفة الحوزة الأسبوعية الناطقة بلسان الصدر بتهمة نشر مقالات تحرض على العنف ضد القوات الأميركية، وقد تطوّرت الحوادث إلى مواجهات دامية بين أنصار الصدر وقوات الاحتلال، وحث الصدر أتباعه على ترويع العدو المحتل بعد أن قال إن الاحتجاجات السلمية لم تعد مجدية، وأضاف أنه يضع نفسه تحت تصرف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله اللبناني، ويرجو أن يعتبروه «ذراعهم الضاربة في العراق».
يذكر أن الصدر أعلن في مؤتمر صحافي أنه سبق أن دعا قوات الاحتلال إلى الدخول في الإسلام كحل للمشكلة. وأنشأ الصدر صحيفة «الحوزة الناطقة» الأسبوعية. وقد أعلنت قوات التحالف في 28 مارس/ آذار 2004 حظر صدور الصحيفة لمدة 60 يوماً متهمة اياها بتشجيع العداء ضد الولايات المتحدة.
ويؤخذ على تيار مقتدى الصدر انه يفتقر لبرنامج سياسي واضح ولمشروع واضح في مواجهة الاوضاع العراقية الناشئة في مرحلة ما بعد احتلال العراق. كما يصف بعض خصومه تياره بأنه غير منظم ومحشو بالعناصر غير المرغوب فيها
العدد 717 - الأحد 22 أغسطس 2004م الموافق 06 رجب 1425هـ