«إن فشل البلديات المحلية هو فشل للحكومة المركزية، ذلك أن الفشل له انعكاسات سلبية على الحكومة المركزية في أية دولة، ولذلك تسعى الحكومات المختلفة، لمساندة البلديات في عملها... لأن تذمر الناس من أية مشروعات فاشلة هو تذمر على السياسات العامة للدولة، ولا نعتقد أن هناك دولة تستقطب الاستياء الشعبي على مشروعاتها... وعليه، فإن الحكومة تقع على كاهلها تهيئة الظروف الملائمة لنجاح مشروع البلديات للقيام بمهماتها المتعارف عليها دولياً، سواء من خلال صوغ التشريعات أو من خلال التوجيه لمختلف القطاعات في الدولة التعاون معها، أو من خلال رصد الموازنات المالية للمشروعات التنموية المختلفة».
تناولت الفقرة السابقة في مقال بتاريخ 22 يونيو/ حزيران 2004 بمناسبة فض دور الانعقاد الثاني، وحينها كنت متيقناً من أن القيادة السياسية بأركانها المختلفة، لابد لها من أن تلتفت إلى وضع البلديات الحرج، أو (بأكثر دقة) وضع المجالس البلدية... وفعلاً كانت هناك التفاتة من جلالة الملك حفظه الله، وتبعتها - الآن - التفاتة من سمو رئيس الوزراء الموقر... إذ التقى حديثاً رؤساء المجالس البلدية، وخلال اللقاء تم التأكيد على عدة محاور مهمة منها ما هو إداري، يتعلق بالوزارات المختلفة وعلاقتها بالمجالس البلدية وتداخل الصلاحيات فيما بينها (المحافظات مثلاً) ومنها ما هو قانوني يتعلق بقانون البلديات، وسوء الفهم واللبس الحاصل بين المجالس البلدية من جهة ووزارة البلديات والزراعة من جهة والوزارات الأخرى من جهة أخرى، ومنها أيضاً «الوضع المالي الصعب» الذي تعاني منه البلديات... ورئيس الوزراء التفت إلى ذلك الأمر، والآن تجري مرحلة إعادة قراءة للواقع البلدي.
ومن الملاحظ انه لا توجد في العالم كله بلديات لها استقلالية تامة عن السلطة المركزية في الدولة، إذ هي جزء من الكيان الإداري في الدولة، ولا يمكن فصلها وإلا أصبح ذلك نوعاً من الفيدرالية التعاقدية أو الكونفدرالية التعاهدية، وهي طبيعة سياسية تختلف عن الطبيعة الإدارية للبلديات أو الوحدات الإدارية في الدولة.
ومع ذلك لا يعني هذا أن تُكبَّل البلديات بقيود وسلاسل تمنعها من تقرير أدنى شئون المناطق الداخلية وإدارتها، وفي ظل أجواء الحرية المحمودة حالياً، استطعنا إيصال أصواتنا للقيادة السياسية التي تفهمت الوضع وعلى ذلك تدرس وتقيم التجربة لكي تهيئ لها سبل النجاح.
فمشروع البلديات ليس مشروع القوى الاجتماعية أو السياسية وحدها أو السلطة السياسية وحدها، فالمجتمع بجميع أركانه وأطيافه وتكتلاته وأقطابه وأفراده (سلطة سياسية رسمية أم قوى اجتماعية شعبية منظمة في جمعيات أم بشكل شخصي كأفراد) جميعها عليها العمل لإنجاح المشروع... فالبلديات أو الإدارة المحلية هي آخر نتاج الإدارة العامة، وهو ما توصل إليه فقهاء علم الإدارة العامة... وعلينا جميعاً يقع عبء نجاح هذا المشروع وتطويره، بغض النظر، عن الأشخاص أو القوى المسيطرة على المجالس البلدية أو السلطة المركزية، هذا إذا ما أردنا لمملكة البحرين أن تكون دولة قانونية مؤسساتية ديمقراطية تقوم على تمثيل الأفراد ومشاركتهم في صنع مستقبلهم البلدي (الإداري المحلي) ابتداءً
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 713 - الأربعاء 18 أغسطس 2004م الموافق 02 رجب 1425هـ