كان من المتوقع أن تُحدث عملية الإصلاح في البلاد منذ منتصف فبراير/ شباط 2001 حالاً من التوازن الطائفي، وأن تُحدث انفراجاً في العلاقات بين الطائفتين السنية والشيعية، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟
مع شروع جلالة الملك في الإصلاح وقيامه بسلسلة من الزيارات المتتالية لمختلف مناطق ومدن وقرى البحرين للم الشمل من جديد، وبسط حال من الانفراج في العلاقات بين الحاكم والمحكوم، وإبعاد التوتر في العلاقات الاجتماعية بين الطائفتين بدأ الحديث لدى الطائفة الشيعية عن فرص وإمكانات المستقبل، وفي الوقت نفسه ظهر تحفظ شديد لدى الطائفة السنية إزاء عملية الإصلاح، وسبب ذلك المكاسب التي نالتها من وجهة نظرهم الطائفة الشيعية، وخصوصاً فيما يتعلق بالخدمات، وما زاد الأمر تعقيداً الإعلان عن حالات التجنيس للكثير من الأجانب المقيمين في البلاد، وأعداد من المواطنين العرب.
ومازال هذا التحفظ في تصاعد مستمر، ولكنه لا يظهر إلى العلن، وإنما يمكن سماعه وملاحظته داخل بيوت ومجالس معظم أهل السنة في البلاد، فهناك مخاوف من الإعلان عن هذه التحفظات أمام السلطة التي يرون فيها امتداداً تاريخياً لهم، وبالتالي لا يمكنهم إعلان معارضتهم لبعض السياسات الإيجابية التي نالت قسماً أوفر لدى الطائفة الشيعية.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل بمرور الوقت ظل السنة مشغولين بمتابعة التطورات السياسية والتفاعلات الجارية بين القوى السياسية، ودخلت بعض القوى الإسلامية السنية في العمل السياسي وحظيت باستحقاق لا بأس به. ولكن عموم السنة صُدمواً لاحقاً بأداء هذه القوى بعد ما أتيحت لها الفرصة في مؤسسة السلطة التشريعية.
وظل السنة يبحثون عن سبيل للخروج من المأزق الحالي، فالساحة السياسية تسيطر عليها التيارات الإسلامية باتجاهاتها المختلفة، بالإضافة إلى بعض القوى السياسية الأخرى التي لا يرون فيها تمثيلاً لهم كطائفة. وإلى الآن مازال أبناء الطائفة السنية ينأون بأنفسهم عن المشاركة في المسيرات والتظاهرات المعبرة عن مواقف الشعب السياسية تجاه القضايا المحلية والإقليمية والدولية. وكل هذه العوامل جعلتهم يبتعدون عن ممارسة السياسة، ولكنهم أصبحوا مراقبين ممتازين لها وتداعياتها التي تمس حياتهم وظروفهم المعيشية بالدرجة الأولى.
مثل هذه الحقائق قد تعكس الخلل الطائفي الذي يمتاز به المجتمع البحريني، وهو بأمس الحاجة اليوم إلى إعادة توازن. فما يشعر به أبناء الطائفة السنية بالتأكيد يهم الطائفة الشيعية والعكس صحيح، لأن العلاقات الطائفية هي أساس تركيبة المجتمع، وأي خلل سيعتريها سيكون له تأثير سلبي على الطائفتين.
وحتى يمكن معالجة هذه القضية فإنه لابد من الإقرار بأن هذه المشكلة ليست مسئولية الطائفة السنية وحدها، وإنما هي مسئولية وطنية أفرزتها الثقافة السياسية البحرينية المتأثرة بممارسات الماضي. ويجب على الدولة ممثلة في السلطتين التشريعية والتنفيذية بحث سبل علاجها عبر التشريعات، واستحداث البرامج الكفيلة بتغيير طبيعة الثقافة السياسية السائدة. وما توجيهات جلالة الملك الأخيرة إلا دليل صريح على إمكانية ذلك وضرورته. كما ان شعور الجيل الجديد من الطائفة السنية بهذه المشكلة يدفعه نحو التفكير جدياً في إنشاء جمعية تدعم تفعيل دور السنة في تفاعلات النظام السياسي، والارتقاء بوعيهم، وهو ما تجري هذه الأيام مناقشته على مستوى بعض النخب
العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ