دورة الألعاب الأولمبية الجارية في العاصمة اليونانية أثينا يمكن قراءتها من أكثر من زاوية، وخصوصا بالنسبة لنا نحن العرب، إذ توجد بيننا وبين اليونان الكثير من أوجه التشابه، تجمعنا معها ضخامة التراث ولكن تفصلنا عنها مفارقة غريبة إذ أصبحت اليونان الآن من أغنى 25 بلدا في العالم، بينما نقبع نحن العرب، على رغم النفط والغاز والموقع الجغرافي الاستراتيجي في ذيل الأمم.
كيف مزجت اليونان بين التراث والحداثة، والأصالة والمعاصرة؟ كيف استطاعت تقديم نفسها من جديد للعالم عبر البوابة الرياضية وأصبحت محط أنظار العالم منذ فوزها بكأس أمم أوروبا الأخيرة، وتنظيمها الألعاب الأولمبية بعد صرف أكثر من سبعة مليارات عليها؟ من أجمل ما كتب عن اليونان حديثاً هو تقرير في صحيفة «الحياة» اللندنية تحت عنوان «اليونان... من بلد يقتات على الأساطير إلى محتفل بايقونات الحداثة»، اليونان تتوقع الآن 20 مليون سائح، واستطاعت على رغم التشكيكات الكبيرة التي سبقت افتتاح الأولمبياد، أن تبهر العالم بحفل افتتاح رائع كان عبارة عن لوحة درامية لونتها الموسيقى وأشكال عدة من الفنون، ليرى العالم في النهاية اليونان التي مزجت بين حضارتها العريقة التي لاتزال تفخر بها ولم تتخل عنها، وبين العصر الحديث وأدواته.
ربما نستطيع الآن أن نعرج على واقعنا العربي، فالمشكلة لدينا معقدة إذ لا يختلف اثنان موضوعيان على عظمة الحضارة الإسلامية (على رغم وجود بعض السلبيات التي لم تخل منها أية حضارة)، ولكننا كأمة مازلنا نتحدث عن الماضي ونقتات عليه بينما واقعنا سيئ بامتياز، والعقدة الأكبر عدم وجود أية رؤية متفق عليها بين قياداتنا المجتمعية والرسمية للخروج من أزمة التخلف، فمثقفونا انقسموا إلى فسطاطين بحسب تعبير بن لادن، قسم يغني على الطريقة التركية... «أمان... أمان»، ويقصد بذلك علمانية أتاتورك المتعصبة التي نفت الآخر وهمشته، وقسم يقول إنه دخل البرلمان «لدفع الأفسد بالفاسد »
العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ