يشغل الصحف العبرية السجال الدائر في الأوساط الإسرائيلية بشأن خطة فك الارتباط وإخلاء المستوطنات والحكومة الائتلافية مع حزب العمل التي يمكن عبرها تسهيل تنفيذ خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون للانسحاب الأحادي من غزة. لكن وقبل تسليط الضوء على هذا الجدل، لا بد من الإشارة إلى انه على رغم الامتعاض الأميركي أو ما تروج له الصحف العبرية بأنه ضغوط أميركية من أجل العمل على إزالة المستوطنات العشوائية في الضفة الغربية، وعلى رغم إعلان سفير الولايات المتحدة لدى «إسرائيل» دان كورتزر عن نفاد صبر حكومته من عدم قدرة الحكومة الإسرائيلية على تفكيك المستوطنات العشوائية في الضفة، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، ببناء ألف مبنى استيطاني في الضفة الغربية.
فقد أشارت «هآرتس» في خبر افتتاحي إلى أن وزارة الإسكان الإسرائيلية أعلنت عن دفتر شروط لإجراء مناقصات من أجل بناء ألف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة. وأوضحت أن المناقصات تتضمن 604 منازل في مستوطنة «بيتار إليت» و214 في «آرييل» و141 في «معاليه أدوميم» و42 في «كرني شومرون».
وأضافت انه بناء على أوامر شارون، أعيد النظر في المناقصات بشكل أصبحت تستثني بناء 156 وحدة في «كريات أربع» و132 وحدة في «جيفا بنيامين». وقالت إن الخطوة أغضبت حزب العمل الذي طالب على لسان عضو الحزب في «الكنيست» أوفير بينس بسحب المناقصات فوراً. وبحسب بينس، يجب أن يكون إلغاء هذه المناقصات شرطاً مسبقاً لانضمام العمل إلى الائتلاف الحكومي.
كما لفتت إلى أن حركة السلام الآن أدانت نشر المناقصات، واتهمت شارون بالجنون إذ تجاهل التزامات حكومته المتعلقة بتجميد الاستيطان، فبدلا من تنفيذ خطة فك الارتباط، يعزز رئيس الحكومة، الاحتلال في الضفة. أما الأميركيون فلفتت «هآرتس» إلى انهم فوجئوا بنشر المناقصات وطالبوا الإسرائيليين بتفسير. على أي حال، يبدو أن لا أحد في الدولة العبرية يصدق آرييل شارون أو لا ينظر بعين الريبة إلى مشروعاته على مستوى تنفيذ خطة «فك الارتباط» أو على مستوى الإخلاءات أو اتخاذ أية خطوة نحو حكومة ائتلافية.
وفي هذا السياق، عرض وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه آرينز في «هآرتس» رأيه بالجهود التي يبذلها شارون مع عدد من الأحزاب الإسرائيلية من أجل تشكيل حكومة ائتلافية. فاعتبر أن شارون يخرق قاعدة أساسية على صعيد السياسات الائتلافية وهي ضرورة التشبث بالائتلاف المتناسق لأن الائتلافات غير المتسقة تجعل من المستحيل إدارة الدولة بشكل فعال. لافتا إلى أن انتخابات فبراير/ شباط 2003 أتت بائتلاف حكومي متوازن استطاع أن ينفذ عددا لا بأس به من الإصلاحات ويرتب «البيت الإسرائيلي» وإذ استعرض آرينز أبرز إنجازات حكومة شارون على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعسكري، رأى أن أهم هذه الإنجازات هو الحملة الفعالة لمواجهة ما أسماه «الإرهاب الفلسطيني».
من جهة أخرى اعتبر آرينز، أن حزب شينوي أيضا يخرق إحدى قواعد السياسة. أي ضرورة التزام الأحزاب ذات المبدأ الواحد بطابعها الخاص. لافتا إلى أن محاولة شينوي التحول إلى حزب يحمل أجندة وطنية مثل ليكود والعمل ستبوء بالفشل خصوصا أن ذلك سيؤدي إلى خسارة هذا الحزب للقاعدة الشعبية التي تدعمه في الانتخابات.
أما «حزب العمل فهو أيضا على وشك انتهاك قاعدة سياسية ثالثة برأي آرينز. والتي تفيد أن المعارضة تعود إلى السلطة عن طريق المعارضة. فالعمل على عكس ذلك سيعود إلى السلطة عبر الانضمام إلى حكومة أبرز منافسيه أي تكتل ليكود. ولاحظ الوزير السابق، أن كل هذه الانتهاكات للقواعد السياسية في «إسرائيل» تحصل من أجل هدف واحد وهو تنفيذ خطة فك الارتباط. مشيرا إلى أن هذا يعني أن إخلاء مستوطنات «غوش قطيف» وقطاع غزة هو أهم بند على الأجندة الإسرائيلية وكل ما تبقى أمور من دون أهمية.
غير أن آرينز، أكد انه من المشكوك فيه أن تستطيع الحكومة غير المتناسقة التي سيشكلها شارون تنفيذ خطة إخلاء المستوطنات التي ستكون أصعب حدث في تاريخ الشعب والجيش والشرطة الإسرائيلية. وطالبت «هآرتس» في افتتاحيتها الحكومة بتنفيذ قراراتها وتعهداتها لاسيما على صعيدي تفكيك المستوطنات العشوائية وخطة «فك الارتباط». ولاحظت أن أقوال الحكومة وعلى رأسها شارون لا تنسجم مع أفعالها. فقد تعهدت بتفكيك المستوطنات غير القانونية وتنفيذ خطة الانسحاب من غزة، غير انه من الناحية العملية لم تنفذ هذه الحكومة شيئا من قراراتها في هذين الشأنين.
غير أن «هآرتس» لفتت إلى انه ليس من الضروري تذكير الإدارة الأميركية بالدافع وراء قرار تأجيل تفكيك المستوطنات العشوائية، أي الخوف الذي تشعر به الحكومات الإسرائيلية عموماً وحكومة شارون خصوصاً، من تلقي صفعات المستوطنين. مشيرة إلى ان الوضع في «إسرائيل» اليوم يدفع فعلا إلى السؤال عن الجهة الحقيقية التي تدير البلاد: هل هي الحكومة أو المستوطنون؟ غير أن «هآرتس» استدركت أن الولايات المتحدة تسدي خدمة إلى «إسرائيل» من خلال دفع حكومة شارون إلى تفكيك مستوطنات تجعل من هذه الدولة «أضحوكة».
وأكدت الصحيفة أن كل التبريرات والحجج التي تطرحها الحكومة الإسرائيلية لعدم تنفيذ خطة الانسحاب أو تفكيك المستوطنات غير القانونية مرفوضة تماما. وانتقدت «هآرتس»، بشكل خاص الرأي القائل انه من غير المجدي تفكيك بعض المستوطنات العشوائية في الوقت الذي سيتم فيه إخلاء جميع المستوطنات في غزة وجزء من الضفة الغربية. مؤكدة أن عدم تفكيك المستوطنات غير القانونية بشكل فوري سيشكل سابقة ونموذجا للاستسلام المستمر للحكومات الإسرائيلية أمام المستوطنين المستبدين.
ورأى يوئيل ماركوس في «هآرتس» انه يفترض على آرييل شارون، خلال مؤتمر تكتل «ليكود» أن يصغي إلى مواقف المتمردين في التكتل ومن ثم يقوم بما يراه مناسبا. واستهل ماركوس، مقالته بالإشارة إلى انه كان من الجيد أن يقوم جهاز «شين بت» بتعزيز الحماية حول شارون، استعداداً للمؤتمر لأن الخطر الذي يتربص به يأتي من داخل حزبه. لافتاً إلى أن عدداً من أعضاء التكتل يتمنون لو يتبخر شارون، قبل تنفيذ خطة الانسحاب من غزة. واعتبر ماركوس، أن المتمردين في «ليكود» يتحدثون اليوم وكأنهم لم يسمعوا أن حلم «إسرائيل» الكبرى قد وضع على الرف منذ زمن. وان العالم قد تغير والاستعمار ولّى وحقوق الإنسان وتحديد المصير أصبحا يشكلان الرصيد الأساسي للعالم الحر.
وان شارون نفسه قد تغير وبدأ يدرك انه تجدر المباشرة بالانسحاب من الأراضي المحتلة من أجل وقف السيطرة على أمة أخرى والتحضير للعيش جنبا إلى جنب مع دولة فلسطينية. وأكد ماركوس، انه من غير المنطقي أن يقوم 3000 عضو في تكتل «ليكود» لا يملكون أهدافا واضحة، بتحديد سلوك رئيس التكتل ورئيس الوزراء. ولفت إلى انه من المحتمل أن يقدم هؤلاء على الضغط على شارون من أجل ثنيه عن مواقفه أو جعله يمشي على الفحم الحامي. غير انه يجدر برئيس الحكومة الذي يملك دعم غالبية الشعب الإسرائيلي أن ينظر في عيني معارضيه ويقول لهم «لقد أصغيت إليكم» ومن ثم يقوم بما يراه مناسباً وهو ما سيكون مخالفاً لتوقعاتهم
العدد 712 - الثلثاء 17 أغسطس 2004م الموافق 01 رجب 1425هـ