العدد 707 - الخميس 12 أغسطس 2004م الموافق 25 جمادى الآخرة 1425هـ

تاريخ الصحيفة ولماذا وُضعت؟

قراءة في «صحيفة المدينة» ... (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يجري هذه الأيام الكثير من الكلام عن «حقوق الإنسان» و«ثقافة التسامح» ويتناسى المتكلمون أن الإسلام شهد في بداياته وضع أول وثيقة تنظم علاقات الناس في إطار قانوني ومن دون تمييز. كان ذلك في عهد الرسول (ص) حين هاجر من مكة إلى يثرب (المدينة) وبنى المسجد وأقر نظام المؤاخاة وشرّع دستور المدينة التي عرفت تاريخياً باسم «الصحيفة».

ما هي الصحيفة؟ ولماذا وضعت؟ وعلى ماذا نصت؟ هذا ما تحاول هذه الحلقات الإجابة عنه. وهنا الأولى.

تتألف الصحيفة، التي هي أصلاً كتلة واحدة، من ديباجة وفقرات وخاتمة. ومجموعها يؤلف الكتاب الذي أطلقت عليه تسميات مختلفة، مثل: الدستور، الوثيقة، الميثاق، العهد، العقد، وغيرها للتعبير عن دلالاته المتعددة. قبل البدء في عرض المفاهيم العامة لبنودها لابد من جواب عن سؤال: لماذا وضعت الصحيفة؟

قبل وصول المهاجرين الى يثرب كانت تتألف من قبيلتين عربيتين كبيرتين (ثماني عشائر) وثلاث قبائل يهودية، وخمس عشائر تعيش بجوار القبائل الخمس الكبرى. والى القبائل والعشائر كانت هناك طائفتان: واحدة يهودية منتشرة في مختلف العشائر والقبائل، ومسلمة (الأنصار) تقتصر على الأوس والخزرج وبعض الأحلاف والصداقات.

وعندما أخذ المهاجرون (المسلمون من قريش ومن حالفهم وجاهد معهم) يصلون تباعاً الى يثرب، هاربين من ظلم قريش في مكة، اضطرب وضع يثرب وكان من الصعب استيعاب كل هذه الأعداد فنشأت الحاجة الى تنظيم العلاقات وترتيبها وفق صيغة دستورية (عهد أو تعاقد) بين أبناء مكة المهاجرين وأبناء يثرب المقيمين من مختلف طوائفهم وعشائرهم.

لم يكن أهل يثرب كلهم من الأنصار. فالأنصار من قبيلتي الخزرج والأوس الذين عاهدوا الرسول (ص) في مكة في بيعة العقبة الثانية (بيعة الحرب) وقبلها بيعة العقبة الأولى (بيعة السلم) كانوا أقلية لا تجاوزون 90 شخصاً. يضاف إليهم بعض الملتحقين بالدعوة التي انتشرت في يثرب بعد ان بعث الرسول (ص) الوفود لتعليم الراغبين في دخول الدين الجديد (1).

كان لابد من تنظيم العلاقة لاستيعاب التعدد حتى لا تدب الفوضى بين الأنصار والمهاجرين، فيثرب كما ذكرنا كانت منقسمة الى كتلتين كبيرتين: العرب (الأوس والخزرج) وعشائر صغيرة تعيش بجوار القبيلتين، ويهود (بنو قينقاع، بنو النضير، بنو قريظة)، وهي قبائل يقال إنها نزحت من بلاد الشام قبل 600 سنة وتطبعت بتقاليد الجزيرة وعاداتها.

وبسبب من ذاك الاستقرار الزمني شهدت يثرب قبل الهجرة خلافات وصراعات بين اليهود والقبيلتين العربيتين. كذلك نشبت معارك بين العرب (حرب بعاث بين الأوس والخزرج). كذلك قامت منافسات ومعارك بين القبائل اليهودية نفسها.

عرفت يثرب الكثير من المعارك والاضطرابات تداخلت فيها القوى وتشابكت التحالفات. فالأوس تحالفت مع بني قريظة وبني النضير اليهوديتين ضد حلف الخزرج مع بنى قينقاع اليهودية. لم تكن المعارك واضحة في معالمها. فهي ليست بين يهود وعرب فقط بل بين عرب وعرب ويهود ويهود وأخيراً تحالفات عربية - يهودية ضد تحالفات عربية - يهودية. وأدت الحروب الى إنهاك كل الأطراف وخصوصاً بعد «يوم بعاث» الذي دمر القبيلتين العربيتين: الأوس والخزرج (2).

في ظل هذا وتحت سقفه كان لابد من تنظيم للعلاقات يقر بما سبق ويعيد إدراجه في شروط جديدة حتى لا تختلط الأمور ويدخل المهاجرون في اضطرابات محلية يغلب عليها التنافس القبلي والتحاسد على كسب المواقع، فتضيع معها خصوصية الدعوة التوحيدية الجديدة.

لاحظ الرسول (ص) منذ اللحظة الأولى لوصوله أن كل فريق يريد كسبه الى جانبه ليبز الفريق الآخر. وكل قبيلة تريده الى جوارها حتى تستقوي بالمهاجرين على خصومها المحليين، فرفض الاستجابة لدعوات النزول عند رئيس هذه العشيرة أو تلك حتى لا يفسر موقفه بأنه إشارة منه تعلن انحيازه لهذا الطرف ضد ذاك. وقرر منذ اللحظة لأولى بناء المسجد مقراً للإقامة المؤقتة ومركزاً للدعوة/ الدولة الإسلامية لاحقاً (3).

بعد قرار بناء المسجد أخذ في تنظيم العلاقات على مستويين: الأول بين المسلمين (المهاجرين والأنصار). الثاني بين المسلمين وغيرهم من المؤمنين وغير المؤمنين (يهود وعشائر عربية صغيرة).

أنشأ الرسول (ص) لحل المشكلة الأولى نظام المؤاخاة لرفع الحرج عن أهل مكة المهاجرين الذين تركوا أرضهم ورزقهم وأعمالهم إيماناً منهم بالرسالة الجديدة. فكان النظام الذي آخى بين المهاجرين والأنصار فأخذ كل أنصاري مهاجر أخاً له يشاركه السكن والمأكل والأرض والرزق وحق الوراثة. وبات لكل انصاري مهاجراً نصيبه المساوي للنصير. فجاءت المحالفة لترفع الكلفة ضمن نظام الاخوة في الدين (4). ولحل المشكلة الثانية أنشأ الرسول (ص) الصحيفة وكتب الكتاب بين المسلمين ومن معهم والمؤمنين ومن معهم «وادع فيه اليهود وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم». وجاءت الصحيفة (الكتاب) كجواب عن حاجة ملحة فرضتها ظروف محددة ترافقت مع بداية تنظيم الدعوة سياسياً بعد الاذن بالهجرة والجهاد ضد قريش والكفار (5). وعندما زالت الظروف وتغيرت الأحوال تم تجاوز الصحيفة لاحقاً إثر نزول السُّور المدنية التي حافظت على بعض البنود التي وردت فيها وألغت الكثير منها فأخذ الخلفاء والفقهاء يعتمدون ما أنزل ويهملون ما يتعارض من بنود الصحيفة مع الشريعة. وبمرور الزمن تراجعت أهمية الصحيفة لأن التطورات والتحولات تجاوزتها وحافظت على وجودها المعنوي بصفتها وثيقة تاريخية.

تاريخ الصحيفة وخلفياتها

شكلت «صحيفة» المدينة إذاً نقطة تحول في تاريخ المسلمين، فهي وضعت بعد الهجرة من مكة الى يثرب بهدف تنظيم العلاقات بين المهاجرين والأنصار من جهة، وبين المسلمين (المهاجرين من مكة والأنصار من قبيلتي الخزرج والأوس) والمؤمنين وكل الفئات التي تعيش في يثرب، من جهة أخرى. فالصحيفة تعتبر بداية تأسيس الدولة التي بدأت نواتها الأولى في مكة واكتملت دعائمها في يثرب (6).

ويجمع المؤرخون على أن الصحيفة وضعت في السنة الأولى للهجرة وفرضتها الحاجة الى تنظيم العلاقات وتأسيسها على بنود واضحة فجاءت من ناحية التعاقب الزمني الخطوة الثانية بعد تأسيس المسجد (مركز الدولة).

يختلف المؤرخون في ترتيب فقراتها، فالبعض اعتبرها وثيقة متكاملة صيغت دفعة واحدة، واعتبرها البعض أكثر من وثيقة وضعت في أوقات مختلفة، ثم دمجت لاحقاً في صحيفة مشتركة (7).

يختلف المؤرخرون أيضاً على تسميتها، فهناك من يطلق عليها الصحيفة وهناك من يسميها الكتاب. ويركز المؤرخون أكثر من الفقهاء على أهميتها. المشتغلون في كتابة التاريخ يتعاطون معها بصفتها وثيقة زمنية أشرف الرسول (ص) على صوغ بنودها في فترة لم تكن السُّور المدنية أنزلت، الأمر الذي يضفي عليها أهمية قصوى لأنها كانت الإطار الوحيد الذي نظم العلاقات وانتظمت في داخله الجماعات والفئات المختلفة. ويقلل المشتغلون في الفقه من أهميتها لأنها وثيقة زمنية وغير منزلة، وعندما أنزلت السور المدنية في يثرب تراجع موقع الصحيفة وحلت الآيات التي تنظم الحياة الاجتماعية والقضاء والعلاقات مكان البنود التي وردت فيها. فالفقهاء لا يعتمدونها مصدراً للتشريع. ويعتمدها المشتغلون في التاريخ وثيقة زمنية حصلت كواقعة، وبالتالي فهي حدث من الصعب تجاهله. وعلى رغم الاختلاف في تناول الصحيفة بين فريق المؤرخين وفريق الفقهاء فانهما يتفقان على صحتها وأهميتها بصفتها نقطة تحول في بلورة شخصية مميزة للمسلمين في بدايات الهجرة.

تفاوت اهتمام المؤرخين في تناولها، فهناك من أشار إليها سريعاً، وهناك من لخصها، وهناك من ذكر أبرز نقاطها، وهناك من وضعها كاملة. وتميز كتّاب السيرة عن غيرهم من المؤرخين بالاهتمام بنشر نص الوثيقة بكل فقراتها. وأهم مصدر للصحيفة هو أبومحمد عبدالملك بن هشام (توفي العام 215 هجرية) إذ أوردها بنصها الكامل في كتابه عن سيرة الرسول (ص) المعروف بسيرة ابن هشام.

نقل ابن هشام كتاب السيرة برواية زياد البكائي الذي نقلها بدوره عن واضع أول سيرة كاملة محمد بن اسحق (توفي في سنة 150 هجرية). وكان ابن اسحق نقل سيرة الرسول (ص) عن شيخه محمد بن شهاب الزهري (توفي العام 124 هجرية).

وبسبب عوامل الزمن والاهمال والحروب التي طالت المنطقة فُقدت معظم المصادر ونجت سيرة ابن هشام التي تُعتبر بمثابة تحرير لسيرة ابن اسحق، وتحولت الى مرجع أساسي موثوق بسبب اعتمادها منهج الاسناد، ووضوح مصادر النقل.

استند معظم المؤرخين وكتّاب السيرة على ابن هشام وعلى غيره أيضاً مثل كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام (توفي العام 224 هجرية) فأخذت تتعدد مراجع السيرة، الأمر الذي ساعد في ترتيبها وإعادة تنظيمها وفق منهج المقارنات بين سيرة وأخرى. وتتابع الموضوع الى القرن الثامن للهجرة حين قام المؤرخ والمفسر الحافظ الإمام أبوالفداء إسماعيل بن كثير (701 - 774 هجرية) بوضع السيرة النبوية معتمداً على تركيب المصادر المختلفة وإعادة ترتيبها لتنتظم في سياق متماسك. فابن كثير يتحدث عن الصحيفة (الكتاب) نقلاً عن محمد بن اسحق، ويتحدث أيضاً عن عقد الحلف بين المهاجرين والأنصار (المؤاخاة) نقلاً عن الإمام أحمد بن حنبل: «حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عاصم الأحول، عن أنس بن مالك، قال: حالف رسول الله (ص) بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك». وينقل ابن كثير ما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبوداوود من طرق متعددة «عن عاصم بن سليمان الأحول، عن أنس بن مالك، قال: حالف رسول الله (ص) بين قريش والأنصار في داري». ويضيف ابن كثير «وقال الإمام أحمد: حدثنا عباد، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده: ان النبي (ص) كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين (...). وفي صحيح مسلم عن جابر: كتب رسول الله (ص) على كل بطن عقوله. وقال محمد بن اسحق: كتب رسول الله (ص) كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرَّهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشرّط لهم». ويورد ابن كثير الكتاب (الصحيفة) ملخصاً الى ان ينتهي فيذكر «كذا أورده ابن اسحق بنحوه. وقد تكلم عليه أبوعبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتاب الغريب وغيره بما يطول» (8).

حاول ابن كثير أن يجمع بين ما رواه الفقهاء وأهل الحديث وما نقله كتّاب السيرة لتوثيق المصدر فذكر الحلف (المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين في دار الصحابي أنس بن مالك) وذكر الكتاب (الصحيفة) نقلاً عن ابن اسحق وابن سلام وهو ما فعله ابن هشام عندما ذكر ابن اسحق مصدراً للصحيفة والحلف (المؤاخاة)، فقال: «قال ابن اسحق: وكتب رسول الله (ص) كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم»، ثم أورد النص كاملاً من دون اختصار (9). وسنعتمد هنا على نص الكتاب (الصحيفة)، بصيغته الكاملة كما وردت في سيرة ابن هشام وهي الصيغة التي اعتمدها كل المؤرخين المعاصرين والمستشرقين عندما تناولوا «دستور» المدينة كما اطلق عليه لاحقاً.

قام المؤرخون المعاصرون والمستشرقون، بتفكيك الكتاب (الصحيفة) الى فقرات وتعاملوا مع كل فقرة بصفتها مادة دستورية، ثم قاموا بمعالجتها وتفسيرها بشكل مستقل لتوضيح عناصر الصحيفة وبنودها.

وبسبب ذاك التفكيك اختلف الباحثون في تحديد مواد دستور المدينة، فبعضهم دمج أكثر من فقرة إذا كانت تعطي المعنى نفسه، وبعضهم حافظ على استقلال كل فقرة واعتبرها مادة دستورية مختلفة لتسهيل العرض والشرح. فنجد مثلاً ان خالد بن صالح الحميدي قسم الصحيفة الى 47 مادة بينما قسم عون الشريف قاسم فقراتها الى 52 مادة. وبدورنا اعتمدنا صيغة وسطى جمعت بين الدمج والتفكيك فبلغت موادها (بنودها) 33 فقرة مستقلة.

تعرضت الصحيفة لكثير من التعديلات، ويرى بعض الباحثين أنها تشتمل على أكثر من معاهدة بسبب تكرار الفقرات. وذهب عون الشريف قاسم في كتابه «نشأة الدولة الإسلامية على عهد رسول الله» الى القول إنها أكثر من وثيقة عقدت بين أطراف يثرب «ثم ضمت الى بعضها بعضاً في فترة متأخرة». ويحاول قاسم تفسير ظاهرة تكرار الفقرات بالإشارة الى أن «الضرورات العملية فرضت إعادة النظر في أجزاء معينة من الصحيفة لتلائم الظروف الجديدة» (10).


الهــــوامـــش

(1) يأتي ابن خلدون في تاريخه على ذكر اسماء المسلمين الأوائل من يثرب. بدأت الدعوة بستة من الخزرج «فانصرفوا الى المدينة ودعوا الى الاسلام حتى فشى فيهم (...) حتى إذا كان من العام القادم. قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً، منهم خمسة من الستة الذين ذكرنا (...) وسبعة من غيرهم (...) هؤلاء عشرة من الخزرج واثنان من الأوس فلما حان انصرافهم بعث رسول الله (ص) معهم ابن أم مكتوم، ومصعب بن عمير يدعوهم الى الإسلام (...) وأسلم على يديه خلق كثير من الأنصار (...) ثم رجع مصعب المذكور بن عمير الى مكة، وخرج معه الى الموسم جماعة ممن أسلم من الأنصار للقاء النبي (ص) في جملة قوم منهم لم يسلموا بعد (...) وكانت عدة الذين بايعوا تلك الليلة ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين، واختار منهم رسول الله (ص) اثني عشر نقيباً يكونون على قومهم: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس». انظر: أبوزيد عبدالرحمن بن محمد بن خلدون، المقدمة: تاريخ العلامة ابن خلدون: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر (بيروت: دار الكتب العلمية، 1992)، ج 2، ص 404 - 406.

(2) يقول ابن كثير عن يوم بعاث (حرب الأوس والخزرج). وبعاث موضع في المدينة «كانت فيه وقعة عظيمة قتل فيها خلق من أشراف الأوس والخزرج وكبرائهم، ولم يبق من شيوخهم إلا القليل». وروى البخاري في صحيحه (...) عن عائشة قالت: «كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله، قدم رسول الله (ص) الى المدينة وقد افترق ملأُهم، وقتل سراتهم». انظر: عماد الدين أبوالفدا إسماعيل بن كثير القرشي، البداية والنهاية، تحقيق أحمد عبدالوهاب فتيح (الرياض: دار زمزم، القاهرة: دار الحديث، 1994)، ج 3، ص 192.

(3) يقول الطبري في تاريخه: «ركب رسول الله (ص) ناقته وأرخى لها الزمام، فجعلت لا تمر بدار من دور الأنصار إلا دعاه أهلها الى النزول عندهم (...) فيقول لهم (ص): خلّوا زمامها فإنها مأمورة، حتى انتهى الى موضع مسجده اليوم». انظر: الطبري، تاريخ الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ص 396.

ويروي المسعودي القصة في مروج الذهب: «وترك ناقته (راحلته) فسارت لا تعرج على شيء حتى أتت الى موضع مسجده عليه الصلاة والسلام، والموضع يومئذ لغلامين يتيمين من بني النجار، فبركت، ثم سارت فمضت غير بعيد، ثم عادت الى مبركها فبركت واطمأنت (...) فنزل عنها، وسار الى منزل أبي أيوب الأنصاري... فأقام في منزله شهراً حتى ابتنى المسجد بعد ابتياعه الموضع». انظر: أبوالحسن علي بن الحسين المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق عبدالأمير علي مهنا (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1991)، ج 2، ص 295.

(4) يجمع المؤرخون وكتّاب السيرة على ان بناء المسجد جاء أولاً ثم الكتاب (الصحيفة) بين الأنصار والمهاجرين وموادعة اليهود ثانياً، وكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ثالثاً. وينقل ابن هشام في سيرته عن ابن اسحق «وآخى رسول الله (ص) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال (...) تآخوا في الله أخوين أخوين. ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي». انظر: ابن هشام البصري، سيرة النبي (ص)، ج 2، ص 124.

ونقل ابن كثير في سيرته عن الإمام أحمد «قرئ على سفيان: سمعت عاصماً عن أنس قال: حالف النبي (ص) بين المهاجرين والأنصار في دارنا. قال سفيان: كأنه يقول آخى». انظر: ابن كثير القرشي، السيرة النبوية، ج 2، ص 324.

وتذكر كتب السيرة والتاريخ أسماء «الأخوين» ويقوم ابن خلدون بترتيبها نقلاً عن ابن هشام والطبري. انظر: ابن خلدون، المقدمة: تاريخ العلامة ابن خلدون: كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ج 2، ص 411.

(5) الكتاب (الصحيفة). جاء في المصباح المنير للعلامة الفيومي المقرئ ان الصحيفة هي «قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه». وفي مختار الصحاح للإمام محمد الرازي انها تعني «الكتاب». والكتاب كما ذكر الرازي يعني أيضاً «الفرض والحُكم والقدر». وقال الفيومي في المصباح المنير عن الكتاب إنه يطلق «على المُنزل وعلى ما يكتبه الشخص ويرسله».

(6) تشكلت النواة الأولى من المؤمنين من أهل يثرب في مكة «فكان رسول الله (ص) على ذلك من أمره، كلما اجتمع له الناس في الموسم أتاهم يدعو القبائل الى الله والى الإسلام، ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة، لا يسمع بقادم يقدم من العرب، له اسم وشرف إلا تصدى له فدعاه إلى الله، وعرض عليه ما عنده». انظر: أبوجعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم، ط 6 (القاهرة: دار المعارف، د. ت)، ج 2، ص 351.

وخرج «في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع في كل موسم، فبينما هو عند العَقَبة إذ لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً (...) فجلسوا معه، فدعاهم الى الله عز وجل، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن (...) فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأن صدقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام (...) ثم انصرفوا عن رسول الله (ص) راجعين الى بلادهم، وقد آمنوا وصدّقوا» (ص354).

(7) ينقل خالد بن صالح الحميدي في بحثه عن الصحيفة آراء المستشرقين بشأن ما سمّوه «دستور» المدينة، الآتي: «ذهب بعض المستشرقين أمثال فلهاوزن وكايتاني الى ان الصحيفة وضعت قبل معركة بدر، بينما ذهب هوبير جريم الى أنها وضعت بعد بدر (...) هناك من يقول إن الوثيقة ليست وحدة متكاملة، وبالتالي يختلف تأريخ وضع كل جزء منها، كمونتغمري يقول إنها كتبت في أوقات مختلفة ثم جمعت فيما بعد ...». انظر: خالد بن صالح الحميدي، نشوء الفكر السياسي الإسلامي من خلال «صحيفة» المدينة (بيروت: دار الفكر اللبناني، 1994)، ص 64 و66.

(8) ابن كثير القرشي، السيرة النبوية، ج 2، ص 320 - 323.

(9) ابن هشام البصري، سيرة النبي (ص)، ج 2، ص 119 - 123.

(10) يذكر خالد بن صالح الحميدي أنه «لا شك في أن هذه الوثيقة تعرضت لتغيرات عدة من جراء التصحيف، كما تعرض تركيب بنودها للتقديم والتأخير والحذف والزيادة في جملتها أو مفرداتها نتيجة انتقالها من راوٍ إلى آخر، ولكن لم يؤثر ذلك على البنية العامة للنص، من ناحية تكامله ووحدته». انظر: الحميدي، نشوء الفكر السياسي الإسلامي من خلال «صحيفة» المدينة، ص 71. انظر أيضاً: عون الشريف قاسم، نشأة الدولة الإسلامية على عهد رسول الله (ص)، ط3 (بيروت: دار الجليل، الخرطوم، دار المأمون، 1991)، ص 25 - 37

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 707 - الخميس 12 أغسطس 2004م الموافق 25 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:20 م

      شوشو

      رووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووعة

    • زائر 1 | 4:07 ص

      جزاكم خيرا

      اريد من حضرتكم ماهي بنود وثيقة يثرب

اقرأ ايضاً