كان رحمه الله حزباً في فرد، وكان ابناء البحرين أعضاء في حزبه من دون عضوية! كان أبلغ من هجا قانون أمن الدولة، ذلك القانون الذي أخرس افواهاً وتكسرت ارادات بسببه، وانحنت جباه لسطوته، وتقوست ظهور لثقل عسفه وبطشه... إلا أن ذلك الصوت الواثق بانتصار الانسان ظل يلعلع في مناسبات العزاء وفي مراسم دفن الموتى، محرّضاً دائماً وابداً ضد الظلم، فلماذا تصمتون على الظلم والجور؟ ومن هؤلاء الطغاة الذين تخافونهم؟
لم يتردد رحمه الله ان يذكر الاسماء الصريحة الفصيحة لكل فاسد ومرتشٍ، وكل معذب وجلاد، يهزأ بهم، يمسح بالأرض سيرتهم، يعري اولئك السراق الذين تخفوا وراء الالتزام الديني الشكلي...
خاطب بوش الاب...، وخاطب مارجريت تاتشر في رسائله الشهيرة عما يمارسه حلفاؤهم الحكام العرب ضد شعوبهم من تعامل لا يختلف عن تعامل الراعي والغنم.
كان لا يتردد أن يخاطب من هم في السلطة ناصحاً اياهم موضحاً لهم مواطن الخلل. كان خير من يستنهض في الناس شهوة الاستهزاء بسلاطين التجاوزات والجلادين وسراق المال العام ويؤكد أن هؤلاء لا يستقوون الا بضعف وجبن الناس.
كان رحمه الله يتميز بأسلوب فريد في النقد الممزوج بروح النكتة والدعابة التي تجبر الناس على الضحك من «القلب» على تلك الشخصية «المسئولة» المرموقة التي يجعلها هدفاً لسهامه التي لا تخطىء.
كان رحمه الله قاموساً اجتماعياً لغالبية عوائل البحرين والمحرق خصوصاً، يحفظ اسماء الاجداد والآباء ما اسعفته الذاكرة الى ذلك سبيلا، مترحماً على الأموات منهم سائلاً المغفرة لهم، وللاحياء الصحة والعافية، داعياً الابناء ان يكونوا بررة بذويهم وسيرة اجدادهم.
كان رحمه الله لا يتردد ان يُذَكّر من أدمن سلوك العبيد، يذكره بأن القارة السمراء قد تحررت، فما بالك تعيش مسروراً بأغلالك!؟
كما لم يكن يتردد أن يُذَكّر المتملقين بفضل الله جلت قدرته عليهم أولاً، وفضل والديهم عليهم ثانياً على ما هم فيه من خير ونجاح.
وعندما اكتمل سواد سماء البحرين في لحظات احتضار قانون أمن الدولة، دخل رحمه الله بهيبته ووقاره ونور قلبه مرات ومرات الى ظلمات الزنازن حاملاً آلام مرضه وتقدم سنه. حاولوا إثناءه وتحييده عن دخول معركة ليست معركته!
ولكن هيهات أن يكون بمقدور أي جهاز أمني ان يثني كرات الدم البيضاء من ممارسة فعلها في التصدي لمسببات الالتهابات والأمراض. كان دوره رحمه الله حتى في ظلمات الزنازن تقوية جهاز المناعة الشعبي من الاحباط والاستسلام...
كان بمثابة ترسانة اعلامية جبارة عرت السراق والمرتشين والجلادين والاعلام كريم العين!
كان رحمه الله فارساً ساهم في اسقاط تلك العقلية وذلك النهج الذي ينظر للانسان البحريني بإنه مجرد رقم في اقراص الحواسيب الامنية!
رحم الله عبدالله فخرو واسكنه فسيح جناته. وسيظل صدى صوته الحر يتردد في جنبات مقبرة المحرق ومجالسها خصوصاً وفي ارجاء البحرين عموماً. وفي فيافي القلوب التي احبته... وفي العيون التي تكحلت ببياض طهره ونقاء سيرته... رحمك الله وغفر لك
إقرأ أيضا لـ "نجيب صعب"العدد 704 - الإثنين 09 أغسطس 2004م الموافق 22 جمادى الآخرة 1425هـ