لو بحثنا في سيرة عدد كبير من القيادات المحلية والعربية والعالمية لوجدنا أنها مرت بمحطة مهمة في حياتها كونها انخرطت في أعمال الاتحادات الطلابية في المراحل الأولى من حياتها. وكأن هذه الاتحادات هي المختبر الأول الذي تعلمت وتشكلت فيه هذه القيادات. أقول ذلك في هذا الظرف من أجل تعزيز مشروع إقامة اتحاد لطلبة البحرين ينتقل في هذه المرحلة السياسية من تاريخ البحرين من الشتات والضياع خارج الوطن الى الشرعية، والالتزام بالمبادئ النظامية والحقوق الإنسانية والمشاركة السياسية التي صنعها التحول السياسي الكبير بقيادة عاهل البلاد جلالة الملك المفدى.

لقد كان الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في بداياته الأولى يعمل تحت تأثير الحركات السياسية المعارضة والمرتبطة بعضها بحكومات وبعضها الآخر بمنظمات متصالحة مع أنظمة سياسية لها أيديولوجياتها في مرحلة الستينات والسبعينات بشكل خاص، وكانت هذه المرحلة على ما فيها من صدى وطني وقومي تعبر عن وجود تناقضات كثيرة في الأنظمة السياسية العربية، وقد خضعت السياسات المتبعة آنذاك لتصنيف متعسف تحت تأثير السوسيولوجيا الاشتراكية السائدة في أوساط السياسيين الناشطين أو في أوساط الأكاديميين الباحثين. غير أن التطور السياسي الكبير الذي انتقلت إليه دول المنطقة في السنوات الأخيرة وخصوصاً الكويت والبحرين وكذلك في قطر وعمان يشهد بتحول لا مثيل له على صعيد النظام السياسي، فقد أخذت هذه الدول بنماذج إصلاحية واتجهت إلى الديمقراطية ووضعت الدساتير التي تنظم أسلوب المشاركة وإقرار الحقوق والواجبات وترسيخ القيم الوطنية القائمة على الاعتراف بالتعددية وفق مبادئ العدالة والمساواة ودولة القانون.

وعبر هذا التغير خلال خمس سنوات بالنسبة إلى البحرين وربما أقل نسأل: أين تقع أهمية وحيوية مشروع الاتحاد الوطني لطلبة البحرين؟ ما هي قيمة الاتحاد لطلبة البحرين اليوم وفي مرحلة الإصلاح والتحول الديمقراطي؟

أول ما أؤكد عليه للإجابة على ذلك هو أن قيام اتحاد لطلبة البحرين اليوم لا تختلف ضرورته عن قيامه في السنوات الماضية، وربما كانت أهميته اليوم اكثر من قبل، فالشرعية السياسية التي طرحت الدستور ووضعت قواعد للإصلاح ولبناء وطن متقدم ستكون في حاجة إلى كوادر الطلاب وهي تعمل من أجل الديمقراطية لا في مرحلة شبابها (المرحلة الطلابية الجامعية) بل حتى في مرحلة الدراسة في التعليم الإعدادي والثانوي. إن فكرة الاتحاد للطلبة نقلة من مرحلة لها ظروفها ونضالها الى مرحلة لها ظروفها ونضالها الجديد، وليس هناك أصعب من النضال من أجل إرساء الديمقراطية، والتدرب على ممارستها في جميع مراحل العمر، خصوصاً مرحلة الشباب.

ومنذ البداية أوضحت أن بناء القيادات العليا في الوطن يبدأ في المرحلة الشبابية، والاتحادات الطلابية إحدى الآليات التي تصاغ من خلالها قياداتنا. وفيها يتعلم الشباب الديمقراطية على الصعيد السياسي الاجتماعي عن طريق انخراطهم في العمل التطوعي، والاتحاد يساعدهم على ممارسة المسئولية القيادية والتنظيمية وفهم العمل النقابي والإداري. ولعل الكثير من المسائل المطروحة في المجتمع اليوم مثل الأسرة والمرأة والبطالة والخدمات والمشروعات الصحية والاجتماعية يمكن أن تفهم مبكرا عبر اتحاد للطلبة.

وأرى أن الاتحادات الطلابية عمل سياسي يوسع دائرة الإصلاح في المجتمع، ويوسع دائرة الحريات وإقرار الحقوق، ويمنح فرصاً عدة لملء فراغ الشباب بالعمل من أجل رسالة محددة ورؤية واضحة مرتبطة بالمصلحة الوطنية، وطالما أن هذه المصلحة لا ترتبط بشيء قدر ارتباطها بتوسيع استثمارات التجربة الديمقراطية في ضوء الدستور والميثاق، فإن الفرصة ستكون مكفولة بالنجاح.

إنني من جيل خاض تجربة العمل الطلابي، ومعي نخبة عريضة من نظرائي خاضوا في ذلك، وفي هذه التجربة تفتحت عيوننا على طبيعة العمل السياسي وأدركنا معنى الاتحاد الوطني كإحدى مؤسسات المجتمع المدني الحديث. لقد اكتشفنا ذاتنا في هذه التجربة، واكتشاف الذات محكٌ لا مثيل له إذا كانت التجربة قادرة على وضع قناعات وأفكار الشباب في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق رسالة واضحة المعالم. ولا تنقصنا هذه الرسالة طالما أن أمامنا مشروع جلالة الملك المفدى، وطالما بدأت تجربتنا الديمقراطية تخط طريقها بنجاح.

لابد لنا أن ننظر إلى مشروع الاتحاد لطلبة البحرين اليوم من زاوية الانتقال إلى الشرعية، والنضال من أجل نجاح التجربة الديمقراطية في مملكة البحرين، ولابد أن أؤكد في هذا المجال على عدد من النقاط أبرزها:

1- ضرورة أن يرتبط الاتحاد أولاً وأخيراً برسالة عهد الإصلاح السياسي، وبالتجربة الديمقراطية ارتباطا إيجابيا، بحيث تضاف تجربة إلى أفق الحركة السياسية في البلاد. وإذا تحقق ذلك فستستفيد الحركة الديمقراطية في البلاد من دون شك إذ سيجتذب الاتحاد أطياف العمل السياسي المبكر لدى شبابنا، وسينشأون في أحضان العمل النقابي والإداري الذي يضعونه بأنفسهم ويخططون له.

2- العمل في الاتحاد الطلابي يختلف عن العمل في الجمعيات السياسية أو الشبابية إذ إن أعضاءها من شريحة واحدة هي فئة الطلاب الذين ينتمون إلى جامعات مختلفة، ولذلك التواصل بين طلبة الجامعات داخل البحرين وفي الخارج يعطي ثمار الإحساس بالمواطنة أعمق في الاتحاد الطلابي من الجمعيات الشبابية أو السياسية. ويهدف الطلاب الى الانشغال بقضية مهمة، ويلعبون دورا في عملية التغيير الاجتماعي ولذلك يخلق علاقة بين العلم والسياسة - ثقافة مجتمعية.

إن الفئة العمرية 18- 24 سنة فئة طموحة وليس لها أي التزام وظيفي، فلا خوف من الفصل الوظيفي ولذلك يكون عطاؤها بلا حدود، فالعمل التطوعي في الاتحاد الطلابي عملية في اتجاهين: الطالب والمجتمع. وهذا يؤدي إلى النضج الثقافي للمفاهيم الديمقراطية. أما مساهمة الشباب في الجمعيات فهي محدودة لأن العمل التطوعي أحيانا بالنسبة إلى الشباب مضيعة للوقت، وربما يفضل العمل فيها بأجر.

3- لا أشك إطلاقا في أن الحركة الطلابية عبر هذا الاتحاد سترتبط بالحركة السياسية والاجتماعية والثقافية، وستخضع لتوجيه غير مباشر من القوى السياسية المتمثلة عندنا اليوم في الجمعيات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني الحديث.

4- سيكون هذا الاتحاد حلقة داخل عدة منظومات: منظومة النظام السياسي، ومنظومة العمل الشبابي، ومنظومة مؤسسات المجتمع المدني الحديث، ومنظومة الحركة النقابية، ومنظومة الحركة الثقافية والإبداعية، ومنظومة العملية التربوية والتعليمية، فلا أحد يختلف على أن الاتحاد الوطني هو المدرسة أو المختبر الأول للنشأة السياسية والاجتماعية، بإمكاننا أن نعمل على تكوين شبابنا وطلابنا وفق ما نراه واضحا لرسالتنا السياسية، ولما تقتضيه المصلحة الوطنية. بل إن الاتحاد سيساعد على الدخول في الاتحادات الطلابية العالمية ويعمل على تحسين العملية التعليمية، ويعزّز المشاركة في صوغ قانون التعليم العالي، ومقررات حقوق الإنسان، ومفاهيم الديمقراطية، والاتفاقات الدولية ومواثيق العمل، والمواطنة، والتواصل مع مؤسسات المجتمع المدني الحديث.

5- يعمل الاتحاد لطلبة البحرين على خلق أجواء العمل المبدع الخلاق لفئة الطلاب ومن تحت مظلتهم من خلال:

- ورش عمل في الصيف لاستقطاب الطلاب العائدين الى وطنهم.

- المشاركة في الأنشطة العامة بالبحرين.

- البرامج الهادفة بتفاعل الطلاب في الداخل والخارج.

- العمل في الشفافية والمراقبة على أوضاع الطلاب الثقافية ومدى انتشارها بين الطلاب.

إن طاقات الشباب بحاجة الى توجيه، وهناك عدة جهات من الممكن أن تعمل على استثمار هذه الطاقة مثل المؤسسة العامة للشباب والرياضة والمجلس الأعلى للمرأة والجمعيات الشبابية والسياسية، ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى.

والخلاصة أن طاقة الطلاب بحاجة فعلا إلى أن تستوعب بشكل منظم وممأسس عبر اتحاد وطني قوي يخدم الطلاب كفئة منتجة، مبدعة، طموحة. ولا أحد ينكر أن هذه الفئة العمرية يمكن أن تشكل خطرا كبيرا على المجتمع إذا ما تركت من دون أن تستوعب وفق رسالة واضحة واستراتيجية وطنية واضحة. إنها فئة تختزن عطاء متفجرا لا حدود له، وهذا العطاء يصب في كل الاتجاهات المجتمعية. والاتحاد الوطني للطلبة هو كيان ذاتي حيوي سيكون بمثابة التنظيم الذي يطلق الشباب من داخلهم نحو المجتمع