كيف سنقرأ اهداف الزيارة التي قام بها رئيس حكومة اقليم كردستان الى سورية؟ وهل تحقق مراده ام لا؟وكيف ستكون علاقة الاكراد بسورية في الايام المقبلة؟ ومن قام بالمبادرة؟ ولماذا وصلت العلاقة الكردية السورية الى هذه المستوى؟ وكيف يقرأ اكراد سورية هذه الزيارة؟ كل هذه الاسئلة شغلت الاذهان، وذلك لأن الزيارة كانت مفاجئة بالنسبة إلى الجميع (لان جلال طالباني مازال يتحفظ على القيام بزيارة الى سورية على رغم أن عضو المكتب السياسي لحزبه برهم صالح زارها بصفته نائب رئيس الوزراء)، ولم نسمع من أحد أن علاقة طالباني بسورية عادت الى وضعها الطبيعي، على رغم أن حزب الاتحاد الوطني تأسس في سورية وبدعم مباشر منها، وعلى رغم تصريحات طالباني بأن علاقته بسورية اقوى من جبال كردستان.
على كل حال لا يوجد أحد لا من الاكراد ولا السوريين يريد أن يسيطر الفتور على العلاقة الكردية السورية، لأن هذه العلاقة لم تكن متوترة في يوم من الايام بل كانت على العكس، إذ استفاد الاكراد كثيراً من هذه العلاقة. إضافة الى ذلك، ساهمت هذه العلاقة في بث الاطمئنان في نفوس اكراد سورية، حتى وإن كان الحديث الدبلوماسي احيانا للاطراف الكردية العراقية مزعجاً بالنسبة إلى الاكراد السوريين.
ثمة من يرى أن الزيارة التي قام بها بارازاني كانت ايجابية، وكان من المفترض أن يفكر الاكراد من قبل لأن الفتور الذي ساد العلاقة بين سورية والاكراد، كان محل قلق لدى اكراد سورية ايضا، وبعث المخاوف من حدوث الانقطاع بين الاكراد على طرفي الحدود، وربما يساهم في انقطاع العلاقة التجارية بين اكراد سورية وكردستان العراق (إذ هناك حركة تجارية نشطة بين التجار الاكراد السوريين وكردستان العراق). ولم تشهد أية حقبة من التاريخ مثل هذه العلاقة، في حين كانت العلاقة في الماضي بين الطرفين - الاكراد على طرفي الحدود - سياسية اما اليوم فعلاقاتهم تجارية واقتصادية.
لاشك في أن العلاقة بين سورية والاكراد لحقها الضرر مع دخول الاميركان العراق، وتدهورت اكثر عندما هاجم جلال طالباني (بصفته رئيس مجلس الحكم) سورية باتهامها بتسهيل الطريق امام «المجاهدين» الاجانب الى العراق. هذا عدا عن أن الاكراد انزعجوا عندما سمعوا التصريح الذي نسب الى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع بأنه لا أحد استفاد من الحرب غير الاميركان و«اسرائيل» والاكراد. هذا شكل الخلاف الظاهر، أما في الباطن فثمة اشياء كثيرة تكون محل الخلاف، بدءًا من حوادث القامشلي وانتهاءً بالحديث الذي روّج له كثيرا (وجود الموساد في كردستان)، معطوفا إليه عدم ارسال سورية التعزية الى الاكراد في مصيبتهم في أول أيام العيد واللقاءات التي تتم بين الدول الثلاث (سورية وتركيا وإيران)، إذ يفهم الاكراد هذه اللقاءات بأنها تتم فقط لاجل ألا يتم تطبيق الفيدرالية في العراق. ويقول بعض الاكراد إن علاقتنا مع سورية ستكون جيدة عندما لا تتدخل تركيا بيننا.
ومن المعروف أن سورية تطلب من الاكراد شيئين: اولهما أن تطمئنها بأن الاكراد لن يساهموا في تقسيم العراق، وثانيهما أن تطمئنها بأن الموساد لا يوجد في كردستان، وأن الاكراد لن تقيم العلاقة مع الاسرائيليين.
أما مطلب الاكراد من سورية فهو أن تبدي تفهمها لمطالب الاكراد في الفيدرالية، وأن يتعهد الاكراد بأنهم سيكونون مع وحدة العراق. والمطلب الثاني ألا تكون اللقاءات سببها الاكراد لأنهم يعتبرون انفسهم جزءًا من هذه الشعوب وليسوا جسماً غريباً، وأنهم حريصون على عروبة العراق ووحدته وسيادته. بدا أن الأكراد صادقون مع هذه المطالب لأن الزيارة التى قام بها بارازاني رافقه آذاد برواري (كونه قريباً جداً من القيادة السورية مقارنة بباقي قيادات الديمقراطي، هذا عدا عن أن برواري قيادي حزبي وليس رجل حكومة).
في الحقيقة، إن الزيارة لم تبدد القلق، لأنه حتى هذه اللحظة إن لم تبادر القيادات الكردية رقم واحد في القيام بزيارة سورية (فزوار العاصمة السورية قيادات من الخط الثاني) فإن السؤال المطروح: هل سنرى قريبا مسعود بارازاني او جلال طالباني في سورية؟
التحليلات الكردية متشائمة في هذا الصدد، ومرد تشاؤمها يعود الى أن نيجرفان بارازاني لم يعقد مؤتمراً اعلامياً، واكتفى فقط بتصريح مقتضب عندما خرج من لقاء نائب رئيس الجمهورية عبدالحليم خدام، وتحدث باللغة الكردية قائلاً: «إن سورية لها دور مهم في العراق وفي المنطقة، وهي حريصة على مساندة الشعب العراقي في استعادة السيادة» ووصف علاقاتهم بسورية بـ «الودية والاخوية».
بقي القول: إن الاكراد السوريين بدا أنهم متلهفون اكثر من أي طرف آخر على استعادة الحيوية للعلاقة بين اكراد العراق وسورية، وليس مثل اكراد تركيا الذين تزعجهم علاقة الاكراد بتركيا. وبدا أن ترتيب الاجواء يهم الاكراد اكثر من أي طرف آخر لأنه لا يستطيع الاكراد الاستمرار وهم معزولون ومنبوذون، وعليه فإن الاكراد لن يكونوا مصدر قلق لأي طرف كان
إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"العدد 701 - الجمعة 06 أغسطس 2004م الموافق 19 جمادى الآخرة 1425هـ