«لن تتخلى الولايات المتحدة الأميركية بعد اليوم عن أية سوق إفريقية للدول الأوروبية». وزير التجارة الأميركي السابق رون براون (داكار - 1995).
«اليوم، لدينا الفرصة لصناعة التاريخ. فمرحلة الحرب الباردة التي سمحت للمصابين بمرض السرقة بمراكمة الثروات على حساب الشعوب الافريقية يجب أن تولي». بيل كلينتون (مارس/ آذار 1998).
بعد حرب الخليج الثانية، بدأت الولايات المتحدة الأميركية بمضاعفة اهتماماتها في منطقة شمال إفريقيا، بأسواقها وقدراتها، كذلك بموقفها الجغراستراتيجي المميز. وفي 8 يونيو/حزيران 1998، أعلن، وزير المالية المساعد في عهد الرئيس بيل كلينتون ستيوارت أيزنستات من تونس قيام مبادرة الشراكة الأميركية - المغاربية التي حملت لاحقا اسمه. في هذه المناسبة، حدد المسئول الأميركي الأهداف، كذلك الآليات والأدوات التي ستساهم في تحقيق هذا الانجاز. اليوم، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات، أين أصبحت هذه العملية التي راهنت عليها واشنطن لمنافسة مشروع الشراكة اليورو-متوسطية، المعروفة باسم «برشلونة»، والانتصار عليه؟
هذه الجمل الهادفة التي تشكل دلائل حسية، تظهر بوضوح النوايا الحقيقية لدوائر القرار في واشنطن حيال منطقة المغرب العربي، الواقع في شمال القارة الإفريقية التي يجب - بحسب رأيها - أن تصبح «شأنا أميركيا» إبتداء من الالفية الثالثة. فالتزام وتأثير الولايات المتحدة على مجريات الأحداث يمثلان بحد ذاتهما قيمة مضافة، تتجاوز ببعيد، كما يبدو للوهلة الأولى، التجارة والاستثمارات وأشكال المساعدات الفنية كافة، لتصل إلى حدود السيطرة بشقيها الشامل والضيق.
في المداخلة التي ألقاها في واشنطن بتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني في العام 2000 في مناسبة انعقاد «الندوة الأميركية - المغاربية للاستثمار»، أشار ستيوارت أيزنستات «إلى رغبة بلاده في زيادة حجم المبادلات التجارية والاستثمارات مع كل من المغرب والجزائر وتونس. هذه الدول التي بحسب قوله، شرعت في تطبيق برامج إصلاحات واسعة. وأكد أن «هذه البلدان الثلاثة إذا ما أخذت مجتمعة، تشكل بحد ذاتها حاليا سوقا من 80 مليون نسمة، مع ناتج للدخل القومي الإجمالي يساوي 137 مليار دولار. وفي الفترة نفسها من نهاية العقد الماضي، رأت إدارة الديمقراطيين في أميركا، أن الازدهار الاقتصادي في منطقة شمال إفريقيا - الذي يمثل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة - لا يمكن أن يتحقق إلا ضمن إطار تعاون إقليمي. بمعنى آخر، عبر مشروع «شمولي» وليس من خلال اتفاقات شراكة ثنائية على غرار ما هو حاصل مع الاتحاد الأوروبي».
في خطابه - البرنامج، حدد مهندس الشراكة الأميركية - المغاربية خلال هذه الندوة التي نظمتها «الوكالة الأميركية للتجارة والتنمية» الفرص المتاحة في هذا المجال. كما قدم إلى المستثمرين والصناعيين الأميركيين المشاركين في هذه التظاهرة، امكانات الإتصال بنظرائهم النافذين والمؤثرين في منطقة المغرب العربي. وفي سياق لم يخل من التركيز، عدَّد أيزنستات المشاريع الاستثمارية التي يمكن أن تستفيد منها الصناديق والخبرات الأميركية لإحداث اختراقات مهمة في أسواق المنطقة، التي تعتبر حكرا على أوروبا عموما وفرنسا خصوصا. ولم يتردد المسئول الأميركي في تسمية الأشياء بأسمائها سواء لناحية الذين نهبوا ثروات إفريقيا طوال عقود طويلة (تاركينها لحما على عظم) أو لناحية تحديد القطاعات التي يجب انتزاعها بأي ثمن من المنافسين الأوروبيين. وتتلخص هذه الأخيرة في المرحلة الأولى، في شبكات الكهرباء، والمرافىء والمطارات وتجديد الاساطيل الجوية المدنية وصناعة الأدوية، والإتصالات وإنشاء المدن الصناعية كذلك البنى التحتية والصناعات البتروكيماوية. بما في ذلك مصافي تكرير النفط التي تحتاجه اليها دول المنطقة بكثرة. هذه القطاعات تبين في السنوات التي تلت أن الشركات الأميركية اخترقتها تدريجيا، وفي العمق.
واعتبرت «مبادرة أيزنستات» في حينه، أنه إذا ارادت الدول المغاربية المعنية جذب الاستثمارات الأميركية والغربية، والمحافظة عليها، أن تسارع إلى وضع سياسة واضحة تهدف إلى تنمية اليد العاملة المتخصصة موضع التنفيذ. وإدارة دينها العام بشكل سليم والتعاطي بشفافية مطلقة وتقديم معلومات صحيحة، غير منقوصة إلى المستثمرين، وأخيرا، حماية الملكية الفكرية. جملة شروط لايزال شركاء واشنطن المغاربيون يجدون صعوبة في تلبية غالبيتها.
نتائج متفاوتة
في تونس، كما في المغرب أو حتى في الجزائر - التي يحاول مسئولوها المناورة أحيانا في هذا المجال، تارة لكسب الوقت وتارة أخرى للمزايدة على الجيران - يتوافق المكلفون بإدارة ملف الشراكة الاقتصادية الأميركية - المغاربية على القول ان نتائج «مبادرة أيزنستات» لاتزال دون المتوقع منها. وقد أثار وزراء الدول المغاربية المعنية الأربع - بعد إضافة موريتانيا في العام 2000 وإبقاء ليبيا خارجها - التونسي الطاهر حيود والمغربي فتح الله ملعلو، والجزائري شكيب خليل والموريتاني محمد ولد ناني، مع نظيرهم الأميركي، نائب وزير الاقتصاد «آلان لارسن» (الذي خلف أيزنستات) هذه الناحية خلال الاجتماع الذي عقد في الأول من مايو/أيار الماضي في العاصمة الأميركية. خلال المناقشات أعاد المسئول الأميركي تأكيد إدارة بلاده تنمية الشراكة الإقتصادية والتجارية مع دول المغرب العربي من دون أن يشير إلى تغيير التوجه أو الإسلوب الذي قررته يومها ضمنا ادارة بوش الابن. إذ فصلت هذه الأخيرة، من الآن وصاعدا ستبدال صيغة التعاطي بالجملة مع منطقة شمال إفريقيا باتفاقات تفضي إلى إنشاء مناطق للتبادل الحر مع كل من البلدان الأربعة، معتبرة هذه الصيغة أكثر إفادة للأطراف على المدى البعيد.
فإذا كان المغاربة قد اكتفوا بالرهان على عامل الوقت، فكيف يأتي الإتفاق وفق الصيغة الجديدة، والذي برزت ملامحه اخيرا من خلال تصريحات المسئولين الأميركيين وفي طليعتهم الرئيس بوش، بالمن والسلوى، والجزائريون تجنبوا الخوض في التفاصيل أو انتقاد التأخير خوفا من حدوث سوء فهم مع واشنطن هم في غنى عنه في ظل الظروف الحالية، إلا أن التونسيين كسروا حاجز الصمت والمسايرة ليبدوا رأيهم كشركاء، بشكل صريح، وودي. فمن على منبر غرفة التجارة التونسية - الأميركية لم يتردد الظاهر حيود، وزير التجارة التونسي، في يوليو/تموز الماضي، في الإشارة إلى ضعف النتائج التي حققتها «مبادرة أيزنستات» حتى الآن، قائلا: «بعد مرور أربع سنوات على هذه العملية، بقيت الأهداف المتعلقة بتشجيع الاستثمارات الأميركية على القدوم للمنطقة متواضعة». وتفيد المعلومات في هذا الصدد، أن العمليات التي تم إنجازها في هذا المضمار، بقيت محدودة ضمن قطاع التجارة، وبعض الخطوات المرتبطة بالمساعدة الفنية لمواجهة المنافسة ووضع حد للطرق غير القانونية على مستوى الاستيراد، ما يعني أن القطاعات ذات الأولوية في تونس، ليست مدرجة على ما يبدو على جدول أعمال المرحلة الحالية فيما يخص أجندة الشراكة الأميركية - المغاربية. مع ذلك، أقر حيود بأن المبادلات مع بلاده تحسنت نسبيا خلال السنوات الثلاث الماضية، لكنها لم تشكل بأية حال نقلة نوعية. فالاختلال لايزال فاضحا، بحيث تحتل أميركا المرتبة الثالثة بين الدول التي يميل ميزان مبادلاتها لصالحها على حساب تونس. فالعجز على مستوى التوازن تجاوز الـ 450 مليون دينار (الدولار= 1,45 دينار) في العام 2001، في حين أن معدل التغطية لم يصل إلى عتبة الـ 20 في المئة، بل بقي على الدوام في حدود الـ 16 في المئة.
وينطبق هذا الواقع أيضا على المبادلات بين المغرب والولايات المتحدة التي تحتل صادراتها بإتجاهه المرتبة السابعة حسب الإحصاءات التي نشرها أخيرا «الاتحاد العام لأرباب العمل». وتظهر الأرقام أن صادرات المغرب باتجاه الأسواق الأميركية لا تمثل أكثر من 3,53 في المئة من إجمالي صادراته. ويبقى الفوسفات والصناعات النسيجية في طليعة المواد التي تهم الأميركيين. من جهة أخرى يعتبر الصناعيون المغاربة أن الآليات التي وضعتها مبادرة أيزنستات لتسهيل انسياب البضائع المغربية لم تكن بالمستوى المرجو منها. والدليل على ذلك، بقاء العقبات الكبرى في مكانها، مانعة بذلك أي اختراق ذي مغزى للسوق الأميركية.
في الجزائر، ينظر المسئولون هناك نظرة مختلفة للعلاقات الإقتصادية والتجارية مع أميركا من زاوية مبادرة أيزنستات ونتائجها. ويرى هؤلاء أن بلادهم التحقت عمليا بركبها بشكل متأخر. «تأخير يمكن تعويضه في المستقبل القريب»، هذا ما يؤكده «كمال إدريسي»، رئيس غرفة التجارة الجزائرية - الأميركية ورئيس «سيتي - بنك الجزائر». من جهتها أعلنت سفيرة أميركا في الجزائر جانيت ساندرسون، أن الشراكة الاقتصادية بين البلدين تتعزز يوما بعد يوم سواء ضمن مبادرة أيزنستات أو خارجها. في هذا الإطار، ينبغي التذكير بأن الاستثمارات الخارجية الأميركية في الجزائر تتجاوز حاليا اربعة بلايين دولار، من شأنها أن تتضاعف خلال السنوات الخمس المقبلة بحسب أقوال السفيرة وبشكل مواز، فقد ازدادت الصادرات الأميركية من البضائع والخدمات باتجاه السوق الجزائرية بنحو 150 في المئة في العام 2001.
تغيير واستقطاب
كما في السياسة، يسهل على الأميركيين تغيير رؤاهم الاقتصادية وحتى مبادراتهم على مستوى الشراكة من يوم لآخر. كل ذلك من دون التراجع عن الأهداف المحددة، أي الاستمرار في اختراق الأسواق المغاربية وزيادة استقطاب المستهلكين المتوقع أن يصل إلى 100 مليون في العام 2005. ويرى المحللون أن المنطقة تشهد حاليا تحولات تجري بهدوء وفي العمق على مستوى العلاقات بين القوة العظمى في العالم ومنطقة المغرب العربي. ويتعلق الأمر هنا تحديدا، باعتماد الإدارة الأميركية الحالية صيغة اتفاقات التبادل التجاري الحر التي ستعمل من الآن وصاعدا جنبا إلى جنب مع مبادرة أيزنستات. مع ذلك يبقى السؤال مطروحا: هل سيؤدي المخطط الجديد لإلغاء هذه المبادرة؟ «من السابق لأوانه الجزم في هذه المسألة»، يردد الخبراء الأميركيون الذين يعتبرون أن الاتفاقات المزمع اعتمادها تنبع في صلبها من ادارة سياسية تهدف الى إحداث تحول جذري من مفهوم الهيمنة الشاملة الى السيطرة الكاملة بالمفرق.
بناء عليه، أعطى الرئيس الأميركي حديثا الضوء الأخضر لهذا التحول عندما أعلن إرادة الولايات المتحدة إنشاء منطقة للتبادل التجاري الحر مع المغرب. فالإدارة الجمهورية تريد من وراء ذلك ضرب عصفورين بحجر واحد: ملء الفراغ الذي تركه مشروع الديمقراطيين المتمثل في مبادرة أيزنستات من جهة، واستغلال الأخطاء والثغرات الآن على مستوى تطبيق اتفاقات الشراكة اليورو - متوسطية الموقعة بين كل من تونس والمغرب، والتي ستبرم في شكلها النهائي في الاسابيع المقبلة مع الجزائر. فبسلوك نهج الاتفاقات الثنائية، ستقدم الولايات المتحدة شروطا تفصيلية لدول المغرب عن تلك التي يوفرها لها الاتحاد الاوروبي، وخصوصا لناحية الشق المتعلق بالصادرات الزراعية ونقل التكنولوجيا الذي لايزال في صلب التباينات القائمة بين الطرفين، وتتساءل الاوساط المعنية في بروكسل عما اذ كان مشروع الاتفاق الذي وضع على الساحة خلال اللقاء الاخير الذي تم في واشنطن بين الملك محمد السادس وجورج بوش سيكون على نمط «اتفاق ألينا»، الذي يضم كلا من كندا والمكسيك والذي يلحظ اجراءات تشجيعية للاستثمار؟ أم سيكون من النوع الذي وقعته الرباط مع الاتحاد الأوروبي والمرتكز بحمله على المساعدات المالية الثنائية، الهادفة إلى تحسين مستوى الشركات المغربية كي تتمكن من المنافسة عند رفع الحواجز الجمركية؟ على أية حال، من المهم التذكير بأن لجوء أميركا لاعتماد صيغة مناطق التبادل التجاري الحر مع الدول المتوسطية بات تحصيلا حاصلا منذ توقيع اتفاقات مماثلة مع كل من اسرائيل والاردن.
وإذا كانت تصريحات المسئولين الاميركيين التي توضح أن مشاريع الشراكة مع المغرب تتكامل مع تلك التي اضطلعت بها أوروبا، فإن الحقيقة شيء آخر، فبإنشاء مناطق للتجارة الحرة مع كل من بلدان شمال افريقيا... تحاول الولايات المتحدة تشجيع هؤلاء على خفض تبعيتهم الاقتصادية للاسواق الأوروبية. فالمبادلات بين المغرب ودول الاتحاد تقدر بـ 64 في المئة وتبلغ 20 بليون دولار، في حين تزيد هذه النسبة مع الجزائر وتونس حتى تناهز الـ 70 في المئة.
فأيا تكن تقديرات الخبراء في هذا الشأن ينبغي الاشارة إلى أن الاختراق الاميركي لمنطقة المغرب العربي ليس جديدا. فعلى سبيل المثال يبلغ عدد الشركات الاميركية الموزعة على مختلف القطاعات المكونة لاقتصاد المملكة المغربية 92، فيما يصل عدد فروع الشركات الحاصلة على ترخيصات باستخدام الاسم 12، بينما يبلغ عدد مكاتب التمثيل والمدارس (عدد هذه الاخيرة موزع على كبريات المدن، إضافة إلى جامعة الاخويين التي يربطها اتفاق تعاون مع جامعة هارفرد) 12 أيضا. أما في تونس، فقد سجل حجم هذا الوجود الاميركي تقدما ملفتا منذ بداية التسعينات على رغم ضيق رقعة هذه السوق وعدد المستهلكين. فقد انتقل عدد الشركات العاملة في هذا البلد من 27 في نوفمبر/تشرين الثاني 1993 إلى 53 في مايو/ أيار 2002، وفي الجزائر، هنالك 57 شركة موجودة، ما عدا تلك العاملة في قطاع الهيدروكربورات البالغ عددها 17 حتى الآن.
أبعاد الاختراق
بغض النظر عن المصلحة الاقتصادية والتجارية المتعددة الجوانب حيال منطقة المغرب العربي، يمكن ادراج مبادرة ايزنستات في اطار استراتيجية اكثر توسعا في منطقة البحر الابيض المتوسط، فأمن هذه البحيرة والذي يضمنها بشكل فاعل الاسطول السادس الاميركي، المدعوم من قبل قواعد منظمة حلف شمال الاطلسي، ممر لا غنى عنه من أجل تأمين حرية الملاحة، وخصوصا بالنسبة إلى تخزين النفط، كذلك المعدات العسكرية، وكما يشكل البحر الابيض المتوسط، الكتف الجنوبي لأوروبا، عنصرا اساسيا لحماية أمن اسرائيل في ظل هذه المعطيات بذلك، تدخل منطقة شمال افريقيا مجالا اوسع يمتد من المغرب حتى تركيا ليشمل وسط آسيا ومنطقة الخليج العربي.
في هذا الاطار يطرح السؤال التالي نفسه مجددا: ما هو الخطر الفعلي على المصالح الأوروبية عموما والفرنسية بشكل خاص في منطقة المغرب العربي؟ الجواب هو ان الهيمنة العسكرية الاميركية في المتوسط، التي تخص في آن معا دول المغرب والشرقين الادنى والاوسط هي أمر واقع، لا يستطيع الاوروبيون - أو لا يريدون - إلا الإقرار بها، وذلك في غياب بينات أمنية أوروبية مشتركة، وقد اثبتت الحرب في البلقان هذه التبعية للقوة العسكرية الاميركية التي لا يمكن لأوروبا، لا اليوم ولا غدا، مجاراتها على رغم بعض الارهاصات الصادرة عن المسئولين الالمان والفرنسيين من حين لآخر، في المقابل يبقى التناسق القائم على المستويين السياسي والاقتصادي اكثر توازنا، لكنه اكثر مباشرة بين القوة العالمية العظمى الباحثة على الدوام عن حصص جديدة في الاسواق وأوروبا التي حققت اندماجها الاقتصادي والنقدي والتي بدأت عملتها الموحدة، اليورو، تمارس فعلها الجذاب وإثبات قوتها. حيال هذا الواقع، يمكن تفسير التدخل الأميركي القوي في المغرب العربي بأنه وسيلة ضغط على أوروبا بهدف التفاوض معها لاحقا حول مستقبل هذه المنطقة الواعدة اقتصاديا، كذلك، تحضير شروط المنافسة وإفهام الجميع أبعاد مطالبها الجغرا - استراتيجية. فإذا توصلت الولايات المتحدة إلى إرساء صيغ مناطق التبادل الحر مع الدول المغاربية قبل أن يتمكن مشروع الشراكة اليورو- متوسطي، فباستطاعتها عندئذٍ فرض شروطها وتحديد مطالبها بصرامة.
على أية حال، وعلى رغم التحليلات المتناقضة، الصادرة عن مراكز الدراسات الاستراتيجية الأوروبية، فإن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط كانت على الدوام في قلب الإستراتيجية الأميركية. فمن يوغوسلافيا السابقة، في الشمال إلى زائير، وليبيريا ورواندا في الجنوب، لقد شكلت منطقة المتوسط إلى الدوام نقطة انطلاق للتدخلات الأميركية في كل ما يمكن اعتباره «المسرح المتوسطي الموسع». فالأسطول السادس يقوم بتحركات دورية كل خمسة أشهر. وبهدف تعزيز هذا الوضع أنشأت «ألاف ساوث» (القيادة الجنوبية لمنظمة حلف الشمال الأطلسي). بنية مؤلفة من عشر سفن عسكرية أميركية وأخرى تابعة للحلف للقيام بنشاطات مستمرة، أطلقت عليها تسمية «ستاناث فورمد». وقد ترافق مع هذا التعزيز للوجود الأميركي في المتوسط، سياسة جديدة استندت ليس فقط إلى التموضع الأرضي للقوات الأميركية في قواعد دول المغرب العربي، لكن في التمركز داخل مياهها الإقليمية ومضاعفة المناورات المشتركة معها. وقد تطلب هذا الإختراق، تحديث القواعد والمرافىء الشمال افريقية كي تستوعب حجم المناورات من جهة، ولتكون جاهزة للاستخدام في حال حدوث نزاع دولي.
ففي المغرب، توجد القوات الأميركية بهدف تشغيل وصيانة الأنظمة العسكرية الدفاعية والهجومية. كذلك من أجل التدريب والقيام بمناورات مشتركة. فهنالك خمس مناورات إلى جانب دورتين للتأهيل في العام. وقد تم تطوير القواعد العسكرية المغربية لتسهيل التحركات والاستخدام كما حصل في حرب الخليج. وهناك اليوم نحو 3000 من المغاربة يتابعون الدراسة والتأهيل في الولايات المتحدة ضمن إطار برنامج (إيميت). كما ويستفيد المغرب من تحويل السلاح الفائض في المستودعات الأميركية.
من جهتها، أحرزت الجزائر تقدما في مجال التعاون اللوجستي العسكري مع الولايات المتحدة التي ساعدتها على فتح قنوات بدءا من العام الماضي مع منظمة حلف شمال الأطلسي. كما أجرت وللمرة الأولى مناورات مشتركة مع البحرية الأميركية التي باتت سفنها الحربية وأميرالاتها يزورون الجزائر بشكل ملفت ويلتقون مع نظرائهم العسكريين فيها
العدد 7 - الخميس 12 سبتمبر 2002م الموافق 05 رجب 1423هـ