لا نتوقف عن الكتابة عن أهداف أميركا، وأخطبوطية مخابراتها والأجهزة الداعمة لها، في شتى الميادين... ونعلم بحقيقة وجود «المعهد الديمقراطي» وتمويله بل وحتى محاولة التأثير عليه، من قبل بعض الجهات الرسمية لطرح ما يتلاءم مع سياستها، وكذلك دعمه لبعض الاتجاهات في بعض البلدان على حساب اتجاهات أخرى... وذلك مما لا تخطئه العين.
ولكن... هذا النفير الصحافي «المبرمج» ضد المعهد وأهدافه وأنشطته التي يقوم بها في المملكة، وهذا الغبار المتطاير في صحراء قاحلة لا مياه ديمقراطية جارية فيها، وتتضاءل الحريات الصحافية على أرضها شيئاً فشيئاً، وتزداد التكبيلات والتقييدات من فرض إلى فرض ومن حال إلى أخرى... ولو أن هذا النفير الصحافي كان لأجل إحقاق الحق الواضح الذي لا لبس فيه، سواء في الوقوف مع قضية «الشبان السبعة» أو ما سمي سابقاً بمعتقلي الخلية، أو تمت هذه النفرة الصحافية مع أبنائنا المحتجزين في غوانتنامو! أو مع تدريس وتثقيف مبادئ حقوق الإنسان وحرية التعبير، وتداول السلطات، فلا توجد مملكة دستورية، يحكم كيانها «سيستام ديمقراطي» تتعامل هكذا مع الصحافة، كما يحدث في مملكتنا.
هذا النفير الصحافي، كنا نتمناه في مواجهة الأمية السياسية التي تغطي جيلاً بحاله، ثلاثون عاماً من التغييب لأي دور للمواطن، أنتج جيلاً لا يفقه السياسة ولا يعرف أساسياتها، فكل ما يعرفه أبناء هذا الجيل المغيب «ان الكلام في السياسة ممنوع»... يستوي في ذلك الحديث عن ارتفاع الاسعار لأنه كلام سياسي! والحديث عن تغيير مدرب لكرة القدم لأن المدرب استجلبته شخصية متنفذة! فالحديث عن السياسة وماهيتها وأدواتها ومكرها، أو الحديث عن الرياضة واستجلاب الراقصات للحفلات، التي كانت تقيمها إحدى الجهات الرسمية بحثاً عن أحلى راقصة تقدم لدلتا النيل كقربان، كل هذا حديث سياسي فهو ممنوع!
هذا الجيل المغيّب أو «جيل الممنوع» هو الذي يحتاج إلى أكثر من نفرة، وأشد من نفير صحافي، إنه بحاجة إلى مجهود جماعي، من المجتمع بأركانه وأطيافه ومنتدياته كافة، هذا الجيل يجب أن توجّه إليه الأبصار والأقلام والإمكانات، إن أردنا إصلاح حالنا بأنفسنا.
أما لعن الظلام، أما لعن أميركا ومؤسساتها، فليس صعباً أو عصياً على المرء أن يلعن أميركا مساء صباح، ولكن ماذا قدمت تلك اللعنات سوى التنفيس الخادع للشعوب العربية والتي تبقى تلعن أميركا وتنشغل عن الفساد والتسلط والدكتاتورية!
من يريد أن يقدم شيئاً الى الشعوب العربية عليه أن يقدم إليهم الديمقراطية الصحيحة المتعارف عليها، والتي لا زيف فيها ولا خداع، ومن أركان الديمقراطية: حرية التعبير، وتداول السلطة، واحترام الرأي الآخر، فهل قام «أصحاب النفرة الصحافية» ضد «المعهد المشبوه» بواجبهم في ذلك ووضعوا «النقاط على الحروف» في هذا الفصل من التاريخ؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 699 - الأربعاء 04 أغسطس 2004م الموافق 17 جمادى الآخرة 1425هـ