العدد 697 - الإثنين 02 أغسطس 2004م الموافق 15 جمادى الآخرة 1425هـ

القوات الأجنبية في بلاد النهرين

حميدة القيسي comments [at] alwasatnews.com

منذ نهاية يونيو/ حزيران الماضي تغير اسم قوات الاحتلال إلى القوات المتعددة الجنسيات. ومع الكثير من المحللين نعتقد أن هذا التغيير هو تعديل للتسميات فقط، فالمسألة هنا شكلية إلى أبعد الحدود ولا تمس الجوهر الذي كان وسيبقى احتلالاً.

وتشارك في التحالف قرابة 49 دولة بحسب إحصاءات البيت الأبيض، ولكن الواقع بحسب إحصاءات أخرى، هو وجود خمس وثلاثين دولة غير الولايات المتحدة ومجموعها 26500 جندي، أما الولايات المتحدة فهي تشارك وحدها بأكثر من مئة وعشرة آلاف جندي، وبذلك يكون المجموع 136500 جندي. وتشارك بعض الدول بقوات رمزية وعدد جنودها في حدود المئة ويقل عنها كما هي ليتوانيا ومقدونيا.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فهذه القوات ينظر إليها العراقيون على أنها قوات احتلال ويطالبون بسرعة رحيلها، ولا يكتفي آخرون بذلك فهم يوجهون رصاصهم وعملياتهم لجنود تلك الدول بل وحتى رعاياها من المدنيين عرباً كانوا أم غير عرب. وما يلفت الانتباه في تلك العمليات أنها لا تقتصر على إطلاق الصواريخ أو القذائف وتمتد إلى السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية أو التفجيرية أو غيرها من الصفات، زد على ذلك أيضاً ظاهرة الرهائن التي ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وخصوصاً بعد أن أذعنت الفليبين لمطالب الخاطفين لأحد مواطنيها وسحبت قواتها التي لا تصل إلى المئة، وليس من شأن عملية الانسحاب تلك التأثير في القدرات المادية أو العسكرية للقوات الأجنبية العاملة في العراق، ولكن التأثير السياسي قد يدفع بعض الدول إلى التفكير ملياً ألف مرة ومرة قبل إصدار قرار بإرسال قواتها للعراق، وهذا على ما يبدو من إيجابيات عمليات خطف الرهائن التي انتقدناها سابقا لعدم تحقيقها أهدافها المرجوة.

غير أن عمليات الخطف لا تطال جنود الدول المحتلة للعراق وإنما تطال أيضا مواطنين مدنيين وأبرياء لا تكون لهم علاقة مباشرة أو صلة بقوات الاحتلال، وهذا أكثر ما يشوّه صورة المقاومة ان سلمنا بوجودها، فما ذنب المصري أو الباكستاني أو الفليبيني الذي يعمل لدى شركة كويتية أو غيرها؟ هل المقاومة تعني ترويع الآمنين واختطاف البسطاء والضعفاء بدلاً من العسكريين والجنود؟ وكيف يمكن للمقاومة أو جماعات خاطفي الرهائن إثبات عمالة هذا الموظف البسيط أو سائق الشاحنة للقوات الأميركية أو البريطانية؟!

ومن ناحية أخرى، فإن الكثير من الدول لا ترضخ لمطالب تلك الجماعات حتى بعد قطع رأس مواطنها المختطف. كما ان سياسة قطع الرؤوس التي تمارسها هذه الجماعات التي تسمى إسلامية تسيء إلى صورة المقاومة والإسلام على حدٍ سواء، وبعض الجماعات تقتل الرهينة لديانته وهي تحارب ديانة الآخر أكثر مما تحارب شخصه أو عمله، وتوظف شعارات وألقاباً إسلامية في عملها هذا من دون أن تصل إلى مستوى إدراك قوله جلّ وعلا «لكم دينكم ولي دين» (الكافرون: 6)، أو «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» (الكهف: 29). وكذلك قوله جلّ جلاله: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (يونس: 99).

أما الدول العربية التي تسوء علاقات بعضها مع العراق إثر مخلفات النظام السابق، فإن بعضها يفكر جدياً في إرسال قواته إلى العراق. وتتباين آراء المسئولين العراقيين ومواطنيهم، وكذلك آراء المحللين إزاء تلك الخطوة. وتقدمت بعض الدول بمبادرات آخرها السعودية وقبلها اليمن. ونعتقد ان على الدول العربية والإسلامية عدم فعل ذلك حتى مع توافر حسن النية لدى البعض حتى لا تسوء العلاقات أكثر مما هي عليه، وتُنفذ عمليات ضدها، فالاحتلال يبقى احتلالاً سواء أكان أميركياً أم إسرائيلياً أو عربياً، كما هو غزو العراق للكويت في الثاني من أغسطس /آب 1990.

وهذا يذكرنا بالوجود السوري في لبنان الذي يعده معارضو النظام السياسي اللبناني احتلالاً ويعتقدون أن سورية تتحكم في صانعي القرار في بلادهم، وكثيراً ما أثار هذا الوجود زوبعة في الأوساط اللبنانية وربما العربية أيضاً، على رغم أن تلك القوات دخلت لبنان بطلب من الرئيس بيير الجميل وضمن قوات عربية لم يبقَ منها غير القوات السورية. فحتى لا يتكرر الحدث بزمان ومكان آخر على الدول العربية أن تتجنب إرسال قواتها إلى أرض الرافدين.

وإن رغبت هذه الدول بالمساعدة فيمكنها تدريب قوات عراقية، وتلك الوسيلة أنجع وأفضل من المشاركة بجيوشنا هناك، ولكن البعض يرفض كذلك فكرة التدريب، فكيف بإرسال الجيوش؟

وتتعدد الأسباب التي ترسل من أجلها الدول قواتها للعراق، فلو افترضنا جدلاً سلامة النية والرغبة في إعانة الشعب العراقي المنكوب منذ عقود، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل رغبة جزء من تلك الدول إن لم نقل كلها بالتقرب من واشنطن وكسب ودّها ولاسيما مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية. وذلك يعني أن تلك الدول تُقدم مصالحها على مصالح الشعب العراقي، وكثيراً ما تُقدم الحكومات مصالحها على مصالح الشعوب، فكيف يمكن أن نتصور مراعاتها لمصالح شعبٍ آخر حتى لو ظلت تردد جملاً من قبيل «الشعب الشقيق أو الصديق».

وأخيراً، ومع كون العراق محطة للعسكر من دول كثيرة ومحطة أيضاً لمناوئي السياسة الأميركية أو من يدعون بـ «الإرهابيين»، يثار السؤال: أين هو الجيش العراقي وقوات الحرس الوطني وغيرها؟ إن هذه القوات موجودة فعلاً على الأرض، ولكن استعداداتها اللوجستية وتجهيزاتها لا تمكنها من القيام بمهماتها المفترضة، وكثير من رجالاتها يذهبون ضحية لهجمات الجماعات التي تعتقد بضرورة محاربتها لتعاونها مع المحتل. فإن لم يكن قادة الشرطة ومسئولوها قادرين على حماية أنفسهم فكيف يمكنهم حماية الآخرين؟

إن قوات الشرطة والجيش العراقي هي القادرة أولاً وأخيراً على إدارة الأمن في بلادها، وهذا أكثر ما يدعونا إلى تحبيذ تدريبها عوضاً عن الحلول محلها لحفظ الأمن في بلاد النهرين

العدد 697 - الإثنين 02 أغسطس 2004م الموافق 15 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً