العدد 695 - السبت 31 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الآخرة 1425هـ

الجنجويد بين العمليات البربرية والجهادية

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

أمهل مجلس الأمن الدولي الحكومة السودانية مهلة 30 يوماً لتجريد ميليشيات الجنجويد من أسلحتها، واحتواء الأزمة الناشئة في اقليم دارفور. فمن هي ميليشيات الجنجويد وكيف يمكن تعريفها وتحديد مصدر تلك المفردة التي أخذ يرددها كبار المسئولين في اوروبا والولايات المتحدة؟

لعل بعض المفردات والمصطلحات السودانية في أزمة دارفور تبدو عويصة في وطننا العربي، ولذلك في هذه المساحة المحدودة نحاول أن نكشف بعضاً من جوانبها في هذا الإقليم، الذي يقع في أقصى غرب السودان ويمتد بين خطي عرض 9 و20 شمالاً، وخطي طول 16 و27,7 شرقاً، وتقدر مساحته الكلية بنحو 196,404 أميال مربعة، وهي تساوي تقريباً خُمس مساحة السودان، وبالتالي فإن دارفور أكبر قليلاً من مساحة جمهورية مصر. وتوجد حدود مشتركة لدارفور بين ليبيا وجمهورية تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.

ولعل المتتبع لأزمة الإقليم يتبادر إلى ذهنه مصطلح «الجنجويد»، فما معنى هذه المفردة؟ إنها تتكون من كلمتين «جن» و«جويد»، وتعني الخيالة.

الأولى اختصار «لجند» أي جنود أو فرسان، والثانية تشير إلى جواد (حصان) أو جياد (في الجمع)، بمعنى الجنود الذين يمتطون ظهور الجياد أو الخيول، وهم عبارة عن ميليشيا من القبائل العربية التي تقطن دارفور مثل البني هلبه، والهبانية، والزيادية، والرزيقات، والمعاليا، والتعايشة، والمسيرية، وبني منصور، والهوارة، والجوامعة... إلخ. وهناك قبائل غير عربية أو إفريقية الأصول.

ولعل اسم دارفور مكون من مصطلحين «دار» أي موطن أو وطن، و«فور» وهي قبيلة زنجية كبرى كانت لها - مع القبائل الزنجية الأخرى مثل الزغاوة، المساليت، التنجر، البرتي، البرقد، والفلاتة، إلخ - سلطنة منيعة تبعث بالهدايا وكسوة الكعبة إلى أرض الحجاز آنذاك، أي في القرون الوسطى.

لم تهدأ دارفور عبر تاريخها العريق من النزاعات القبلية التي كانت في السابق تدور حول الكلأ والماء بين المزارعين من القبائل الزنجية والرعاة من القبائل العربية التي هاجرت في البداية إلى شمال إفريقيا عبر تونس الخضراء والأندلس، وعادت بعد الضغوط الصليبية إلى الصحراء الكبرى الإفريقية لتستريح خلال رحلتها في منطقة العاصمة التشادية وتطلق عليها «انجمينا»، بمعنى «استرحنا» من وعثاء الترحال، وتستقر في هذا الجزء من إفريقيا، لأن البيئة هنا تلائم الإبل التي يرعونها. غير أن جزءاً من هذه القبائل توغلت في مجاهل إفريقيا في الجنوب السوداني بالمنطقة النيلية، وهي منطقة طينية لا تلائم بيئتها تربية الجمال، فاستبدلوا بالإبل البقر التي تقاوم ذبابة التسي تسي في السافنا الغنية، ومن هذه القبائل التي ترعى البقر حديثاً قبيلة المسيرية التي تقطن محافظة «أبي» المشهورة من خلال مفاوضات السلام.

دور الجنجويد في حرب الجنوب

لعل السبب الذي جعل الحكومة السودانية تستعين بهذه الميليشيات العربية، لإخماد التمرد في دارفور، هو ما قامت به من دور في خوض حروب حركات التمرد في جنوب السودان، بعيد استقلاله وحتى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق. كانت هذه الحروب في السابق بسيطة في آلياتها، إذ يستخدم طرفا الصراع الحراب (جمع حربة وهي رمح عربي) والنبال والسيوف، ومن ثم تطورت إلى آلة حرب حديثة. كان دافع الجنجويدي في الحرب ليس الجهاد كما تعلن حكومة المركز، ولكن دافعه الشهرة أولاً، فهو الاعرابي الشرس الذي يتأبط شراً إذا نادى منادي القتال، ومن ورائه الشاعرة المعروفة محلياً بـ «الحكّامة»، التي تغني له قصائد المديح والإطراء وتذكر قبيلته بكل صيت وشرف.

أما الدافع الثاني فهو الحصول على الغنيمة، إذ يفكر الجنجويدي في السلاح الذي يحمله عدوه من الطرف الآخر، إذ بعد القضاء عليه يهم بجمع الأسلحة من آر بي جي وكلاشنكوف وأنواع أخرى وتسليمها إلى القوات الحكومية نظير عائد مادي مجزٍ، أما الدافع الثالث فهو صد التمرد المدعوم من الخارج من الهيمنة على المقدرات المحلية للقبيلة. هذه الميليشيا قادتها قبيلة المسيرية (الحمر) في غرب إقليم كردفان، وهي ليس لها يد فيما يجري في دارفور، وبالتالي يكون دورها القتالي انتهى بانتهاء حرب الجنوب أو حركة قرنق.

الجنجويد والعمليات القذرة في دارفور

وكما أسفلنا فقد استعانت حكومة البشير بالجنجويد التابعين للقبائل العربية في دارفور، بعد اندلاع التمرد في فبراير/ شباط 2003. فقد هاجمت حركتا التمرد في دارفور «تحرير السودان» و«العدالة والمساواة» المدن والمنشآت الحكومية والبنية التحتية والمدنيين في الإقليم، وتشكل هاتان الحركتان في غالبيتها من القبائل الزنجية وعلى رأسها قبيلة الزغاوة التي ينحدر منها الرئيس التشادي إدريس دبي، وبالتالي فالتمرد يجد الدعم القبلي داخل تشاد والسودان، ولم تجد حكومة السودان غير تسليح ميليشيا القبائل العربية «الجنجويد» للقتال إلى جانب القوات الحكومية، وطبعاً تم حسم المعارك الأساسية في وقت وجيز، فتشرد الآلاف من الأبرياء، ولكن بعد أن تمت السيطرة على التراب السوداني في دارفور من سطوة التمرد وجدت الحكومة أن الميليشيا عنيفة أكثر مما يتصور، فهي تمارس سياسة الأرض المحروقة، فإذا دخلت قرية قامت بحرق المنازل (القطاطي) التي تتكون من القش والتبن، وتقوم الميليشيا بسبي المواشي والأغنام والمحاصيل، وعندما نفدت الغنائم في قرى دارفور، خرج الجنجويد من سيطرة الحكومة السودانية وأخذت تقوم بعملياتها الخاصة حتى داخل الأراضي التشادية، ولعل خير دليل على ذلك عندما دارت معركة بين الجيش التشادي والجنجويد في مايو/ أيار الماضي، وتم أسر عنصر من الميليشيا وتم عرضه على التلفزيون الرسمي التشادي، فاعترف بأنهم لا يتلقون الآن الأوامر العملياتية من الحكومة السودانية، وأنهم استغلوا تسليحهم رسمياً ليتمردوا على الحكومة نفسها، ويخرجوا من الهدف الذي أوكل لهم وهو إخماد التمرد فقط. وقال الجنجويدي الأسير، الذي يدعى أبكورة أبوه صغيرون إنهم عبروا الحدود إلى تشاد من أجل سرقة المواشي «على رغم أننا نعلم أن هذه ليست مهمتنا الأساسية».

إن العمل الإجرامي الذي ارتكبته هذه الميليشيا يتمثل في ترويع الآمنين من أهالي القرى والمزارعين من القبائل الزنجية المسلمة وتشريدهم من وطنهم، وبالتالي تكون الجنجويد خلطت بين الدفاع المشروع في دحر التمرد الذي هو المسئول عن الاضطراب وبين محاربة مواطنيهم الأبرياء.

الجنجويد يتجهون إلى حرب جهادية

ولعل من سخرية القدر أن يتحول الجنجويدي الجاني والمجرم، نتيجة ظروف معينة، ليجد نفسه «مجاهداً» ويخوض حرباً مقبلة تتدخل فيها قوى خارجية لها أجندتها الخاصة بها من انتخابات أميركية وبريطانية وصهيونية. فها هي دارفور تدخل الانتداب والتدويل بسبب قادة التمرد الذين لهم مآربهم الخاصة وإدارة بوش التي تريد تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة. ومع إرهاصات التدخل العسكري الأجنبي أخذت الحكومة السودانية في التأهب والاستنفار من أجل مواجهة الأخطار الدولية وغزو السودان، وليس هناك مخرج سوى رفع راية الجهاد والحرب المقدّسة ضد الكافر ليجد الجنجويدي نفسه متحولاً إلى حرب من نوع آخر كانت أُولى بوادرها إعلان جماعة تسمي نفسها «جيش محمد» تدعو المسلمين إلى قتال القوات الغربية المحتمل إرسالها إلى غرب السودان.

إن وجود قوات بريطانية أو أميركية ستعطي جنجويد درافور فرصة ذهبية إلى أن يتحولوا من قطّاع طرق واختصاصيي نهب مُسلّح وخبراء في السلخ والبتر والسلب إلى مجاهدين يقاتلون من أجل الله والوطن، وربما تتسع دائرة القتال لتأخذ طابع الحرب الشاملة بين القبائل من أصول إفريقية تتهم بالعمالة للأجنبي والقبائل العربية. وتجد أيضاً الجماعات المتشددة مدخلاً إلى دارفور، إذ إن حدود السودان مفتوحة بما أنه يجاور عشر دول هي: يوغندا، كينيا، الكنغو، إفريقيا الوسطى، تشاد، مصر، ليبيا، إثيوبيا، إريتريا، والسعودية ممثلة في البحر الأحمر.

كيفية حل الأزمة

أولاً: العودة إلى المفاوضات وحرق الأجندة الخارجية، إذ ينبغي استبعاد تدويل القضية والانتداب في دارفور، وذلك بالتعاون من طرفي النزاع والأحزاب الوطنية الكبرى، ومساعدة الدول العربية والإسلامية.

ثانياً: نزع سلاح ميليشيا الجنجويد باستخدام نفوذ الإدارة الأهلية من عُهد ومشايخ ونظارات (إدارة أهلية محلية) وعقد مؤتمرات أهلية للسلام، وقد صدر قرار من مجلس الأمن بهذا الخصوص.

ثالثاً: تشكيل حكومة موسعة وإتاحة المشاركة لجميع ألوان الطيف السياسي السوداني، إذ إن الحكومة الحالية تعتبر ضيقة الأفق.

رابعاً: إعادة بناء الجيش السوداني ليصبح أكثر قومية وتدعيمه بالعدة والعتاد حتى يقدر على حراسة التراب السوداني المترامي الأطراف، بدلاً من تسليح القبائل.

خامساً: الاهتمام بالتنمية في المناطق النائية في الجنوب والشمال والشرق والغرب من دون استثناء

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 695 - السبت 31 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً