حين تقرأ عنوانا يقول «... وانهارت احلام دبي» يخيل اليك للوهلة الأولى، بل قل جازما، ان كاتب هذا المقال لا يفقه في الاقتصاد كعلم أولا وكرافد من روافد التنمية البشرية شيئا. ولست هنا في إطار الدفاع عن مدينة خليجية حققت الكثير من الانجازات، إنما اردت تقديم طرح، اتمنى ان يكون علميا، عن درجة التطور الاقتصادي، وفي مدينة دبي نموذجا. وأشعر كرجل اقتصاد بالفخر، وأتمنى ان تتكرر أو تستنسخ هذه التجربة في كل حواضر الخليج العربي.
فنتيجة للجهود المكثفة التي بذلتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مسيرتها التنموية وفي مختلف أوجه الاقتصاد، حقق الناتج المحلي الاجمالي الذي يعتبر من أهم المؤشرات المعبرة عن درجة التطور الاقتصادي، معدلا للنمو بلغ 13 في المئة خلال الفترة من 1972 حتى العام 2002 حين حقق الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا من 6,5 مليارات درهم في العام 1972 إلى 260 مليار درهم في العام 2002. وهنا برزت القطاعات غير النفطية باعتبارها ركيزة مهمة في عملية التنمية الاقتصادية ولعبت دورا مهما في هيكل الناتج المحلي الاجمالي نتيجة لاتباع الدولة لسياسة تنويع مصادر الدخل.
وارتفع الناتج المحلي الاجمالي للقطاعات غير النفطية ووصل إلى 188 مليار درهم في العام 2002 مقارنة مع ما تحقق لهذه القطاعات في العام 2001 إذ بلغ 180 مليار درهم أي بمعدل زيادة سنوية بلغت 4,4 في المئة.
وفي مجال القطاعات الإنتاجية (المتمثلة في الزراعة والصناعة والاستخراج والكهرباء والماء والتشييد) بلغ الناتج المحلي ما قيمته 140 مليار درهم في العام 2002 مقارنة مع 5 مليارات درهم تحققت في العام 1972 وبمعدل نمو سنوي بلغ 11,7 في المئة كما تطورت قطاعات الخدمات الإنتاجية (المتمثلة في التجارة والنقل والاتصالات والعقارات والمؤسسات المالية) إذ بلغ الناتج المحلي الاجمالي لهذه القطاعات حوالي 85 مليار درهم في العام 2002 مقارنة مع 1,1 مليار درهم تحققت في العام 1972 وبمعدل نمو سنوي بلغ 15,6 في المئة أما قطاعات الخدمات التعليمية والصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية فقد حققت ناتجا محليا بلغ حوالي 35 مليار درهم في العام 2002 مقارنة مع ما تحقق في العام 1972 الذي بلغ حوالي 300 مليون درهم أي بمعدل نمو سنوي بلغ 17,2 في المئة.
أولت دولة الإمارات الجانب الاستثماري اهتماما خاصا باعتباره الأساس في التنمية الاقتصادية وتوليد الدخل وخلق فرص العمل إذ تم خلال السنوات الماضية تخصيص نسب عالية من الإيرادات العامة لتمويل عدد كبير من مشروعات التنمية كما قامت الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات المحلية بتقديم الدعم والتسهيلات للقطاع الخاص في استثماراته وعملياته بهدف زيادة كفاءته في تنفيذ بعض المشروعات الاستثمارية وتشير البيانات إلى ان حجم الاستثمارات تطور بشكل كبير من 1,7 مليار درهم في العام 1972 إلى 60 مليار درهم في العام 2002.
أصبحت الاستثمارات في السنوات الأخيرة موجهة لتحسين كفاءة الخدمات والمحافظة على مستوى حديث ومتقدم من الخدمات التي تقدم للسكان للوصول إلى أعلى مستوى لها كمثيلاتها في البلاد المتقدمة وبالنسب العالمية المتعارف عليها.
ويذكر ان معظم الاستثمارات في بداية قيام الاتحاد كانت موجهة لبناء البنية الأساسية وتأسيس قاعدة متقدمة من الخدمات.
وبالاضافة إلى ذلك وجهت الاستثمارات نحو القطاعات الانتاجية لتلبية حاجة البلاد من السلع الاستهلاكية والانتاجية إذ يلاحظ الدور الكبير الذي يلعبه القطاع الخاص وقطاع الأعمال في تطوير القطاعات الانتاجية من مشروعات صناعية مختلفة وخدمة التنمية.
تولي الدولة الإمارات للتجارة الخارجية أهمية كبيرة إذ يعتمد اقتصاد الدولة وبدرجة كبيرة على الواردات السلعية لتلبية الطلب المحلي على مختلف السلع سواء لأغراض الاستهلاك أو لأغراض الاستثمار، واحتلت الدولة موقعا متميزا في حجم المعاملات والعلاقات التجارية بعد أن وفرت مختلف التسهيلات المتطورة التي ساعدت على انتعاش وتطور هذا النشاط.
اتبعت دولة الإمارات خلال الفترة الماضية ومازالت السياسات الملائمة بهدف المحافظة على سلامة الوضع التجاري الخارجي وبما يضمن استمرار تحقيق الفائض في الميزان التجاري نتيجة لزيادة الصادرات السلعية عن حجم الواردات السلعية إذ يعتبر أحد الركائز المهمة في قوة المركز المالي للدولة داخليا وخارجيا.
إن المتتبع للتجارة الخارجية لدولة الإمارات يلاحظ بأن الدولة حققت فائضا في الميزان التجاري بلغ أكثر من 36 مليار درهم في العام 2002 بعد أن كان حوالي 3 مليارات في العام 1972 إذ بلغت الصادرات السلعية 180 مليارا في العام 2002 بعد أن كانت 5,3 مليارات درهم في العام 1972. وفي الوقت نفسه ارتفعت الواردات السلعية أيضا من 2,2 مليار درهم العام 1972 إلى 144 مليارا في العام 2002. وبالنسبة إلى هيكل الصادرات فقد بلغت نسبة صادرات النفط الخام من إجمالي الصادرات للعام 2002 ما نسبته 43 في المئة أي ما قيمته 61 مليار درهم وبلغت صادرات المناطق الحرة ما قيمته 26 مليارا بنسبة 14 في المئة وصادرات المنتجات النفطية والغاز بلغت 12 مليارا بنسبة 7 في المئة بينما بلغت قيمة صادرات الذهب والصادرات الأخرى 8 مليارات وبنسبة 4 في المئة من إجمالي الصادرات للعام 2002. ونظرا إلى مكانة دولة الإمارات التجارية المتميزة والخبرة الطويلة في مجال التجارة فقد بلغت قيمة إعادة التصدير 53 مليار درهم بنسبة 30 في المئة من إجمالي الصادرات في العام 2002.
فتح باب التقدم التكنولوجي وزيادة قدرة عوامل الإنتاج على الانتقال واتفاقات التجارة الإقليمية والدولية الباب لإمكان تحقيق زيادة كبيرة في الانتاجية وخلق الثروة. وكان المستفيد الأول من ذلك ولحد الآن هو الدول المتقدمة بينما لايزال المجتمع الدولي يواجه تحديا كبيرا يتمثل في البحث عن طريق لإدماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي إذ يواجه الكثير من هذه الدول خطر البقاء خارج الإطار وبالتالي المزيد من التهميش في مجالات التجارة العالمية والاستثمار وأسواق رأس المال. ولكي تستطيع الدول النامية أن تشارك بشكل كامل وفعال في هذه الظاهرة عليها العمل على بناء طاقتها في مجالي الإنتاج والاستثمار وتحسين المناخ العام والثقة بالاقتصاد المحلي وضمان الوصول إلى الأسواق الخارجية. وهذا يعني بالنسبة إلى الكثير من الدول النامية تحسين وتوسيع البنى التحتية التي تمكنها من توصيل سلعها بكفاءة إلى الأسواق العالمية، وهذا يتطلب تنويع السلع والأسواق ما يتطلب زيادة في معدلات الاستثمار وتطوير الموارد البشرية والطاقات الفنية وتطوير البنى التحتية لرفع الانتاج والكفاءة إلى مستويات أعلى في مجالات النوعية والكلفة ومتطلبات التسليم في الأسواق العالمية.
إن هذه الدول تعمل في الدرجة الأساسية على توفير المناخ الملائم للقطاع الخاص حتى يأخذ دوره في التنمية ولتحقيق ذلك فإن على الدول ان تضمن ممارسة الأسواق المحلية لنشاطها بكفاءة عالية وتضمن لها بسهولة الوصول إلى الأسواق العالمية وخلق افضل الفرص الممكنة لزيادة العمل التنافسي لهذه المشروعات بالاضافة إلى تبني سياسات اقتصادية كلية تهدف إلى تشجيع الادخار المحلي واستقطاب الادخارات الأجنبية والتكنولوجيا والمعرفة وتحريك الطاقات لتحقيق التنمية المستدامة
العدد 692 - الأربعاء 28 يوليو 2004م الموافق 10 جمادى الآخرة 1425هـ