مرة أخرى دوى بالأمس جرس إنذار باحتمالات أكيدة تؤشر إلى تعرض مناطق واسعة من إفريقيا إلى شبح المجاعات ثانية خلال أقل من عقد من الزمان. والمجاعات المقبلة ليست بسبب التصحر أو الحروب الأهلية. إنما بسبب أسراب الجراد التي باشرت غزو المزارع والغابات الإفريقية التي تعد من أغنى الغابات في العالم في موازاة، أو بعد، الغابات الأميركية.

ولاحظ تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أصدرته أمس أن عدد أسراب الجراد الصحراوي التي تغزو مناطق زراعة المحاصيل في كل من موريتانيا والسنغال ومالي، في شمال غرب إفريقيا، ازداد خلال الأسبوعين الأخيرين.

ويبلغ العدد الإجمالي من الجراد ضمن السرب الواحد ما بين بضعة ملايين إلى عشرات الآلاف من الملايين. والمعروف عن أسراب الجراد الصحراوي أنها تتنقل بين أكثر من 100 كيلومتر في اليوم الواحد أو ما يزيد على 3500 كيلومتر خلال شهر، وأن طنا واحدا من الجراد - أي جزء بسيط جدا من معدل السرب الواحد - يأكل خلال اليوم الواحد ما يعادل ما تتناوله عشرة أفيال أو 25 جملا أو 500 إنسان.

وفور صدور التقرير سارعت هولندا إلى الإعلان عن التبرع بمبلغ 20 مليون يورو لدعم برنامج الشراكة القائم بينها وبين منظمة «الفاو» الذي يركز على مجالات رئيسية تتمثل في الأمن الغذائي، والتنوع البيولوجي، والزراعة، والغابات. ويستهدف البلدان الأشد فقرا، أي البلدان التي صنفها البنك الدولي بأنها مؤهلة لتلقي قروض الرابطة الدولية للتنمية. وتشمل الأنشطة التي اضطلعت بها المنظمة في إطار برنامج الشراكة مع هولندا في السنوات الأخيرة تطوير السياسات الحراجية وتنسيقها ما بين البلدان في وسط إفريقيا، والدعم التقني ضمن برنامج الحد من الفقر في ولاية «أوريسا» الهندية، وإجراء الدراسات في اثيوبيا بهدف تحسين فاعلية نظم إيصال البذور.

ومرة أخرى تجد القارة - التي يعتمد أكثر من 85 في المئة من ساكنيها على الزراعة - نفسها في مواجهة احتمالات قوية بالدخول في متاهة المجاعات وأوجاعها. في ظل وضع عالمي وإقليمي أقل اهتماما بالنفرة والغوث لتضيف الى أزماتها أزمة أخرى، كأن وضعها الكارثي الذي لا يحتاج إلى مزيد ليس كافيا، إذ تكفيها الحروب الأهلية والأوبئة وفساد الحكام والكوارث الطبيعية