إذا كان 50 في المئة من الناخبين تقريبا لم يتعاطوا بشكل ايجابي مع الانتخابات النيابية التي جرت حديثا في مملكة البحرين وجاءت بأول مجلس للنواب في ظل دستور 2002، المختلف عليه بين المشاركين والمقاطعين في هذه الانتخابات، فإن الاعضاء المنتخبين في هذا المجلس سيمثلون كل الناخبين بحكم الدستور نفسه وبحكم الواقع أيضا.
وحيث ان الأمر كذلك فإن من المهم القول إن على الجميع أن يشد الانتباه إلى المشاورات الجارية بين أعضاء مجلس النواب والكتل السياسية التي بدأت تتشكل فيه والهادفة إلى الاتفاق على اختيار رئيس مجلس النواب ونواب للرئيس بالإضافة إلى توزيع المسئوليات في اللجان الخمس التابعة إلى هذا المجلس.
ومع معرفة الجميع بأن رئيس مجلس النواب لن يكون سوى نائب لرئيس المجلس الوطني الذي سيكون حتما رئيس مجلس الشورى المعين فإن أعين الكثيرين تتجه إلى معرفة شخصية رئيس مجلس النواب في اعتبار ان هذا المجلس هو النصف الذي يمثل الشعب في المجلس الوطني نظرا إلى وصوله هذا الموقع عبر العملية الانتخابية وليس عبر التعيين مهما اختلفنا في التحليل بالنسبة إلى العملية الانتخابية ومقدار تمثيلها لشعب البحرين.
وإذا كان مفهوما أن يأتي رئيس المجلس المعين من العناصر المحسوبة حتما على الحكومة (قد يكون أحد الوزراء كما جرت العادة) فإن من غير المناسب أن يكون رئيس مجلس النواب بذات في المواصفات ذاتها، لأن ذلك إن حدث سيعتبر سابقة تؤسس إلى استلاب حتى مجلس النواب الذي يشكل نصف السلطة التشريعية وفقا لدستور 2002 ولن يكون بالإمكان تبرير ذلك التصرف من قبل الحكومة مهما غلف الأمر بالحديث عن الديمقراطية وسيساهم في زيادة هواجس الشك والريبة في توجهات الحكومة وصدق نواياها الاصلاحية.
ولعلة من المفيد استعراض بعض الاسماء المطروحة للتنافس على مقعد الرئاسة لمجلس النواب حتى تتبين الصورة بشكل أفضل، فخلال الايام القليلة الماضية برزت على السطح في الصحافة، الديوانيات والمجالس عدة أسماء كان أبرزها النائب عثمان شريف والنائب خليفة الظهراني، والنائب صلاح علي. ويبدو أن بعض الجمعيات السياسية (الميثاق) التي شاركت في الانتخابات النيابية وحصلت على بعض المقاعد تقود عملية الترويج لفرض إحدى الشخصيات النيابية بعينها على هذا المنصب. وليس الاعتراض على حق هذه الجمعية أو غيرها، المساهمة في عرض مزايا ومواصفات وقدرات المترشحين للمنصب الرئاسي، بل إن الاعتراض يذهب إلى أحقية عناصر قيادية معينة في هذه الجمعية في عقد اجتماعات سرية وعلنية وبوتيرة محمومة مع النواب انفسهم بهدف ممارسة الضغط النفسي والسياسي عليهم ودفعهم إلى قبول إطروحات وترشيحات هذه الجمعية التي تحاول الظهور في صورة حزب السلطة ما يدفع بعض النواب إلى التعاطي ايجابا مع توجهاتها ويقود في النهاية إلى لقبول طوعا أو كرها التوليفة السياسية التي تضعها هذه الجمعية.
إننا نعتقد ان من حق النواب انفسهم وعليهم لوحدهم فقط أن يجتمعوا لتقرير النائب المناسب لتقلد منصب الرئاسة، ولا بأس أن يلتقي من يريد من المهتمين بهذا الأمر سواء كان منتميا أو غير ذلك بأي من الاعضاء لينقل ويسوق وجهة نظره ورأيه في المواصفات المطلوب أن يتحلى بها الرئيس المنتظر لمجلس النواب، بل ان هذه الجمعية وغيرها يمكنها أن تعقد من الاجتماعات ما تشاء مع النواب الذين يمثلون كتلتها النيابية فقط ومن ثم تحملهم كل ما تريد من افكار ومواقف ليقوموا هم بنقل هذه الافكار والدفاع عنها بحسب قناعتهم الخاصة وقدراتهم التي يجب أن تختبر.
إننا نعتقد بأن تدخل رئيس وأعضاء مجلس الادارة لهذه الجمعية أو تلك في الحوارات الدائرة لاختيار رئيس مجلس النواب بشكل مباشر وسافر سيساهم في تكريس القناعة لدى كثير من قطاعات الرأي العام بعدم اهلية بعض اعضاء مجلس النواب الذين انتخبهم الشعب، وسيؤدي إلى زيادة التشكيك في استقلاليتهم وتمثيلهم الحقيقي لكل فئات الشعب كما يفترض أن يكون.
ولسنا هنا في حاجة إلى الاشارة إلى أن ايا من الجمعيات السياسية التي شاركت في هذه الانتخابات لم يسبق لها أن قدمت برنامجا سياسيا متكاملا يحدد ملامح توجهاتها الحزبية وخطط عملها في حال فوزها بمقاعد معينة بمجلس النواب، كما اننا لسنا في حاجة إلى القول ان المترشحين لم يعلنوا حتى انتماءهم إلى هذه الجمعيات قبل الفوز، بل نزيد على ذلك أن الكثير من هذه الجمعيات قد أخفى تماما قصة انتماء بعض المترشحين إلى عضويته لأسباب غير مبررة، هدفت في المقام الأول إلى إلى تفادي ردة فعل الشارع الذي لا يعرف الكثير عن هذه الجمعيات التي ظهرت بصورة فجائية بين ليلة وضحاها، بل ان عدد اعضائها في كثير من الاحيان لا يزيد على بضع عشرات ما يدل على عدم وجود قواعد شعبية لها في الشارع البحريني المسكون بالسياسة حتى العظم.
بالغت بعض الجمعيات السياسية في التعامل بصورة تعتيمية وملتوية ومتسترة إلى الحد الذي لم تعلن فيه عن انتماء المترشحين إليها إلا بعد أن فازوا بمقاعد المجلس النيابي بل وصل الأمر إلى أن بعض الجمعيات التي دعمت بعض المترشحين الذين لم يحالفهم الحظ اقفلت عليهم الباب بكل هدوء ولمعلن من قريب أو بعيد إنها كانت وراء هؤلاء المترشحين الذين لم يتجاوز بعضهم عتبة 1 من أصوات الناخبين على رغم انخفاض عدد الناخبين في بعض الدوائر إلى ما دون 25.
وما زاد الأمر حيرة واستغرابا ان بعض الفائزين انفسهم لايزال يرفض احتسابه على هذه الجمعيات في حين تصر الاخيرة على القول إنه يمثلها ولا ندري اين تكمن الحقيقة، إلا إننا نقول ان على جميع النواب ومن دون استثناء ان يكون ولاؤهم للوطن كل الوطن بجميع فئاته وتلاوينه السياسية والاجتماعية والاثنية وليس لهذه الجمعية أو تلك مهما طرحت من شعارات براقة أو ادعت قربا من هذا الفكر أو ذاك أو زجت باسم هذا المسئول الحكومي أو غيره.
عليهم جميعا أن يكونوا ممثلين حقيقيين لكل الشعب وأن يسعوا جاهدين للاستفادة من كل الامكانات المتوافرة لدى مختلف التيارات السياسية المشاركة والمقاطعة للانتخابات وان يتواصلوا معهم لخدمة المواطنين أولا واخيرا
ان هذا يدخلنا مباشرة في الحديث عن الحوارات الدائرة هذه الايام لاختيار رئيس مجلس النواب الذي سيكون الواجهة الأكثر بروزا وحضورا في الحياة السياسية اليومية وعلى احتكاك مباشر بالحكومة والمسئولين في كل الاوقات، من هنا فإننا نعتقد بأهمية أن يكون اختيار الرئيس ونوابه وفق معايير بعيدة عن الحزبية الضيقة ومحاولات البعض السيطرة على المجلس النيابي وسوق الكثير من الاخبار غير الدقيقة عن التحاق هذ العضو أو ذاك بهذه الكتلة أو هذه الجمعية... الخ.
الكل مطالب بأن يكون منتميا إلى الوطن فقط ولا شيء غير الوطن والنواب جميعا مسئولون عن الشخصية التي سيختارونها لرئاسة مجلسهم، رئيسا يكون حائزا على مواصفات ومعايير تؤهله إلى تقلد هذه المسئولية الجسيمة ولا مجال هنا للحب والكره أو للقرب والبعد من هذا التيار أو ذلك. نريده رئيسا لكل النواب ونريد المجلس ممثلا لكل الشعب.
اننا هنا نحاول ان نقدم بعضا من المواصفات التي نعتقد بأهمية توافرها في الرئيس المقبل لمجلس النواب وهي بكل تأكيد اجتهادات شخصية قابلة للمناقشة والحوار ومن بينها الآتي:
إلا يكون حكومي الهوى والانتماء، أن يكون نائبا منتخبا قد خضع لاختيار انتخابات حقيقية ومن دون أي شبهات (من قبيل تحويل بطاقات سكانية وتغيير عناوين... الخ)، أن يكون ذا خبرة سياسية واجتماعية مناسبة، ألا يكون موظفا حكوميا قضى جل حياته مرؤوسا، أن يكون قادرا على قول كلمة «لا» حين تكون ضرورية وأن يستطيع الجهر بقول كلمة «نعم» في مكانها أيضا، أن يتمتع باستقلالية كافية وعلاقات متوازنة مع الجميع بما في ذلك الحكومة، أن لا يكون شخصا طائفيا وأن ينظر إلى الناس كافة بوصفهم مواطنين أولا واخيرا، أن يكون معتادا على التعامل مع الاجهزة الاعلامية بكل أريحية، ان يكون نزيها ونظيف اليد واللسان بعيدا عن المحسوبية والتطرف، أن يكون قادرا على التواصل مع التيارات السياسية كافة داخل المجلس وخارجه، ان يكون قادرا على التواصل مع الوزراء وكبار المسئولين في الحكومة، ان يكون معتادا على التعامل مع الوفود الرسمية العربية والاجنبية، ان يكون من المؤمنين بالعمل المؤسساتي المعتمد على روح الفريق وليس على الفردية المتسلطة، ان يكون مستمعا جيدا وهادئا وصبورا لكنه قادر على الحسم جريء في اتخاذ القرار، ان يكون مقبولا من الغالبية داخل مجلس النواب وخارجه، ان يتعامل مع منصبه باحترام ويكون رئيسا وممثلا لجميع النواب، ان يكون قادرا على احتواء الازمات داخل المجلس إذا حدثت، ان يكون مؤهلا بدرجة كافية للتعامل مع مجلس الشورى والمجلس الوطني بشكل مستقل بعيدا عن التأثر بهما، ان يسعى دائما للمساهمة في اخراج البلاد من الاشكاليات القانونية والسياسية التي تنشأ عن حداثة التجربة البرلمانية، ان يتقبل النقد ولا يعتبر نفسه فوق الجميع ومعصوما من الخطأ.
باختصار شديد ان الناس ينادون بأن يكون مجلس النواب لبنة صالحة وقوية تساهم في تعزيز النهج الاصلاحي الذي يقوده الملك المفدى، وهذا يتطلب رئيسا لمجلس النواب يكون مستقلا وغير معتاد على المداهنة والانقياد بكل سهولة ويسر، ولا يقبل الخضوع للضغوط.
نريد رئيسا يفتح نافذة كبيرة للامل بامكان التغيير إلى الأفضل مهما بدت الأمور بالغة التعقيد والتقييد ومهما ارتفع أو تكرس شعار... لا جديد، لأن الجديد مقبل لا محال، فقط هو يحتاج إلى عمل واجتهاد والابتعاد عن المكابرة والعناد
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 69 - الأربعاء 13 نوفمبر 2002م الموافق 08 رمضان 1423هـ