المراقب والراصد للواقع، يشعر لوهلة بوجود معضلة ما تعانيها البلاد عموما، إشكالها الأول يتعلق بتعديل واستحداث قوانين وتشريعات جديدة عوضا عن تلك السائدة منذ زمن مضى، والأمر إلى هنا طبيعي ولا يدعو للقلق، سوى في المفارقة الفاقعة في موقف سلطة الحكم من تطبيق نصوص الاتفاقات الدولية التي وقعتها بسب مستلزمات الظروف الموضوعية والمحلية الضاغطة بشدة باتجاه التحديث الديمقراطي، وصار لزاما على الحكم الإيفاء ببنود هذه الاتفاقات.
أما إشكالها الثاني فله علاقة بالحركة المطلبية العمالية التي رفعت شعاراتها وحددت برنامج عملها التكتيكي والاستراتيجي عبر تاريخ نضالي طويل عكس على الدوام طموحات وآمال المواطنين والمواطنات حتى تتحقق أحلامهم وحقوقهم كاملة لا نقصان فيها.
اللجنة الثلاثية
بعد اجتماع الأربعاء 14 يوليو/ الماضي للجنة الثلاثية المكونة من وزارة العمل والشئون الاجتماعية، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وأصحاب الأعمال، ولهؤلاء جمعيا مرئياتهم واقتراحاتهم بخصوص مسودة قانون العمل الجديد، كان لزاما التوقف من أجل تقييم المسيرة التفاوضية الجارية، ذات العلاقة بحقوق نساء البحرين العاملات وعلاقتهن مع جهات العمل، إذ لولا أهمية هذا القانون خصوصا والأنظار تتطلع إليه، لما أكدت وزارة العمل والشئون الاجتماعية، عن عزمها للدعوة إلى اجتماع موسع يحضره المعنيون والمختصون والنواب والمحامون بعد إقرار مسودة القانون من أطراف اللجنة الثلاثية، كل ذلك سيكون مستندا إلى رأي منظمة العمل الدولية ومنه يرفع مقترح القانون إلى الجهات المعنية (الحكومة البرلمان) للبت فيه ( «الوسط» 15 يوليو 2004).
إلى ذلك، يبدو أن الحوار والمفاوضات الدائرة منذ فترة وجيزة ستستغرق بعض الوقت، وخصوصا وهناك مواد مختلف بشأنها لها علاقة بإجازة وضع المرأة وخفض عدد ساعات العمل لعمال القطاع الخاص، فضلا عن تصريح وكيل الوزارة الشيخ عبدالرحمن آل خليفة بوجود 17 مادة من أصل 90 مادة من القانون اختلف عليها في الاجتماعات الجانبية بين الوزارة والغرفة والاتحاد «الأيام» 15 يوليو 2004). والحوار لايزال منصبا بشأن منح المرأة العاملة جميع الحقوق من دون تمييز بينها وبين الرجل، إذ رفض الاتحاد بندا من المادة (42) في مسودة وزارة العمل ينص على عدم إعطاء المرأة حقوقها في إجازة الوضع بعد المولود الرابع، واعتبر ذلك تمييزا ومعارضا لحقوق المرأة الشرعية في الإنجاب. فالتحديد القسري للإنجاب يتعارض ويقيد حقوق الإنسان وحريته في المجتمعات. والسؤال، هل لدى الحكم خطة استراتيجية بشأن تحديد النسل على اعتبار أن البلاد بلغت درجة التشبع؟! وإن كان ذلك الأمر واردا فلماذا تجنس الدولة من الخارج؟ أليس من الأولى أن تلد البحرينية وتنتج محليا، فالوطن سيكون أوفر حظا بولاء أبنائه وبناته الأصليين أليس كذلك؟
عملية التفاوض تدور رحاها في أروقة الوزارة، والجميع مدعو وبتمعن لإعادة قراءة بعض المفاهيم المتفق عليها والتي غالبا ما تهتم الحكومة بإرسال ممثليها لحضور المؤتمرات وورش العمل كي يتعلموا هذه المفاهيم ويطلعوا على تجارب الشعوب، (على سبيل المثال تمكين المرأة)، دعونا نقلب صفحات الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها الدولة والتزمت بها، واحدة تلو الأخرى (مثل اتفاق السيداو)، ولا مانع من مراجعة أخرى لآراء الأطراف الثلاثة (وزارة العمل، الاتحاد، أصحاب الأعمال).
الاتفاقات الدولية
جاء في تعريف مدير برنامج دراسات التنمية بجامعة «بيرزيت» نادر سعيد، ان مفهوم التمكين يعني توسيع خيارات ومستويات الإنتاج للنساء كأفراد بما يتضمن ذلك من المشاركة في عملية اتخاذ القرار وزيادة الحصول على مصادر الإنتاج. وشدد على أن توسيع الخيارات للنساء كأفراد (وليس كجماعة). وأضاف أن المفهوم الأداتي للتمكين يهدف إلى توصيلهن إلى السيطرة على حياتهن عن طريق مشاركتهن في سوق العمل، ورأى أن أبرز مستويات التمكين يعني تأمين الحاجات الأساسية من مأكل ومشرب وسكن وملبس وصحة وتغذية، والقدرة على الحصول على فرص العمل والتدريب والتعليم والدخل. إذا يتحقق التمكين من تحقيق عدة عناصر، أهمها توافر سياسات وقوانين توسع مجالات وحدود المشاركة، وتطوير للنظام الاقتصادي القادر على توفير وظائف مجزية ماديا وإنسانيا، وتأمين درجة من الاستقرار المادي والمعنوي بمعنى (هداة البال). في السياق ذاته، أيمكن المقاربة ما بين مفهوم التمكين أعلاه، والباب السابع الخاص بتشغيل النساء من قانون العمل المزمع تعديله؟ هذا عن تمكين النساء، ماذا عن اتفاق «السيدوا» التي وقعت عليها الدولة، وقام المجلس الأعلى للمرأة مشكورا بتنفيذ ورش عمل على طول البلاد وعرضها لتعريف نساء البحرين على تفاصيل بنود الاتفاق ماذا عنها؟
فعلى رغم التحفظات على بعض بنود اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي ندعو الحكومة ثانية لمراجعة موقفها من ذلك، فإن المادة رقم (11) من الجزء الأول للاتفاق تستوجب من الأطراف الثلاثة القائمين على المفاوضات بشأن تعديل قانون العمل بالاطلاع عليها مرارا وتكرارا، وخصوصا وزارة العمل والشئون الاجتماعية، لماذا؟ لأمر منطقي وبديهي تذكره المادة (11) وهو: «أنه على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها مساواة مع الرجل ولاسيما في حق العمل بوصفه حقا ثابتا لجميع البشر والتمتع بفرص العمل والترقية والأمن نفسها على العمل وفي جميع مزايا وشروط الخدمة، وفي تلقي التدريب المهني فضلا عن المساواة في الأجر والاستحقاقات والمساواة في المعاملة في تقييم نوعية العمل، وحق الضمان الاجتماعي في حالات التقاعد والبطالة والمرض والعجز والشيخوخة وفي إجازة مدفوعة الأجر والوقاية الصحية وسلامة ظروف العمل بما في ذلك حماية وظيفة الإنجاب. وتوخيا لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة فقد حُظر الفصل من الخدمة بسبب إجازة الأمومة وأن يدخل نظام إجازة الأمومة المدفوعة وتنمية شبكة من مرافق رعاية الأطفال للأم العاملة، وتوفير حماية خاصة أثناء الحمل في الأعمال التي يثبت أنها مؤذية لها». ونصوص منظمة العمل الدولية هي الأخرى تؤكد وتثبت حقوق النساء العاملات في الشئون ذاتها. وعليه، ألا يحق لنا المقاربة ثانية ما بين هذه النصوص ومسودة تعديل قانون العمل الذي يجري التفاوض بشأنها؟ نعم، يحق للجميع ذلك، والسبب اكتشاف مدى التزام الحكم بتطبيق بنود نصوص الاتفاقات التي وقعها وهو يضع مواد قانون العمل المعدل.
على أي حال، هل يجوز لنساء البحرين الإحساس بالأمان والاطمئنان على حقوقهن؟ والعمال يناضلون ويفاوضون نيابة عنهن، إذ لا وجود كما اعتدنا للطرف النسائي في المفاوضات الدائرة، لا جمعيات نسائية ولا شخصيات مستقلة، ولا رائدات ولا يحزنون، لا بل لا صوت يدندن من جهة الجمعيات النسائية التي تمثل نساء البحرين قاطبة، حتى ولو كان تضامنيا ومساندا لجهود رجالات الاتحاد؟
المفاوضات
أهم البنود المختلف عليها تلك التي تدور حول، (إجازة الوضع)، وتتضمنها المادة (42)، الوزارة تصر على حصول العاملة على إجازة وضع بأجر كامل مدتها (45) يوما تشمل المدة السابقة للوضع والتالية، بشرط تقديم شهادة طبية معتمدة من وزارة الصحة مبينا فيها التاريخ الذي يرجح حصول وضعها فيه. ويجوز لها الحصول على إجازة من دون أجر مدتها (15) يوما علاوة على الإجازة السابقة. ويحظر تشغيل العاملة خلال (40) يوما التالية للوضع، ولا تستحق إجازة الوضع المدفوعة لأكثر من (4) مرات طوال مدة خدمتها. العمال بدورهم يصرون على أن: «يجوز للعاملة الحصول على إجازة وضع بأجر كامل لا تخصم من إجازتها السنوية والإجازات الرسمية مدتها (70) يوما تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه بشرط التقدم شهادة طبية... الخ. ويجوز لها الانقطاع عن العمل بعد هذه الفترة من دون أجر لمدة أقصاها (100) يوم متصلة أو متقطعة، وذلك بسبب يثبت بشهادة طبية... الخ». أما أصحاب الأعمال فقد راق لهم مقترح نص الوزارة وليست لديهم أية اقتراحات لتعديله، ودعموا رأيهم بالقول «إن منح المرأة امتيازات عالية في الأجازات يؤدي إلى تفضيل أصحاب العمل للرجل على حساب المرأة»، لكي لا يدفعوا تعويضا عن الإجازات وبأجور كثيرة للنساء، ما سيؤدي بحسب رأيهم إلى زيادة نسب البطالة في صفوفهن.
المفارقة العجيبة جاءت في موقف سيدات الأعمال، إذ انتصر لديهن مبدأ المصلحة كصاحبات أعمال على مبدأ التضامن مع بنات جنسهن، لذلك حذار ثم حذار من أن يخطر ببال نساء البحرين حينما ترشح إحداهن نفسها للانتخابات البلدية أو التشريعية المقبلة، وتدعي أنها ستمثل مصالح كل النساء. لا، وثم لا، أنها ستمثل مصالح سيدات الأعمال فقط لا غير؟ طبعا لا تستثني مسئولية الجمعيات النسائية بصفتها التي تتنادى بها دائما من كونها تمثل نساء البحرين، فهي وإلى الآن لم تبلور موقف ضاغط، وإلى الآن لم تأخذ أمر إجازة الوضع على محمل الجد، نذكر هذا ونحن نتصفح أوراق التاريخ، التي شهدت حركة بعض الجمعيات النسائية في فترات الضنك، إذ كان لها موقف أكثر شهامة ولعبت دورا نضاليا ومطلبيا وإعلاميا متميزا، نذكر ونستحضر كتابات الصديقة الكاتبة التي غيبها الموت عنا عزيزة البسام، تجاه ساعة الرضاعة للنساء وقضايا العاملات، فالتاريخ يدون بحركات الشعوب ونضالاتها وتضحياتها والذاكرة لا تغفل ذلك أبدا. بيد أن المقترح العمالي يشرح الخاطر حينما لم يتناس ظروف المرأة العاملة الأم، فطالب بإضافة الفقرة الآتية في البند (44) المتعلقة بتحديد ساعة الرضاعة ومدتها، وهي: «كما لها الحصول على إجازة لمدة ثلاثة أيام لرعاية ابنها المريض الذي لم يتجاوز ستة أعوام».
حجر أساس
خلاصة، إن تعديل قانون العمل، والباب الخاص بتشغيل النساء وبما يتلاءم مع ظروف المرأة العاملة ولمصلحتها فضلا عن مصلحة الاقتصاد الوطني، الذي يهمنا هو الآخر أمره، نؤكد ثانية إن هذا التعديل سيساهم في وضع الحجر الأساس المساند لتمكين المرأة ومشاركتها في حراك المجتمع، وعلى كل الصعد ويفسح الطريق لها كي تأخذ المكانة التي تستحقها كشريك في النهوض بشئون المجتمع. إنه يعني المبادرة الحقيقية في طورها الأول كي تطبق الدولة التزاماتها تجاه الاتفاقات الدولية في تحقيق المساواة للمرأة ومحاربة التمييز ضدها. ويعني الدفع أكثر فأكثر باتجاه رفع نسب مشاركة المرأة في سوق العمل وبظروف وشروط أفضل مما كانت عليه، تتوافر فيها فرص الحماية من ظروف العمل القاسية، وهضم الحقوق. أليس القانون المنصف هو إحدى الخطوات اللازمة لإزالة آثار التمييز ضد المرأة العاملة؟ إذا، أين الجمعيات النسائية؟ ولماذا لا يتحرك المجلس الأعلى للمرأة؟ ما أجندته؟ وأين نساء المجتمع العاملات مما يجري في المفاوضات؟ أين أصواتهن؟
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 686 - الخميس 22 يوليو 2004م الموافق 04 جمادى الآخرة 1425هـ