منذ نحو ثلاثة إلى أربعة أعوام ركزت نخبة الشركات النفطية الأميركية ومخططو استراتيجيتها البحث عن مصادر للنفط خارج منظومة «أوبك»، واتّبعوا تكتيكا بالغ الذكاء إذ شغلوا الرأي العام بموضوع نفط بحر قزوين، فيما أوفدوا العشرات من الخبراء والمهندسين والسماسرة إلى إفريقيا لإعادة استكشاف كنوز هذه الأرض البالغة الثراء. وفي غفلة الجميع وانشغالهم وضعت الخطط لسحب البساط من تحت أقدام المنتجين التقليديين والتوجه نحو المنابع الجديدة.
وما يؤكد هذا التحليل ما حواه التقرير الذي أصدرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية مطلع الأسبوع الماضي عن مستقبل صناعة وإنتاج وتسويق النفط في مختلف أرجاء العالم، اذ أن التقرير حمل الكثير من المعطيات والتحليلات والنتائج المثيرة. وأهمها أنها تكشف عن احتمالات قوية بتحولات جذرية في المستقبل المنظور في ساحات إنتاج وصناعة وتسويق النفط.
كان من الملفت للنظر في التقرير أنه تناول مستقبل الإنتاج والصناعة النفطية في خمس دول من خارج منظومة «أوبك» ذكر أن الأنظار بدأت تتركز عليها، وهي روسيا وكازاخستان وأنغولا وغينيا الاستوائية والسودان (انظر ثلاث دول إفريقية من خمس)؟!. وذلك بناء على احتمالات أساسية بتوافر القدرة لدى هذه الدول لزيادة قدرتها الإنتاجية في المستقبل المنظور. وتناول التقرير ضمن ما تناوله الوضع الاقتصادي في السودان بتركيز على الصناعة النفطية، وأشار إلى انه في يناير/ كانون الثاني الماضي بلغ حجم الاحتياطي النفطي المؤكد للسودان 563 مليون برميل، أي أكثر من ضعف ما كان عليه قبل ثلاث سنوات حين بلغ وقتها 262 مليونا، كما قدر حجم الاحتياطي القابل للاسترجاع في حقلي «الوحدة» و«هجليج» بنحو 660 مليون برميل. وفي السياق ذاته قدرت شركة «بريتش بتروليوم» في كتابها الإحصائي عن صناعة النفط العالمية الصادر في يونيو/ حزيران الماضي أن احتياطي السودان المؤكد من النفط الذي كان في حدود 300 مليون برميل حتى العام 1993، تضاعف في غضون عقد من الزمان ليبلغ 700 مليون برميل بنهاية العام الماضي.
وبغض النظر عن اختلاف في أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية و«بريتش بتروليوم»، فمن الواضح أن الإنتاج النفطي في السودان يسجل نموا متصلا ويتجاوز دائما الهدف الموضوع، فهو حاليا في حدود 345 ألف برميل يوميا، أي بزيادة 45 ألفا عما كان مقدرا له، ومن المتوقع أن يشهد الإنتاج زيادة إضافية العام المقبل. ومن المقدر أن يرتفع الإنتاج الكلي إلى نحو 750 ألف برميل في غضون عامين. وهذه الأرقام معطوفة على الوضع الذي تعيشه السوق النفطية في الوقت الحالي التي تشهد تصاعد الطلب العالمي تعيد تسليط الأضواء على المناطق التي يمكن أن تكون لديها احتياطات يمكن استغلالها لمواجهة الاستهلاك المتزايد.
وفي هذا السياق يجدر بنا أن نلاحظ الحضور الأميركي الكثيف في الشأن السوداني منذ نحو عامين أو يزيد من الضغط على طرفي الحرب الأهلية في الجنوب لإنهاء الحرب وتحقيق السلام ومرورا بالضغط العنيف لاحتواء أزمة دارفور (غربي البلاد) أملا في تحقيق استقرار السودان الذي يحقق بدوره استقرار الإقليم الذي تعول عليه أميركا كثيرا في المستقبل المنظور. إن عطفنا على ما سبق ضخامة الاستثمارات الأميركية في نفط تشاد التي لم تتجاوز عتبة البدايات والتي وصلت إلى نحو 8 مليارات دولار أميركي، وخطط الإدارة الأميركية لزيادة نسبة استيراد نفط دول ساحل المحيط الأطلسي الإفريقية إلى نحو 25 في المئة من احتياجاتها النفطية بحلول العام 2008 يمكننا من اعادة قراء الاستراتيجية الأميركية النفطية المستقبلية التي تنهض على التوجه صوب إفريقيا. مع ملاحظة كل ما يمكن أن يستصحب هذه الاستراتيجية من محاولات لسحب البساط من المنتجين التقليديين وتطويع منظومة «أوبك»
العدد 684 - الثلثاء 20 يوليو 2004م الموافق 02 جمادى الآخرة 1425هـ