العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ

هوس المأسسة

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

ثمة ظاهرة مرتبطة في الذهن العربي بعمليتي النمو والتنمية تقوم على أن الحل الأنجع والأوحد لمعالجة التخلف يكمن في وضع خطة طموحة ومشروعات ضخمة يصاحبها حشد اعلامي ومالي هائل، وفي النهاية لا يحقق الحد الأدنى من المعالجة، ويستمر التخلف لمدد اطول. قد يكون سبب ذلك كما ذكرنا خلال المرة الماضية في غياب الرؤية الاستراتيجية، واستمرار التعامل مع التخلف وفق مفهوم "النمو هو الحل". إلا أنه في طبيعة الأمر يلاحظ وجود شكل من اشكال الهوس بالمأسسة يرافق عملية النمو أو شبه التنمية التي تسعى البلدان العربية الى تنفيذها بتفاوت في الإمكانات وتباين في القناعة. هذا الهوس بالمأسسة نجده دوما في السعي إلى إنشاء مؤسسات ترعى وتنظم الاشكالات التي يواجهها المجتمع، وهي في الأصل عوامل تخلفه وتدهوره نحو الوراء. ويمكن متابعة مظاهر هذا الهوس في اتجاه البلدان العربية نحو إنشاء مؤسسات حكومية ووزارات تعنى بالتخطيط، ومثل هذا الاتجاه من شأنه أن يعوق عملية التنمية التي تسعى وزارات وهيئات التخطيط إلى تنفيذها واقعيا. فالاعاقة في الغالب لا تحدث إلا عندما تكون هناك قطيعة وعدم تعاون وتنسيق حكومي بين الوزارات يكون ناجما عن الصراعات السياسية أو الشخصية للوزراء. أيضا تعوق هيئات ومؤسسات التخطيط عملية التنمية عندما تكون هناك بيروقراطية متكاثرة داخل هذه المؤسسات، فيكون انتاجها وفاعليتها محدودتين للغاية. لقد بات الهوس بالمأسسة غير بعيد بالمجتمع البحريني الذي كان من اوائل بلدان منطقة الخليج في الإصلاح الإداري والسياسي والاقتصادي منذ بواكير القرن العشرين، والذي اعتقد انه امتدادات تاريخية خاطئة لما ناضلت من أجله قيادات الحركة الوطنية التي اهتمت بقضية التنمية والإصلاح أيما اهتمام، وهو ما جاد في مجمل ادبياتها المتوافرة للعامة والخاصة اليوم. إلى ذلك نجد في الوقت الراهن أعضاء البرلمان يطرحون مقترحا بإنشاء هيئة وطنية عليا تعنى بالتخطيط، وهي من دون شك لن تكون أفضل من وزارات التخطيط في دول مجلس التعاون الأخرى، بل ستكون عاملا معوقا لعملية التنمية للأسباب آنفة الذكر. لقد أصبح الهوس بالمأسسة مستشريا في المجتمع حتى طال مؤسسات المجتمع المدني فظهرت الجمعيات والصناديق الخيرية بالعشرات بفاعلية ضعيفة ولم يستفد منها المواطنون إلا يسيرا. وإذا كانت الدول الغربية تغلبت على نفوذ البنى التقليدية في أنظمتها وتمكنت من إنشاء مؤسسات حكومية متطورة تعنى بالتخطيط، فنحن مازلنا نواجه صراعا مع هذه البنى، ففي أحايين كثيرة نجد الطائفة اقوى من الدولة، ولهذا لا يمكن أن نخلق مؤسسات حكومية إذا كانت مصالح وقواعد الطائفة انفذ بكثير من الدولة. وخلاصة القول إنه إذا كان هوس المأسسة طال قضية التخطيط فإنها اشكالية كبرى لأنها ستضر بالتنمية أكثر مما ستجني منها. ولنا في التجربة الماليزية عبرة عندما أسندت مهمات التخطيط الاستراتيجي الى مجموعة من كبار الخبراء والمستشارين الاكفاء الذين يعملون في مكتب رئيس الحكومة وليس في وزارة للتخطيط، وهؤلاء مهماتهم تقتصر على وضع التصورات الاستراتيجية للدولة للعقود المقبلة، وتحديد كيفية تنفيذها، وهذا ما أنتج التنمية الماليزية التي حافظت على العادات والتقاليد. علما بأن معظم هؤلاء المستشارين تكنوقراط أجانب تم توظيف خبراتهم وفكرهم لتطوير البلاد

العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً