العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ

المؤامرة على تهويد المسيحية من أجل صهيون

محمد جابر الصباح comments [at] alwasatnews.com

لا شك في ان أي قارئ ذي اهتمامات وتوجهات دراسية ويملك قدرا من المعرفة والإطلاع على حوادث التاريخ، اطلع على المقالة التي نشرتها "احدى الصحف اليومية" على صفحة "قضايا وآراء" تحت عنوان "دور الدين في سياسات بوش"، للكاتب خالد جمال المطوع بتاريخ 92 مايو/ أيار ،4002 ووقف عند مفاصلها الرئيسية في محاولة لاستخلاص معانيها العميقة وما يختفي بين سطورها من امور خطيرة ومتناقضات أكثر خطورة ان دلت على شيء فانما تدل على ضياع أخلاقي استبدل المبادئ الانسانية في أميركا بالقوة الغاشمة ذلك: "أن ما يجعل مؤسسة العبودية في أميركا هو انها تتنافى وتتناقض مع المبادئ والقيم التي نادى بها القادة السياسيون والدينيون والمفكرون الأميركيون منذ تأسيس المستوطنات الأوروبية الأولى وحتى الأن. وأكثر هذه التناقضات عمقا هو ان مؤسسة العبودية استمرت وازدهرت كنظام معترف به قانونيا واخلاقيا لمدة ثلاثة قرون، وكانت إلى ذلك نظاما أساسيا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأميركية". "راجع كتاب من أجل صهيون "للكاتب الشهير والباحث "فؤاد شعبان" - الطبعة الثانية نوفمبر/ تشرين الثاني 3002 ص 251". وهكذا تبقى الأخلاق الأميركية وحماية الانسانية والحرية عبر العالم كلاما دعائيا مثلما ما ينفيه العبيد بنفيه سجن "أبوغريب"، ولربما أن هذا التناقض هو ما دعا الناقد الاجتماعي الانجليزي صاموئيل جونسون إلى أن يعلق قائلا: "أليس من الغريب أن يصدر أعلا نباح من أجل الحرية من المتعاملين بالعبودية" " المصدر السابق ص 351". وعن موضوع الورع والتقوى ومباركة الرب الأعمال بوش لأنه رجل صلاة وايمان وتقوى، هذه الصفات التي أخبر الرب بها القس الأميركي بات روبسون وأعلنها خلال برنامجه التلفزيوني "نادي السبعمئة" لا يمكن أن يراها أي دارس أنها ذات منطق معقول وانها تنطبق على بوش الصغير الا أن تكون هذه التعاليم نابعة ومسجلة ضد القرن التاسع عشر "حيث" لاحظ الرحالة الفرنسي في أميركا دي توكوفيل أن دين كنائس الأميركية هو مؤسسة سياسية تساهم بقوة في الحفاظ على مفهوم الجمهورية الديمقراطية في صفوف الأميركيين على اختلافها. كما يضيف دي توكوفيل قائلا: "لقد جلب المهاجرون الغربيون إلى أميركا شكلا من المسيحية لا استطيع وصفه سوى بعبارة الدين الجمهوري الديمقراطي". وفي الواقع فقد بقيت العلاقة بين الدين والسياسة في أميركا على مر الزمن علاقة طيبة بشكل واضح بل هي في بعض الأحيان علاقة تحالف وتعاون كما نرى في بعض حقب التاريخ الأميركي، وخصوصا منذ فترة رئاسة ريغان وحتى الآن "المصد نفسه ص 191". من ذلك نستطيع أن ندرك أن مفهوم الدين المدني يتصف بأهمية كبيرة لكل من يريد التعميق في دراسة أثر المعتقدات الدينية الأميركية في الصورة النمطية الذاتية التي يحملها الأميركيون وفي الصورة النمطية للآخرين وبصورة خاصة العرب والمسلمين في بحثنا هذا. إن المتمعن والمدقق فيما نقلنا وثبتناه، يدرك المغزى الحقيقي للحرب البربرية الهمجية التي تشنها أميركا على الاسلام والمسلمين لتقضي على الصحوة الدينية الإسلامية في مهدها بعد أن تسترت أميركا على ممارساتها الدينية في بلوغ غاياتها الشرية وأدركت مدى تأثير الدين على النفوس، ذلك أن "ليس هنالك دولة في العالم يمارس فيها الدين المسيحي تأثيرا ونفوذا على نفوس الناس أكثر من أميركا "أليكسيس دو توكنيل الديمقراطية في أميركا" "2381" - المصدر نفسه ص "702". ولعل الضرورة تقتضي منا ونحن على هذا المدى في بحثنا هذا أن نثبت بعضا من النماذج التي مزج الرؤساء الأميركان فيها الدين بالسياسة، ففي خطاب جورج واشنطن عند تسلمه رئاسة الجمهورية للدورة الأولى توجه واشطن بالشكر والدعاء الى "الكائن الأعظم" قائلا: "ان أميركا هي أكثر الأمم ادراكا ليد الله الخفية في توجيه حياة الناس كما هي الحال في كل تفاصيل الحصول على استقلال. لا يمكن مقارنة عملية الاستقلال وتوسع الدولة بأية تجربة أخرى من دون التوصل إلى الايمان بفضل الخالق". ويضيف واشنطن: "لقد قررت السماء نفسها أن المحافظة على نور الحرية المقدس ونموذج الحكومة الجمهوري هو قدر الشعب الأميركي الذي ائتمنه الله عليه هذا هو شعورى وهو لا يقل عن شعوركم وشعور الشعب كله". وهنا يجدر بنا قبل أن ننتقل إلى نموذج آخر من نماذج استغلال الدين من قبل الرؤساء الأميركان في تهيج الناس وحشدهم، أن نؤكد للأميركان ولكل العالم الذي أنجر وراء أكاذيب اليهود وراح يناصبنا العداء، اننا نحن العرب المسلمين نتميز عن المسيحيين واليهود بايمان أعمق في نفوسنا وارتباط أقوى بالروح الالهية فلم نعبد بعلا ولا العجل الذهبي بعد اسلامنا ونتمسك بتعاليم الرب المنزلة في القرآن الكريم الذي نفخر نحن المسلمين بأن كتبانا المقدس لم تمسه يد التحريف والتزوير والتغيير والتبديل بحسب المزاج الانساني وأهوائه كما للتوراة والانجيل، اذ أخضع هذان الكتابان المقدسان لتفسيرات مزاجية ما أنزل الله بها من سلطان ولا ذكر، واننا نحن المسلمين نؤمن ايمانا راسخا لا يتزعزع بقوله جلت قدرته: "انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون" "الحجر:9"، كما نؤمن ان العناية الالهية وسعت كل شيء علما، وان هذه العناية القدسية هي التي تتولى في الوقت الحاضر وترسم تفاصيل مقاومة اخواننا العراقيين وتدفعهم إلى منازلة الظلم الأميركي لاستخلاص استقلالهم من يد الأميركان واليهود، وان هذه العناية الالهية نفسها تتولى توجيه خطوات النضال الفسطيني لانهاء البربرية اليهودية الصهيونية المارقة على تعاليم الدين الاسرائيلي الحقيقي المنزل على نبي الله موسى "ع"، هؤلاء الذين حلت عليهم لعنة الله وأبعدهم من رحمته لقولهم المنكر "يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" "المائدة:46". على أن المنقب والمتابع في عموم السلوك الأميركي يجد أنه يتميز بالغطرسة والأنانية والسطو على ما لدى غيرهم، ذلك انه من الواضح بلا أدنى عموض أو لبس أن الأميركان استغلوا العواطف الدينية، واستفادوا من قوة تأثيرها النفسي والروحي على مختلف الجماهير المحاربة ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان ولقبوهم بالمجاهدين المسلمين، وبذلوا كل الجهد في تدريبهم وتسليحهم وبعد أن قضي الأميركان الوطر منهم أزاحوهم عن طريقهم والقوا بهم كبضاعة منتهية الصلاحية غير آبهين بما عسى أن يحدثه هذا السلوك اللاأخلاقي من رد فعل مدمر في نفوس هؤلاء الجمع من البشر الذين تسلحوا بقوة الايمان المرتبط بالرب العظيم وانهم يستحضرون في لحظة العسر قوله جل وعلا: "ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" "التوبة:11"، وأن الأميركان زيادة في التحقير لمن انتزعوا النصر ضد الاتحاد السوفياتي على أيديهم راحوا يلقبونهم بالارهابيين، وراحو يستعدون الحكومات والشعوب ضدهم ومن أسف أن جميع الدول العربية والاسلامية والعالمية من دون استثناء استجابت للتقلبات والانتهازية الأميركية، ما دفع بالمجاهدين الأفغان لوضع هذه الدول على القائمة الأميركية والصهيونية التي يجب محاربتها، لا يعني هذا انني أؤيد الارهاب على "وجادلهم بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" "فصلت:43". ان الدول التي انساقت وراء أميركا لم تفكر لحظة في كيف أن أميركا استغلت الدين لتؤثر به على نفوس الشعب الأميركي لتجعله خاضعا بعمى لما تحيكه حكومته من مؤامرات ضد شعوب العالم، ولتأكيد هذه الحقيقة نسوق في اطار هذه الدراسة الكثير من نماذج استغلال الدين. ليعذرنا القارئ الكريم ان طالت الاقتباسات وتعددت وتفرعت ذلك ان الغرض هو الوصول الى الحقيقة المجردة ليس إلا ويكون من الأفضل لاغناء هذه الدراسة أن نقدم الاقتباس الآتي من المصدر نفسه "ص 612" تحت عنوان: "الدين والسياسة و"اسرائيل". "كان انتماء الأقلية اليهودية في أميركا للحزب الديمقراطي بصورة عامة وكانت أصواتهم في معظم الانتخابات تعطى للمرشحين الديمقراطيين سواء على المستوى المحلي أو القومي. لكن انتخابات العام 4891 شهدت بعض التحول في هذا السلوك السياسي. أثبتت الحملة الانتخابية لهذا العام ان الكثير من اليهود دعموا ريغان وحلفاءه من المرشحين. وكان مرد ذلك الى موقف ريغان الديني المتطرف ودعمه المطلق لاسرائيل، فقد صرح أحد زعماء اليهود في نيويورك: "ان ريغان جيد لاسرائيل ونحن كمجتمع يهودي سنقف في صف ريغان": "المصدر نفسه ص 612" وأثناء الحملة الانتخابية الرئاسية لجورج بوش إذ يتنافس فيها نائب الرئيس آل غور وقد ظهر المتنافسان في مناظرة من خلال برنامج تلفزيوني بتاريخ "11/01/0002"، ومن الأسئلة التي وجهت اليهما عن السياسة الخارجية والصراع في الشرق الأوسط قال بوش: "السلام في الشرق الأوسط من مصالح أميركا الحيوية". ولكن السلام في الشرق الأوسط ليس من مصلحة دولة الصهاينة، ولذلك فإن "اسرائيل" الصهيونية لم ولن تعطي فرصة للسلام الذي يخدم مصالح أميركا الحيوية، بل ولا الثانوية؟! وقال آل غور: "سورية يجب أن تخلي سراح الأسرى الاسرائيليين الثلاثة، وعرفات يجب عليه أن يصدر تعليماته بوقف العنف، والعراق مازال يشكل تهديدا". "اسرائيل يجب أن تشعر بالأمان دوما". "علاقاتنا مع "اسرائيل" هي من أقوى العلاقات بين دولتين، علاقاتنا مع "اسرائيل" هي علاقاة عقائدية وعميقة وليست عابرة ومتغيرة بتغير الحوادث - المصدر نفسه ص 812 و.912 حتى ان كارتر لم يتورع ولم يتردد أن يتعدى الدين المسيحي والانجيل في حملته الانتخابية العام ،6791 ويعلن بصورة غير مباشرة تخلي أميركا عن كيانها الديني المستقل بقوله: "ان تأسيس دولة "اسرائيل" هو تحقيق للنبوءة المقدسة وفي خطاب القاه كارتر أمام الكنيست الاسرائيلي في مارس/ آذار العام 9791 بين العلاقة الفريدة بين أميركا و"اسرائيل" في ضمير الأمة الأميركية، وأخلاقها ودينها ومعتقداتها. اضافة إلى أن الشعبين يشتركان بالتوراه". "ص ،222 322". "أما الانجيل والمعتقدات المسحية فليرحمها الله في سبيل "اسرائيل" ومعتقداتها الصهيونية!". وفي الحلقة الثانية سنتابع مواقف التطرف الديني لدى الرؤساء الأميركان والتي يعيبونها على الآخرين، ونثبت مؤشرات التضحية بالعقيدة المسيحية وحتى بالمسيح نفسه من أجل صهيون

إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"

العدد 681 - السبت 17 يوليو 2004م الموافق 29 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً