هل هناك دولة عربية أو إسلامية واحدة تستطيع أن تكشف صورة حقيقية واحدة فقط لما يدور في سجونها؟! «موقع يا وطن»
قامت في الآونة الأخيرة ولعدد من المرات الولايات المتحدة الاميركية ممثلة بإدارة الحكم المحلي بإطلاق جميع السجناء في «العراق» بمن فيهم سجناء «أبوغريب» الذائع الصيت، رحم التعذيب والشقاء ومقبرة الاحياء والاموات على حد سواء؛ وهي إذ تقوم بذلك بعد أن قامت بالاعتذار عن فضائح القائمين على السجون تقوم في وضح النهار وتحت نور الشرق العربي الباهر بتدشين وضع جديد لمفهوم سلطة السجن أو السجان ومفهوم العقاب أو ما اصطلح على تسميته عند العرب والعجم بمفهوم مؤسسة الإصلاح.
وسبقها في ذلك من دون اعتذار عن الجرائم التي ارتكبت في حق السجناء كل من: «أسير الحرب» الداعين الآن إلى إطلاق سراحه، والعقيد «معمر القذافي» بإطلاق سراح جميع السجناء في سجون دولتيهما من دون قيد أوشرط، وقد فاق «العقيد القذافي» الآخر بأنه أمر بهدم السجون جملة وتفصيلا (ربما يقول البعض إنه أحال الدول العظمى كلها إلى سجن).
إلا أن الحالين إذا ما تمعنا فيهما جليا لوجدناهما مختلفتين كلية عن بعضهما بعضا، مختلفتين تماما شكلا ومضمونا، ويبقى الهدف المستهدف منهما مختلفا تماما أيضا. في الحال الأولى جاء إطلاق سراح السجناء نتيجة فضيحة أخلاقية قام بها السجان القائم بأمور العناية بالسجن في حق السجناء (لم يكن نتيجة حكم صادر عن قاض أو قرار سياسي صادر عن مسئول سياسي وإن بدت بعض الروائح تفوح لتعلم عن وجود قرار سياسي خرج من أروقة دوائر الثكنات العسكرية) ولم يكن اطلاق السراح نتيجة الإخلال بنظام القانون، أي أن هؤلاء السجناء قدموا إلى المحكمة وحكمت عليهم المحكمة بالسجن بناء على ما قدم من أدلة تدين السجين فيما نسب إليه من تهم وتبين في النهاية أن هؤلاء أبرياء فيما نسب إليهم.
في الحال الثانية تبدو الصورة واضحة من هدف إطلاق سراح السجناء: كسب ود الشعب بعد أن خسر الحاكم الشعب ومن معه. إنه قرار سياسي بحت ليست له صلة بسوء معاملة أو سوء محاكمة أو تعذيب أو قتل أو تشريد أو إهانة لا سمح الله أو ما شابه. أميركا اعترفت بما قام به القائمون على السجن وأنشأت لجان تحقيق وكادت هذه اللجان أن تعصف بوزير الدفاع رامسفيلد ورؤوس أخرى في وزارته (وسقطت بعض الرؤوس فيما مضى من الأيام القليلة الماضية نتيجة استقالات) ومازالت القضية مشتعلة حتى الساعة وقد تصبح كارثة بالنسبة إلى مؤسسة الحكم هناك إذا ما لم يتدارك الأمر بالسرعة المطلوبة وربما سمعنا بـ «سجون غيت» على وزن «واتر غيت» و«إيران غيت» و«فلوريدا غيت».
غير أن الامة العربية ممثلة بحكوماتها لاتزال ترفض أن تعطي موضوع السجن بعض الالتفات؛ فجميع التقارير الصادرة عن الهيئات الدولية تدين معظم - إن لم نقل كل - الحكومات العربية لممارساتها الخاطئة بل والاجرامية في حق المتورطين في قضايا سياسية أو قضايا عامة. وتذكر هذه الهيئات الدولية في أدبياتها أن الدول العربية لاتزال ترى في استخدام الشرطة والسجون الحل الأمثل لكل ما يبرز من مشكلات على الساحة السياسية والقانونية. وهذه الدول العربية لم تر عبر تاريخها القصير نسبيا في عصرنا الحديث حلولا أكثر إنسانية من تكبيل الإنسان بقيود أكثر إيلاما من قيود الحيوانات ومعاملته بأسوأ ما يعامل به الحيوان الضال المكشر عن أنيابه.
وهنا أود أن أذكر أني لم أصب بما أصاب العربي من ذعر من جراء ما فعله المجند الأميركي في سجن أبوغريب. فقد عرفت بما يفعله السجان العربي والسجان الخليجي تحديدا وفيه من الاهانة والمهانة ما يزيد ألف ألف مليون مرة عما فعله حفنة من الجنود الاميركان؛ لو تقرأون ما يجري في السجون العربية لأصبتم بالذعر والجنون والخبل وتصورتم أنفسكم وكأنكم تعيشون في نار جهنم التي أعدت للمجرمين والكفرة العتاة وليس لبشر بائسين كل همهم من الدنيا رغيف حاف وغطاء لا يحمي من برد الشتاء او حرارة الشمس وشسع نعل تحمي أقدامهم من نار الأرض وأشواكها؛ هنا ستجدون بعض الاعترافات الموثقة لبعض المساجين العرب: مساجين الرأي أو مساجين القضايا المدنية أو الجنائية علها توقظ فينا شيئا آن له أن يستيقظ.
من هذه الممارسات غير الإنسانية التي مارسها بعض القائمين على السجناء في الوطن العربي الكبير تختلف من دولة إلى دولة أخرى في جزئيات قليلة وتتوافق معها في كل تفاصيلها، وقد أرتأيت أن أغفل ذكر اسم البلاد العربية التي تمارس هذا النوع من العقاب (كما تزعم) في سبيل الاصلاح، أو فيما تخفي أي في سبيل إضعاف الايمان بعدالة القضية التي يؤمن بها المعتقل.
«قامت أجهزة «حذف الاسم عمدا» بإبلاغ عدد كبير من الأسر بوفاة ذويها في السجون، ولم توضح هذه الأجهزة تواريخ الوفيات ولا الأسباب المؤدية إليها، كما لم توضح مدعاة إخطار الأسر في هذا الوقت بالذات. وتقدر بعض المصادر أعداد الوفيات التي أبلغ عنها بما يزيد عن ألف ومئتي سجين سياسي. ومعروف أن السياسات والممارسات بحق السجناء السياسيين قد اتصفت طيلة حكم «محذوف» بالشراسة والمبالغة في القمع والإرهاب، كما كان التعذيب والقهر النفسي والمعنوي والجسدي يمارس بحق السجناء السياسيين في المعتقلات والسجون. ومعروف أيضا أن الغالبية العظمى من هؤلاء السجناء قد قضى سنوات كثيرة من دون أن يقدم إلى المحاكمة أو توجيه تهم محددة إليهم، أو مثلوا أمام محاكم لا تتوافر فيها أبسط ضمانات العدالة، ومع ذلك أمضوا في السجن مددا تزيد عن تلك المحكوم عليهم بها. هذه الصورة تتكرر في أكثر من وطن عربي.
وفي سجون «محذوف» لم يكن يسمح للسجناء السياسيين - طيلة سجنهم - باستقبال زيارات حتى من ذويهم وأقربائهم المباشرين، ما يؤدي إلى انقطاع أخبار السجناء بمجرد اعتقالهم، وقد بقيت عائلات تجهل مصائر ذويهم المعتقلين لفترة زادت على ما يقرب من ثلاثة وثلاثين عاما في بعض الحالات، هذا كله علاوة على الأحوال الصحية والمعيشية بالغة السوء التي تسود في السجون والمعتقلات. هذا الفعل يتكرر في أكثر من بلاد عربية.
وخلال العام 1996 ارتكبت أجهزة «...» مجزرة في سجن «أبي...» راح ضحيتها عدد كبير من السجناء، وظلت أجهزة «...» تتكتم على هذه المجزرة، بل وتتجاهل وقوعها، وتفيد أخبار تسربت حديثا أن ضحايا مجزرة سجن «أبي...» يعدون بالمئات من السجناء السياسيين. كثير من السجون العربية جرى فيها مجازر يعلن عنها ولا يعلن عنها.
إن الكشف عن وفاة هذه الأعداد الكبيرة من القتلى داخل السجون له دلالة على حجم الجرائم التي ترتكبها أجهزة «...» بحق السجناء السياسيين. وسواء كانت وفاة هؤلاء نتيجة للتعذيب أو للإهمال والأحوال الصحية والمعيشية المتردية، أو قتلوا أثناء مجزرة سجن «أبي...»، فإن «...» شخصيا وأجهزة حكمه يتحملون كامل المسئولية الجنائية عن هذه الكارثة المأسوية.» لم يتجرأ أحد من العرب على تحمل المسئولية عما يجري في سجونه.
مليون سجين سياسي
أحد السجون العربية مر عليه في شهر واحد أكثر من نصف مليون مواطن! ومن بين هذا الكم من المواطنين الذين دخلوه، تبادلت زنزانتان الحديث سرا بينهما حينما شاء القدر أن يسمح لهما بالحوار في لحظة توقف فيها نبض الحرس والشرطة والمخبرين والعتاة والزمن وكل أدوات التصنت والتجسس. نرى بوضوح ما يجري في سجن من سجون العرب في القرن الحادي والعشرين، «قرن العقل»، هذا الحوار يكشف لنا ما يجري في سجوننا الملئية بالأبرياء والذعر. ربما لا يكونون أبرياء من فعل الجرم غير انهم أبرياء بالتأكيد لكونهم لم يحصلوا على العناية القصوى في التحقيق معهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة منصفة.
قالت إحدى الزنزانتين لزميلتها: «أزعم أنك ساذجة إلى حد البلاهة، فأنت وأنا لا نساوي ذرة واحدة في عالم الرعب العربي، وإذا كنت تظنين أن سجون صدام حسين قبل أن يختبيء كالجرذان في جحره، ويتكاثر القمل والبراغيث والحشرات في رأسه الأشعث الأغبر كانت أكثر عددا وهلعا ورعبا وسرية، فعليك بمراجعة شاملة لمعلوماتك» خذي بعض الأمثلة من عندي: «تغطيس وجه السجين في حوض مملوء ببول السجناء»، ومن ثم «يربط السجين إلى عمود، ويشق الجانب الأيسر من ظهره، ثم يتم غرز قطعة من الملح في الجرح، وتغطى بعد ذلك بلصقة مشمعة. والنتيجة لا تستغرق وقتا طويلا. يتصبب السجين عرقا، ويجف ريقه، ويخيل إليه قرب احتضاره، ويكون مستعدا أن يقدم عينيه مقابل رشفة ماء واحدة». ومن ثم يأمر السجان أن يقطع وجهه إربا إربا و«يمزق شفتيه» شر تمزيق، وأن يقتلع «إحدى أذنيه، فالأذن الأخرى»، ويجدع أنفه. أخيرا يغرز خنجره في عنقه» ثم يحول «وجهه ليتقيأ»، وهي النهاية التي لا يخرج منها أحد حيا».
اختراعات عربية
صور أخرى أضافة الزنزانة: يقوم «السجان بالضرب في جميع أنحاء الجسد وبكل الوسائل الممكنة من صفع وركل واستخدام أحزمة وأسلاك وعصي». وهناك التعذيب بطريقة «الدولاب» وهي اختراع عربي يقوم على «ثني الجسم بحيث يوضع رأس السجين وقدماه في الإطار في وضع مقوس ويضرب على رجليه بالأسلاك أو السياط». واختراع عربي آخر: «بساط الريح» ويقوم على «صلب المعتقل على قطعة خشب على شكل جسم الإنسان وضربه وتعريضه لصدمـات كـــهربيـة». و«الشبح» اختراع عربي آخر: ويقـوم على «ربط يدي المعتقل خلـف ظهـره وتعليـقه منـهما أو من قدميه وفي كلا الحالين يستخـدم الضرب أو الصـدمات الكهربيـة».
وطريقة «العبد الأسود» وهي «شد المعتقل إلى جهاز عندما يتم تشغيله تدخل قطعة معدنية حامية في فتحة الشرج». وطريقة «الكرسي الألماني» (وهي بالمناسبة وسيلة تعذيب كان يستخدمها شياطين الإنس في عهد (...) لتأديب من يناهضون الحكم)، وهو كرسي معدني بأجزاء متحركة تربط قدمي المعتقل ويديه، ويثنى بقية الكرسي إلى الخلف ليحدث ضغطا كبيرا على الرقبة والأوصال، ويضيق التنفس، ثم يصاب السجين بالاغماء. أما طريقة «الغسالة» فهي تعتمد على «برميل يشبه شكل الغسالة من الداخل ويجبر المعتقل على وضع ذراعيه فيه بحيث تنسحق اليدان أو الأصابع. أما حرق مناطق من الجسم كالظهر والرجلين والأعضاء التناسلية فيتم باستخدام سخانات كهربائية أو مكواة».
حمار يعذب حمارا مثله!
طرق أخرى لكي تتمعني فيها قالت الزنزانة: «الحرق بالنار يبدأ بوضع قطعة قطن على جسم السجين وهي مبللة بالكيروسين، ثم اشعال النار بها، أو صب الكيروسين فوق القدمين واشعال النار فيهما. وهناك غرس قضيب مدبب ساخن في ظهر السجين أو صدره. توجيه صعقات كهربية عن طريق وصل الأسلاك بأجزاء حساسة من الجسم وخصوصا الأعضاء التناسلية. وضع مواد مالحة أو حامضة على جروح المعتقل لمضاعفة الآلام. تعليق المعتقل بمروحة تدور في السقف وضربه أثناء دورانها. نتف شعر المعتقل باستخدام كماشة. اقتلاع أظافر اليدين والقدمين. الاعتداء الجنسي. اجبار المعتقل على الجلوس فوق زجاجة وادخال عنقها في فتحة شرجه. تهديد المعتقل باغتصاب وتعذيب أهله وأسرته، واستخدام مكبرات الصوت لازعاجه، وعزله في غرفة مظلمة لعدة أيام من دون أي اتصال بالعالم الخارجي، وتعذيب زمـلائه أمامه، ومنع المعتقل من النوم أو قضاء الحاجة أو وسائل النظافة». حاولت الزنزانة الثانية اخفاء تأثرها ودهشتها باعتبار أن ما ذكرته زميلتها قليل مما يحدث في سجون عربية أخرى، ثم قالت لها: «إنك تقصين علي من نبأ أشياء تتكرر في العالم العربي من بحره إلى أنهاره كلها، المسروق منها المياه أو المحجوزة أو المحولة لخصوم العرب. ثم حاولت استعراض معلوماتها أمام زميلتها الزنزانة والمعروف عنها أن من دخلها حيا تنبض فيه روح الأمل، لا يخرج منها إلا إلى القبر أو معاقا ما بقي له من عمر قصير، فقالت لها:
«لا أعرف ماذا أقول لكم، فقد شاهدت وقرأت كثيرا عن ممارسات خاطئة يمارسها أولياء الأمر قبل أي فرد آخر في المجتمع. ممارسات لو حكيت لأفراد عقلاء لأصبحوا مجانين أو لوحكيت لمجانين لأضحوا مخابيل. ممارسات تخجل منها العين أداة البصر أولا ويخجل منها العقل أداة البصيرة ثانيا. ممارسات تخجل منها قطعان الحيوانات قبل حشود الانسان. هل رأيتم حمارا يسجن حمارا أو جحشا، بل هل رأيتم حمارا يرجم حمارا أو جماعة من الحمير لأنهم طالبوا بحقوقهم من حمير مثلهم
العدد 679 - الخميس 15 يوليو 2004م الموافق 27 جمادى الأولى 1425هـ