إلى أي مدى تستطيع الحكومة المعينة في العراق الذهاب بعيدا في العبث بأمن المنطقة العربية وتهديد استقرار دول الجوار وابتزازها سياسيا بالقوات الأميركية المنتشرة في بلاد الرافدين؟
سؤال ينتظر الاجابة من حكومة تقول إنها تمثل «العراق الجديد» ومصالح شعبه. حتى الآن تبدو الاجابات سلبية وهي تسير في سياق مضاد للمنطقة وتصب في النهاية في مصلحة المشروع الشاروني الذي يدفع الولايات المتحدة نحو استكمال حروبها خدمة لاغراضه الإقليمية.
اجابات حكومة «العراق الجديد» مخيفة وهي تذكر بالنظام السابق الذي مكث قرابة ثلاثة عقود يهدد أمن المنطقة ويورطها من حرب إلى أخرى وينفق مالها وثرواتها لتأسيس قوة خاصة لحماية أمن الأسرة والعشيرة وزعزعة استقرار دول الجوار. الآن تبدو السياسة تتجه في النسق الايديولوجي نفسه الذي اختطه النظام السابق. فالعراق بعد الاحتلال الأميركي انتقل من حكم «حزب البعث» إلى حكم حزب «العبث» بأمن المنطقة وابتزازها سياسيا من طريق تهديد استقرارها الداخلي لغايات إقليمية تخدم استراتيجية جورج بوش المتهورة وتصب في خانة المشروع الشاروني.
سياسة حزب «العبث» خطيرة لانها تلعب بالنار وتشغل المنطقة بقضايا جزئية تسهم في تغييب المسألة الفلسطينية عن ساحة المعالجة وتستنزف ثروات الخليج وتلهي دول الجوار في متابعة ما يجري على حدودها الخلفية وتعطل إمكانات الإصلاح والتنمية وانفاق المال لتطوير أجهزة الأمن ومراقبة الحدود. هذه النقاط الساخنة بحثها الرئيس السوري بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة لطهران. فسورية وإيران طالبتا بضرورة رحيل القوات الأجنبية نهائيا من العراق، وجددتا تمسكهما بأهمية قيام حكومة عراقية تمثل كل فئات الشعب من دون تمييز في مناطقه وطوائفه، وأخيرا وهذا هو الأساس وجهتا دعوة إلى دول الجوار لمساندة الشعب العراقي وعدم الاكتفاء بمراقبة الوضع من وراء الحدود. ما يجري داخل الحدود العراقية خطير للغاية ويشكل تهديدا أمنيا ليس لسورية وإيران وانما يطاول تركيا والسعودية وربما الأردن. فالمعلومات تشير إلى وجود قوات مخابرات إسرائيلية في شمال العراق وان «الموساد» يقوم بتدريبات ويعقد دورات «تثقيف» للعبث في أمن المناطق المحيطة ببلاد الرافدين. وهناك معلومات عن وجود تنسيق أمني وسياسي بين أجهزة «الموساد» وفرق مرتزقة استقدمت من دول انهارت فيها الأنظمة العنصرية (روديسيا وجنوب إفريقيا) فاعيد تأهيلها للقيام بحراسات أمنية لمؤسسات وشركات تنشط بكثافة في العراق.
هذا النشاط الإسرائيلي ليس خدمات مجانية تقدم لحكومة «العراق الجديد» بل هي سياسة تهدف إلى تعزيز سلطة «حزب العبث» لتخريب أمن دول الجوار واختراق الحدود الدولية للعبث باستقرار إيران وسورية وتركيا والسعودية. فالموساد الإسرائيلي يدرب ويجهز ويثقف تمهيدا لخطوة جديدة تقوم على فكرة تطوير الهجوم الأميركي على المنطقة في حال جدد للرئيس جورج بوش ولاية ثانية. فالخدمات الإسرائيلية ليست مجانية فهي بدأت حين قرر بوش إعادة الانتشار قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية. وإعادة الانتشار ليس انسحابا بل هو محاولة لتنظيم الاحتلال والتحكم بالعراق من خلال وكيل محلي يمرر السياسة العامة من دون مسئولية مباشرة تقع على واشنطن. فإعادة الانتشار هو تنظيم لصفوف قوات الاحتلال حتى تأتي اشارة جديدة بإعادة الهجوم وتطويره بناء على طلبات محلية ورغبة الحكومة العراقية.
إلى أي مدى تستطيع الحكومة المعينة السير في هذه الاستراتيجية الأميركية التي تقوم على مبدأ العبث في أمن المنطقة؟ سؤال تصعب الاجابة عنه في وقت هددت حكومة «حزب العبث» بكشف معلومات واسماء وتقارير خلال أيام تتهم سورية وإيران بدور في دعم المقاومة العراقية.
مضت الأيام ولم تكشف حكومة «العبث» تلك الأسرار، ويرجح ان تكون خاوية من المعلومات ولكنها كافية لتبرير أي عدوان تخطط له الولايات المتحدة في المستقبل.
فهل هذا هو «العراق الجديد» الذي بشرت واشنطن المنطقة بولادته ام هي خدعة جديدة بدأتها بازاحة البعث الصدامي واستبدلتها بالعبث العلاوي
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 676 - الإثنين 12 يوليو 2004م الموافق 24 جمادى الأولى 1425هـ