العدد 675 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ

الكهرباء من «الجنريتر» المخشوش إلى الزبد المنفوش!

زبد زبد... من يشتري الزبد؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في نهاية السبعينات نظمت وزارة الإعلام في إحدى طرباتها «الشعبية» جلسة «على الهواء»، لوزير الكهرباء السابق تحدّث فيها «مباشرة» مع المواطنين، واتصل أحد المواطنين الذين «ذبحهم الحر» للاحتجاج على انقطاع التيار الكهربائي، فكان رد الوزير: «أنا أيضا انقطعت عن بيتي الكهرباء»! لكن ما لم يقله الوزير آنذاك هو أن في منازل الوزراء والمديرين و«علية القوم» لابد من وجود «جنريتر»، يغذي المنزل والحديقة والبركة والنافورة والكراج وملحق الخدم... بالكهرباء، في ظرف ثانية واحدة من الانقطاع، بينما إذا انقطع التيار عن بيوت الفقراء، ماتوا من الحر، وفسدت أطعمتهم المخزنة في الثلاجات، وعطبت بعض أجهزتهم التي لم يدفعوا أقساطها بعد، واختنق أطفالهم وشهق عجائزهم، وكل ذلك مرفوع عنه القلم بالنسبة إلى بيوت السادة الوزراء الفضلاء.

في تلك الفترة كنا في نهاية المرحلة الثانوية، وكان انقطاع التيار الكهربائي يضطرنا إلى الذهاب مشيا على الأقدام، إلى متنّزه عين عذاري الذي يبعد 2 كليومتر عن منطقتنا السكنية، فهناك على الأقل تضمن عدم انقطاع التيار عن الشارع العام لو بقيت تذاكر ليلا حتى وقت متأخر.

بعد 25 عاما، وجد أبناؤنا أنفسهم أمام المشكلة ذاتها أيام الامتحانات، بعد أن عاشوا هم وعوائلهم، أياما متوتري الأعصاب تحت تهديد انقطاع التيار. وما كادوا ينتهون من كابوسها، حتى حملت لهم الصحف بالمانشيت العريض بشارة الموسم بالقطع التدويري للتيار عن بعض المناطق المحظوظة من البحرين!

ومع ذلك إذا تكلّمت الصحافة باستقلاليةٍ عن الحرّ وانقطاع الكهرباء، ونقلت هموم المواطن البسيط بصدق وعكست حجم معاناته، جاء الردّ بإنزال نظرية «الزَبَد» الجديدة إلى الأسواق!

الردود والاستشهادات بالآيات القرآنية في اللقاءات الصحافية الخاصة لن تجدي في تغطية جوانب القصور أو التقصير، كما لن يجدي وصف التغطيات بالحملات الإعلامية «المبرمجة» التي تمسّ ذوات الوزراء وتقف وراءها بعض الجهات! ولو كنا قبل ثلاث سنوات لبرزت جماعة من القوم ليقولوا ان وراءها بعض التنظيمات السرية والأحزاب غير الوطنية المرتبطة بالخارج!

في العهد السابق، ما قبل نزول الديمقراطية، كان الردّ لإسكات الناس عن طريق ادعاء وجود مساواة تامة بين الوزير والمواطن حتى في انقطاع الكهرباء، أما اليوم في عهد الانفتاح، إذ لم يعد يجدي هذا الأسلوب العتيق لعدم وجود من يصدّقه، فيتم تصوير أي انتقاد للأداء السلبي والتقصير بأنه مسٌّ بالمخلصين من أبناء الوزارة لتضيع البوصلة وتختلط الأوراق. وعندما تكتب الصحافة عن الاصابات التي تعرض لها بعض عمال الكهرباء وكادت تودي بحياتهم وتيتّم أبناءهم، ووقفت تدافع عنهم بإخلاص، ربما كان ذلك يدخل في خانة «الزبد» الذي لا ينفع الناس أيضا!

الطريقة «الجديدة» في الاستشهاد بالآيات القرآنية طريقة خطيرة، فإذا تكلّم الوزير بالقرآن من ذا الذي يجرؤ على الرد على آيات الله البينات؟ من دون قرآن لم يكن أحدٌ يجرؤ على الانتقاد، فكيف إذا تسلّحتم أيها السادة بالآيات؟ فالرادّ على الوزير هنا رادٌّ على الله، والرادّ على الله مأواه جهنم وساءت مصيرا.

أمنيتي أن يقلع السادة الوزراء الفضلاء عن الاستشهاد بالآيات القرآنية بعد اليوم، فهذه خطة لعب غير متكافئة ولا نستطيع مجاراتكم فيها، وبدلا من الافتاء وتقديم تفسير «وزاري» هذه المرة للقرآن الكريم، عليهم ان يتفرغوا لحل مشكلات الناس العالقة منذ 25 عاما، والتفكير جديا في وضع الخطط الكفيلة بالخروج من الدائرة المغلقة والتدوير المبرمج، وإنقاذ الناس من براثن الحر الخانق، بدل اعتماد سياسة البرمجة الالكترونية لقطع التيار الكهربائي، والتباهي بدخول العصر الذهبي لبرنامج القطع «التناضحي» للتيار... في أول تطبيقات تشهدها البحرين للحكومة الالكترونية

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 675 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً