«اسمعوا لِصوتي واعملوا بِوصاياي، فتكونوا لي شعبا وأكون لكُم إلها، لأُقيم الحلف الذي حلفتُ لآبائِكُم أنْ أُعطيهُم أرضا تَفيضُ لبنا وعسلا كما في هذا اليوم» العهد القديم، سفر إرميا 11.
تذكر الكتب السماوية أن «الرب» وعد «بني إسرائيل» بـ «أرض الميعاد» وحال بحثنا عما يثبت صدقية هذا الوعد في «العهد القديم»، وجدنا في بعض أسفاره هذا المثال الذي نورد بعض منه هنا: «لان جميع الارض التي انت ترى لك اعطيها ولنسلك الى الابد» (كتاب التكوين من ترجمة سميث وفاندايك) «وقال له انا الرب الذي اخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الارض لترثها» «في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام ميثاقا قائلا. لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات» «واعطي لك ولنسلك من بعدك ارض غربتك كل ارض كنعان ملكا ابديا» «وها انا معك واحفظك حيثما تذهب واردك الى هذه الارض. لاني لا اتركك حتى افعل ما كلمتك به» «والارض التي اعطيت ابراهيم واسحق لك اعطيها. ولنسلك من بعدك اعطي الارض. «كلم بني اسرائيل وقل لهم. متى جئتم الى الارض التي انا اعطيكم وحصدتم حصيدها تأتون بحزمة اول حصيدكم الى الكاهن!» «كلم بني اسرائيل وقل لهم. متى أتيتم الى الارض التي انا اعطيكم تسبت الارض سبتا للرب» «تملكون الارض وتسكنون فيها لاني قد اعطيتكم الارض لكي تملكوها» «وتقتسمون الارض بالقرعة بحسب عشائركم. الكثير تكثرون له نصيبه والقليل تقلّلون له نصيبه . إذ خرجت له القرعة فهناك يكون له.
بحسب اسباط آبائكم تقتسمون «ارض حنطة وشعير وكرم وتين ورمان». «ارض زيتون زيت وعسل» «ارض ليس بالمسكنة تأكل فيها خبزا ولا يعوزك فيها شيء. ارض حجارتها حديد ومن جبالها تحفر نحاسا» « ثم قال لي الرب قم اذهب للارتحال امام الشعب فيدخلوا ويمتلكوا الارض التي حلفت لآبائهم ان اعطيهم» «بما اني اوصيتك اليوم ان تحب الرب الهك وتسلك في طرقه وتحفظ وصاياه وفرائضه واحكامه لكي تحيا وتنمو ويباركك الرب الهك في الارض التي انت داخل اليها لكي تمتلكها»؛ هذا بعض ما جاء في «العهد القديم» والذي نستشف منه وعد «الرب» لـ «بني إسرائيل» ونرى أن الحياة التي يحياها «اليهود» هذه الايام في أرض فلسطين ما هي إلا غربة أو رحلة من الرحلات الكثيرة التي إرتحل إليها اليهود بحثا عن أرض الميعاد وما هي إلا صورة أخرى لتغرب إبراهيم الخليل: «وتغرب ابراهيم في ارض الفلسطينيين اياما كثيرة» وقد أمر «الرب» اليهود أن يهدموا الحيطان التي يبنونها والتي تفصلهم عن الناس وقد أنذرهم: «يوم بناء حيطانك ذلك اليوم يبعد الميعاد» وقال لهم : «الآن قم اخرج من هذه الارض وارجع الى ارض ميلادك» أي عيشوا في الأرض التي ولدتم عليها حتى يحين وعد «الرب» التي يعطيكم فيه» أرض الميعاد» حتى أن قرآننا الكريم يورد هذا النص الذي نستشف منه الدعوة لبني «إسرائيل» أن يسكنوا الأرض جميعها حتى يأتي وعد الله: «وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفا» (سورة الإسراء آية 103) هذا ما كان من شأن وعد الله.
أما وعد «بلفور» وزير خارجية «بريطانيا العظمى» آنذاك فهو شيء مختلف كليا عن «وعد الرب»، فقد وعد «بلفور» «الصهاينة» المتلبسين برداء «اليهودية» وليس «اليهود» المؤمنون جدا بـ «وعد الرب» بـ «أرض الميعاد» من دون أي تعب يذكر في رسالة بعثها إلى «روتشيلد» أحد أقطاب «الحركة الصهيونية» في العام 1917 عرفت فيما لحق من السنوات بـ «وعد بلفور» والتي على ما جاء في مضمونها اتفق «الغرب» الذي أذاق «اليهود» شتى صنوف التعذيب والتشريد والقهر و الحرق والعنصرية على إنشاء «وطن» أو «كيان» لـ «اليهود» على أرض «فلسطين» بعد أن تم رفض مواقع عدة من قبل الجماعة نفسها منها «الارجنتين» و «البحرين» القديمة وقيل حديثا من قبل البعض أن «أميركا» «حقا هي أرض الميعاد» أو «ريلي إتز ذي برمسد لند».
وبدأ هنا للتذكير فقط نورد نص تلك الرسالة التي عرفت بـ «وعد بلفور»:
آرثر بلفور وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح الآتي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى».
وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح.
المخلص آرثر بلفور
ويرى المتابع لهذا الـ «وعد» انه لم يتحقق في ليلة وضحاها، بل إنه مر بمراحل عدة اختلط فيها الحابل بالنابل كما يقال، وكثرت الدسائس وتدفقت الأموال من كل حدب وصوب كما تدفق البشر من كل حدب وصوب إلى أرض فلسطين وبدأت اللعبة تأخذ مأخذها حتى إعلان «مشروع الانتداب البريطاني على فلسطين» بناء على قرار من «عصبة الأمم المتحدة» بتاريخ 6 يوليو/ تموز عام 1921 الذي تضمن على ثماني وعشرين مادة صودق عليها بتاريخ 24 يوليو العام 1922 ونفذ بتاريخ التاسع والعشرين من شهر سبتمبر/ أيلول من العام نفسه. وجاء في ديباجة هذا القرار: «لما كانت دول الحلفاء الكبرى وافقت على أن يتعهد بإدارة فلسطين التي كانت تابعة فيما مضى للدولة العثمانية (التي رفض سلطانها بيع فلسطين للصهاينة) بالحدود التي تعينها تلك الدول إلى دولة منتدبة تختارها الدول المشار إليها تنفيذ لنصوص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم.
ولما كانت دول الحلفاء وافقت أيضا على أن تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن تنفيذ التصريح الذي أصدرته في الأصل حكومة صاحب الجلالة البريطانية في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 وأقرته الدول المذكورة لصالح إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضير بالحقوق المدنية والدينية التي تمتع بها الطوائف غير اليهودية الموجودة الآن في فلسطين، أو بالحقوق والوضع السياسي مما يتمتع به اليهود في أي بلاد أخرى.
ولما كان أعترف بذلك بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين وبالأسباب التي تبعث على إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد.
ولما كانت دول الحلفاء اختارت صاحب الجلالة البريطانية ليكون منتدبا على فلسطين.
ولما كان الانتداب على فلسطين صيغ في النصوص التالية وعرض على مجلس عصبة الأمم لإقراره.
ولما كان صاحب الجلالة البريطانية قد قبل الانتداب على فلسطين وتعهد بتنفيذه بالنيابة عن عصبة الأمم طبقا للنصوص التالية وعرض على مجلس عصبة الأمم لإقراره.
ولما كانت الفقرة الثامنة من المادة 22 المتقدمة الذكر تنص على أن درجة السلطة أو السيطرة أو الإدارة التي تمارسها الدولة المنتدبة سيحددها بصراحة مجلس عصبة الأمم إذا لم يكن هناك اتفاق سابق بشأنها بين أعضاء عصبة الأمم.
نرى مما تقدم أن «عصبة الأمم» في حقيقة الأمر لم تأت بشيء جديد وإنها لم تحيد عما نصت عليه الرسالة الموجهة لـ «الصهاينة» أو «الاتحاد الصهيوني» والتي لم تكن في الأساس موجهة إلى «اليهود» كـ «شعب» يعشق الاستيطان أو التشرد في أرض الله الواسعة في انتظار تحقق وعد الرب ومنحه «الأرض الموعودة». إضافة إلى ذلك فإن جميع الشروط التي جاءت في الوثيقة السالفة الذكر لم يؤخذ بها بل ضرب بها عرض الحائط.
وبعد أن تمكن «الصهاينة» من أرض «فلسطين» أعلن قيام «إسرائيل» في اليوم الذي انسحبت «بريطانيا» من أرض فلسطين في 24 مايو/ أيار 1984 وعلى اثر هذا الانسحاب أعلن «ديفيد بن غوريون» في اليوم ذاته ولادة قيصرية لـ «إسرائيل» فذكر قائلا: «أرض «إسرائيل» هي مهد الشعب اليهودي، هنا تكونت شخصيته الروحية والدينية والسياسية، وهنا أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيما حضارية ذات مغزى قومي وإنساني جامع، وفيها أعطى للعالم كتاب الكتب الخالد» ولو تمعنا في هذا الخطاب وقبلنا به على ما يتضمن من إجحاف في حق اليهود قبل أي شعب آخر إذ حصرهم في زاوية واحدة وكأنهم لم يتفعالوا مع مختلف الحضارات وعاشوا في بلاد الله الواسعة على مدى التاريخ ولو قبل العالم بما قال لحق للهنود الحمر أن يطردوا المهاجرين وحق للأبرجنيز أن يطردوا المهاجرين من استراليا لأنهم هناك أسسوا حضارة راقية وكتبوا كتبا وشكلوا فنا راقيا. كما أنه أثنا في الخطاب على «بلفور» و على «عصبة الأمم» على جعل ذلك الوعد حقيقة على أرض الواقع.
وذكر إلى جانب ما ذكر «النكبة التي حلت بالشعب اليهودي وأدت إلى إبادة ملايين اليهود في أوروبا دلالة واضحة أخرى على الضرورة الملحة لحل مشكلة تشرده عن طريق إقامة الدولة اليهودية في أرض «إسرائيل» من جديد». ووعد في إبقاء الباب مفتوحا أمام جميع يهود العالم للقدوم إلى «إسرائيل» و«إن اعتراف الأمم المتحدة» بحق اليهود في إنشاء دولتهم «هو اعتراف يتعذر الرجوع عنه أو إلغاؤه» وعلى اثر هذا «وبقوة القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة» قال إننا : «نجتمع لنعلن بذلك قيام الدولة اليهودية في أرض «إسرائيل» والتي ستدعى «دولة إسرائيل» ووعد في أن «ترعى» هذه الدولة «جميع سكانها من دون تفرقة في الدين أو العنصر أو الجنس» وإنها «ستضمن حرية الدين والعقيدة واللغة والتعليم والثقافة، وستحمي الأماكن المقدسة لجميع الديانات وستكون وفية لمبادئ الأمم المتحدة» وناشد «السكان العرب» المحافظة «على السلام» ودعاهم إلى المشاركة «في بناء الدولة على أساس المواطنة التامة القائمة على المساوة والتمثيل المناسب في جميع مؤسسات الدولة المؤقتة والدائمة» وأعلن مد الايادي «إلى جميع الدول المجاورة وشعوبها عارضين السلام وحسن الجوار» وناشد بإقامة «روابط التعاون والمساعدة المتبادلة مع الشعب اليهودي صاحب السيادة والمتوطن في أرضه» و إنهم (أي المجموعة القائمة على إنشاء الدولة) على «استعداد للإسهام» بنصيبهم «في الجهد المشترك لأجل تقدم الشرق الأوسط بأجمعه» كما ناشد «يهود العالم» بمساندة الدولة لتحقيق الحلم: «خلاص إسرائيل» واختتم خطابه بقوله: «إننا نضع ثقتنا في الله القدير ونحن نضيف توقيعنا على هذا الإعلان خلال هذه الجلسة لمجلس الدولة المؤقت على أرض الوطن في مدينة تل أبيب عشية هذا السبت اليوم الخامس من مايو /أيار سنة 5708 عبرية (الموافق الرابع عشر من مايو 1948) ووقع خطاب إعلان الدولة ثمانية وثلاثون فردا هم أعضاء «مجلس الشعب» الذي مارس صلاحيات مجلس الدولة حتى إتمام الجهاز التنفيذي للدولة.
وكما رأينا فإن هذه الدولة منذ إعلان قيامها حتى هذه اللحظات من عمر التاريخ لم تلتزم بأي قرار صادر عن هيئة «عصبة الأمم» أو «الأمم المتحدة» فقد شردت شعب من أرضه ودخلت في حروب ضروس مع جيرانها وتمكنت من سلب أراض واسعة من جيرانها وبنت في الآونة الأخيرة سور عنصري لتهيمن بشكل علني على الأرض و الزرع. وفي خطاب آخر في قرننا، هذا القرن (21) وعد فيه رئيس «الولايات المتحدة الأميركية» «جورج بوش الابن» وليس وزير خارجية لدولة خسرت كل شيء من مستعمراتها إلى ديمقراطيتها إلى إمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس، نقول وعد شعب فلسطين صراحة بدولته التي تحفظ له حقوقه وأهمها حقوقه الإنسانية في خطاب له قال فيه:
«رؤيتي هي لدولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وليس هناك من سبيل إلى تحقيق هذا السلام حتى تكافح كل الأطراف الإرهاب، ومع ذلك ففي هذه اللحظة الحرجة إذا تجاوزت كل الأطراف الماضي وانطلقت في طريق جديد فإننا نستطيع التغلب على الظلام بنور الأمل». و أضاف مشددا على القول: «إن الولايات المتحدة» «تؤيد قيام دولة فلسطينية تكون حدودها وجوانب معينة من سيادتها مؤقته إلى حين الاتفاق عليها في إطار تسوية نهائية في الشرق الأوسط» و«كلنا علينا مسئوليات فيما ينتظرنا من عمل، الشعب الفلسطيني موهوب وكفء، وأنا واثق من أنهم يستطيعون تحقيق ميلاد جديد لأمتهم».
لا أريد أن أضيف إلى ما قاله زعيم أكبر دولة في العالم في العصر الحديث شيئا فهو يستطيع من خلال خطابه هذا أن يثبت للعالم إيمانه وصحة ما يقوله وأن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه إذا ما هو قاد العالم إلى رمي «إسرائيل» كفكرة ترتكز على العنصرية في البحر وقادهم أيضا إلى الإيمان بعدم الخوف على اليهود في هذه المنطقة من العالم إذ عاش اليهود وغير اليهود في سلام ووئام منذ آلاف السنين حتى قبل أن تكون بلاده حلما وكانوا (اليهود) أعلاما لثقافتنا العربية ولثقافتهم اليهودية.
تذكر الأدبيات القانونية أن «وعد بلفور» لا أهلية قانونية له، لكون طرف «التعاقد» «في هذا الوعد شخصا أو أشخاصا وليس دولة فإن وعد بلفور هو خطاب أرسله بلفور إلى شخص لا يتمتع بصفة التعاقد الرسمي وهو روتشيلد» وتذكر الأدبيات القانونية أيضا ان وعد الرئيس بوش هو وعد ملزم من رئيس دولة يتمتع بالصفة الرسمية إلى سلطة دولة تتمتع بالصفة الرسمية. أما وعد «الرب» فنتركه لـ «الرب» وحكمته.
إني من المؤمنين جدا أن اليهود سيحصلون على الأرض الموعودة وهي غير أرض فلسطين، هي جميع الأرض وذلك حين يستطيع الإنسان بعلمه أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض ويرحل بالإنسان والانسانية إلى بعد آخر من أبعاد الإبداع البشري المحب للإنسان كافة.
جاء في قرآننا الكريم:
«قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» سورة الأعراف آية 127. وجاء أيضا «إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ» سورة مريم آية 38.
كاتب بحريني
العدد 674 - السبت 10 يوليو 2004م الموافق 22 جمادى الأولى 1425هـ