علقت احدى المشاركات في اعمال المؤتمر الثاني لقمة المرأة العربية الذي عقد في العاصمة الاردنية عمّان في 3 و4 نوفمبر/ تشرين الثاني على تسليم رئاسة القمة من قرينة الرئيس المصري سوزان مبارك الى قرينة العاهل الاردني الملكة رانيا العبدالله بالقول «أتمنى ان يكون هذا التسليم بمثابة تسليم للقيادة بين الجيل القديم وما يمثله والجيل الجديد وما يمثله من دور أمام جيل الشباب مع وصول الملكة الشابة رانيا الى رئاسة القمة للعمل من اجل النهوض بأوضاع المرأة. آن الأوان ان يقوم هذا الجيل بدوره في مجال العمل النسائي لاعطاء نوع من الحيوية والدم الجديد لهذا العمل الذي يبدو مرتبطا بالجيل القديم».
هذا التعليق يعكس مدى الرغبة في التغيير والتجديد من قبل البعض لا سيما بالنسبة لوسائل وأساليب العمل لتحسين اوضاع المرأة في العالم العربي الا انه لا يعكس بالضرورة واقع ما جرى ويجري في اعمال قمة المرأة العربية. فالفكرة لايجاد اطار مشترك للعمل العربي على مستوى المرأة بدأت اثناء انعقاد الندوة البرلمانية العربية في تونس في 18 و19 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1999 عندما طرحت رئيسة لجنة شئون المرأة في الاتحاد البرلماني العربي صيغة لاقت الدعم والتأييد من الملكة رانيا العبدالله ثم تبنتها سيدة مصر الاولى سوزان مبارك حين دعت لعقد القمة الاولى في القاهرة بين 18 و20 نوفمبر من العام 2000 وتم ترتيبها من ثلاث جهات: الجامعة العربية، والمجلس القومي في مصر، ومؤسسة الحريري.
هذه القمة كانت بداية التأسيس لعمل عربي مشترك للمرأة على مستوى السيدات الأُول. ومنذ المحطة الاولى لانطلاقة القمة بدأت الانتقادات توجه لها في الشكل والمضمون. ففي الشكل اعتبر بعض المتابعين ان حصر القمة على مستوى السيدات الأول يعني انه لن يحصل تحول جدي في العمل لان النهوض بأوضاع المرأة بحاجة الى عملية تنمية شاملة والتنمية بحاجة الى قرار سياسي والقرار يأتي من السلطة السياسية وليس من زوجات الرؤساء والزعماء اللاتي لا يملكن صفة رسمية وليس لديهن اية سلطة مباشرة. وبالتالي فان وسائل التغيير لن تكون متوافرة خصوصا مع غياب الآليات العملية على رغم الدعوات التي تطلق في القمة الى اشراك مؤسسات المجتمع المدني لان تدخلها بقي محدودا، كما سجل البعض انتقادات تتعلق بحصر البحث في النهوض بالمرأة بالنساء علما ان التغيير الذي يحتاج ايضا الى قرار سياسي يأتي من الرجال ايضا. فيجب مشاركة أوسع من قبل الرجال في النقاش مع تسجيل انه في قمة عمّان لوحظ مشاركة اوسع من قبل الرجال في الحضور والمداخلات في ورش العمل. اما في المضمون فان معظم البيانات والتوصيات التي صدرت من القمة الاولى في القاهرة، والاستثنائية في القاهرة ايضا، وصولا الى قمة عمّان كانت متشابهة في الطرح إن في شقها السياسي الذي تكرر فيه الحديث عن ادانة الاحتلال الاسرائيلي والدعوة الى تطبيق قرارات الشرعية الدولية ورفض العنف والارهاب والدعوة الى رفع الحصار عن الشعب العراقي او في الشق المتعلق بخطة النهوض بأوضاع المرأة من حيث تبني السياسات الممكنة وازالة الفقر واسبابه وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء واعتبار التنمية اساس عملية النهوض. وهذه العناوين بحاجة الى قرار سياسي في كل بلد على مستوى التشريعات والقوانين وبالتالي بحاجة الى السلطة السياسية.
وفي جانب آخر اعتبر بعض المراقبين ان قمة المرأة تحاول تقليد قمم الرجال خصوصا في تناول المسائل السياسية وهو ما ظهر في الخلاف بشأن «البيان الختامي» لقمة عمّان حين تم الاعتراض على الجانب السياسي وليس على خطط التنمية والنهوض بأوضاع المرأة. فعندما تلي «اعلان عمّان» و«البيان الختامي» وتم توزيعهما بوثيقة واحدة اعترضت رئيسة الوفد السوري سعاد باكور على عدم تضمين البيان الختامي فقرة سياسية تدين الاحتلال الاسرائيلي وما يتعرض له الشعب الفلسطيني.
وتلتها رئيسة وفد فلسطين سلوى أبو خضرا التي ايدت الاعتراض على رغم وجود بيان سياسي في الفصل الأول من «اعلان عمّان» يتحدث بشكل مسهب عن الأوضاع الخطيرة في المنطقة والأزمات التي تواجه العالم العربي وعن فلسطين والعراق والسودان وانعكاس ذلك على أوضاع المرأة، إضافة الى التأكيد على ادانة الاحتلال الاسرائيلي وحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. هذا الاعتراض على البيان دفع ايضا رئيسة الوفد العراقي هدى صالح مهدي عماش الى الاعتراض أيضا والمطالبة بتضمين البيان الختامي فقرة متعلقة برفض التهديدات ضد العراق. وبعد جدل واسع بين المشاركات وتدخلات مؤيدة مثل مصر ومعترضة مثل الاردن تقرر نقل فقرتين من البيان السياسي لاعلان عمّان تتعلقان بفلسطين والعراق الى «البيان الختامي».
هذا الخلاف يؤشر الى ان جوهر الاعتراض لم يكن على وسائل النهوض بالمرأة بل على الموقف السياسي للبلد وهذا ما يعيد الى الأذهان ما يدور في قمم الرجال السياسية العربية فهل المطلوب من المرأة العربية أن تعيد انتاج خطاب الرجال أم صوغ مقترحات خاصة تساهم في تعزيز دور المرأة كل في مجتمعها.
حتى الآن تبدو صورة ما تم التوصل اليه عبر القمم الثلاث بين القاهرة وعمّان يقتصر على ترتيب البيت الداخلي بالنسبة لاقرار دورية القمة كل سنتين والدعوة الى الموافقة على انشاء «منظمة قمة المرأة» يكون مقرها في جامعة الدول العربية. أي ان النتائج بقيت في اطار الشكل كما بقيت هموم ومطالب المرأة العادية الفقيرة والعاملة والأم والمرأة غير المتعلمة والطالبة غائبة عن النقاشات كغيابها عن أعمال القمة.
المؤتمر الثاني لقمة المرأة العربية حمل عنوان «المرأة العربية: رؤية جديدة» وتسلمت رئاسة القمة الملكة رانيا فهل سيتم خلال السنتين المقبلتين صوغ رؤية فعلا جديدة للمرأة انطلاقا من مشاركة الجميع بمن فيهم الشباب والمجتمع المدني والرجال خصوصا وأن على رأس هذه القمة ملكة شابة؟
السؤال يبقى مطروحا ويحمل تحديات كثيرة وفي انتظار الجواب في السنتين المقبلتين فإن مؤشرا ايجابيا بدأت به الملكة رانيا ولايتها عندما أعلنت ان مجلس الوزراء الاردني ولمناسبة القمة اصدر قرارا بتعديل قانون الجنسية الاردنية وجواز السفر ليعطي المرأة حقها في المساواة مع الرجل. هذا المؤشر عكس جوا ايجابيا الا انه يبقى محدودا حتى تتأمن وسائل الضغط على السلطة السياسية لانها الاداة الوحيدة للتغيير فهي التي تقرر سياسات التنمية والتشريعات والقوانين
العدد 67 - الإثنين 11 نوفمبر 2002م الموافق 06 رمضان 1423هـ