بالأمس مثل الرئيس العراقي السابق صدام حسين أمام قاضٍ عراقي، وقد بدا هزيل الجسم شاحب اللون، يتحدث وهو مختنق بعبرته وعيناه تفيضان بالدموع تحسرا ربما على أيام العز الفانية، وجلوسه أمام قاضٍ عراقي يحاسبه على ما ارتكبه من جرائم ضد الإنسانية في الوقت الذي كان يظن فيه أنه فوق القانون وفوق المساءلة وألا حسيب أو رقيب يسجل تلك الجرائم.
ووجهت لصدام سبع تهم تندرج كلها في إطار الجرائم ضد الإنسانية وهي: القتل العمد ضد رجال دين شيعة وانتفاضة شعبان في الجنوب وضد عشيرة البارزاني والأكراد في حلبجة والأنفال وغزو الكويت، وتلك الأخيرة مازالت عقدة الرئيس العراقي المخلوع فهو لايزال يعتقد بأن الكويت محافظة عراقية وإنه دافع عن شرف العراقيات بعد أن قال الكويتيون إنهم سيجعلون العراقية تنزل للشارع بعشرة دنانير! والحقيقة إن صدام هو آخر من يتحدث عن الشرف، فهل ما قاله يبرر غزوه للكويت؟ هل من أجل ذلك يستبيح أراضي الآخرين وأعراضهم؟ وزد على ذلك أنه أكثر من انتهك أعراض العراقيات أنفسهن.
والغريب إنه لم توجه لصدام تهمة بخصوص الحرب ضد إيران، وإن كانت بعض الفضائيات قد التبس الأمر عليها وذكرتها ضمن لائحة الإتهام، لكنها لم تذكر في اللائحة ربما لأنها كانت حرب العالم بأسره على إيران الجمهورية الإسلامية.
وبعد تسليمه للحكومة العراقية لم يعد صدام أسير حرب، لكن بعض القانونيين يشكك في ذلك استنادا إلى أن تلك الحكومة عميلة للاحتلال، كما انهم يشككون في شرعية المحكمة ذاتها، فقد أسسها مجلس الحكم المعين من قوة الاحتلال، وعلى ذلك فالمحاكمة قد لا تكون عادلة وقد لا تتوافر للمتهمين الضمانات الكافية، وربما يكون ذلك صحيحا في جزء منه لكننا نعتقد أن الضمانات القانونية ستمنح في غالبيتها لهم، ونحن على ثقة بأن هيئة الدفاع عن صدام ستدخل العراق حتى إن كانت روايات تقطيعهم إربا صحيحة فهم على استعداد تام للتضحية في سبيل صدام، ويعدونه الرئيس الشرعي للعراق كما يصر هو على ذلك. ولا أعرف من أين اكتسب تلك الشرعية؟!
وهي مؤكدا شرعية المئة في المئة والتوقيع بالدماء وأضحوكة الاستفتاء الشعبي! أهذه هي الشرعية التي يقصدونها؟ فضلا عن ذلك فإنه وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري وهي أحد الوسائل غير السلمية وربما غير الشرعية أصلا، وما بني على باطل فهو باطل - كما يقولون - ومهما تكن سلبيات المحكمة أو المحاكمة والتحفظات عليها، فإننا يجب أن نتفق على أن صدام أجرم بحق شعبه، بل إنه «همّاز مشّاء، بنميم منّاعٍ للخير معتدٍ أثيم عتلٍ بعد ذلك زنيم» (القلم: 11 - 13).
أما آخرون فإنهم يرفضون محاكمة نظام صدام لأنه يجب على حد اعتقادهم محاكمة الرئيس جورج بوش أولا ثم شارون لجرائمهما ضد العرب والفلسطينيين، وليس ذلك إلا محاباة لصدام كما نرى، إذ ليس من المعقول أن لا نحاكم صدام على فعل لأن شارون قد فعل ذلك أيضا، الجُرم لا يبرر بجُرم آخر، ولا يمكن تبرئة النظام المخلوع لأن الإدارات الأميركية المتعاقبة ترتكب الجرائم هنا وهناك. إن كليهما ينبغي أن يحاكما ويحاسبا عما اقترفتاه يداهما، ولا يجب الخلط بينهما. والرئيس العراقي المخلوع هو أول رئيس عربي يُسأل عن جرائمه بحق شعبه وبحق الآخرين، والغريب أن البعض يقر بدكتاتورية الحكام العرب ويصفهم بالخونة بينما يستثني صدام من كل ذلك ويعتبره القائد المجاهد والمرابط الجأش. إن هؤلاء يرفضون الحقيقة المرّة بل إنهم يرفضون الواقع والحق، وأن نظام البعث بقيادة صدام قد ولّى إلى غير رجعة، ربما يعيد التاريخ نفسه لكنه لا يعيد الأسماء والشخصيات ذاتها إلى ذات المواقع التي كانت عليها. وإن محاكمة صدام يجب أن تكون عبرة للزعماء العرب فقد تدور عليهم الدائرة أيضا. وليس جلوس صدام أمام العدالة أخيرا إلا نقطة البداية لطريق المحاكمة الطويل، وإن لم ينل القصاص العادل في يومنا فإنه سيناله في يوم يجعل فيه الولدان شيبا.
كاتبة عراقية
العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ