بدت ما تسميه الولايات المتحدة الأميركية بـ «الحرب على الإرهاب» التي دشنت حملتها الضارية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام 2001. ومن ذلك اليوم المفصلي في التاريخ الأميركي أضحت «حرب الإرهاب» الأميركية منظومة قائمة بذاتها تعددت أبعادها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية والبحثية وغيرها. غير أن ما يهمنا في هذا السياق الأبعاد الاقتصادية لـ «حرب» أميركا على الإرهاب تلك الأبعاد التي تفرعت وتشعبت مع استمرار هذه «الحرب» التي تشير كل الدلائل إلى إننا لم نبلغ بعد عتبتها الأولى.
وفي هذا السياق سعت الولايات المتحدة إلى تجفيف منابع تمويل الحركات الراديكالية التي تصفها الإدارة الأميركية بـ «الإرهابية» عبر نسج سلسلة طويلة من التحالفات الدولية والإقليمية صاحبتها الكثير من الترتيبات هنا، وهناك، وهنالك، كانت تستهدف جميعها سد أي مصدر من مصادر تمويل تلك الجماعات التي أذاقت الأميركيين المر في ذلك اليوم التاريخي من سبتمبر.
وفي المقابل تقول تقارير وكالات الأنباء: «إن الولايات المتحدة التي تقود حملة شاملة لسد شبكات التمويل السرية للمنظمات الإرهابية مازالت تضخ مزيدا من الأموال النقدية كمكافآت بهدف إغراء الناس على كشف مخابئ شخصيات رئيسية في جماعات إرهابية». في حين يقول مسئولون أميركيون: «إن المكافآت المالية تلعب، إلى جانب القوة العسكرية والتعاون الدولي في مجال المعلومات الاستخباراتية، دورا حاسما في تفكيك المنظمات الإرهابية في أنحاء المعمورة منذ اعتداءات سبتمبر».
وإن أمعنا النظر في المشهد العراقي، على سبيل المثال، نجد خير دليل على تنامي اقتصادات مكافحة الإرهاب وفقا للرؤية الأميركية، ذلك لأن وزارة الخارجية الأميركية وحدها أنفقت حتى الآن نحو ثلاثة ملايين دولار كمكفآت مقابل معلومات حصلت عليها عن مقاتلين عراقيين فضلا عن نحو 75 مليون دولار وعدت بها مقابل معلومات تدل على مخبأ الرئيس العراقي السابق صدام حسين ونجليه قبل اعتقال الأول وقتل الأخيرين. في حين بلغت قيمة المكافآة المرصودة لاعتقال أبومصعب الزرقاوي 25 مليون دولار. وتعرض وزارتا الخارجية والخزانة الاميركيتيان أيضا مبلغ خمسة ملايين دولار مقابل الحصول على معلومات من شأنها شل حركة المنظمات التي تمول الإرهاب.
وقال نائب مساعد وزير الخزانة خوان زارات: «لقد جعلنا مسألة جمع الأموال ونقلها من مكان إلى آخر في العالم أكثر صعوبة وأكثر كلفة بالنسبة إلى تنظيم القاعدة والمنظمات الإرهابية الأخرى». وابلغ زارات الكونغرس الأميركي أخيرا بان أميركا جمدت وصادرت نحو 200 مليون دولار من الأموال المرتبطة بالإرهاب خلال أقل من عامين.
وكما أشرنا فإن اقتصادات «حرب الإرهاب» الأميركية بدأت تشتغل تجاه التحول إلى قطاع اقتصادي قائم بذاته في ظل تنامي التهديدات والخوف من تكرار مشاهد 11 سبتمبر الدامية. وفي المستقبل القريب سنرى هذا القطاع قد نما بصورة تفوق تصور من يمتلك الخيال الأكثر خصوبة في العالم
العدد 668 - الأحد 04 يوليو 2004م الموافق 16 جمادى الأولى 1425هـ