يظن الكثير من الناس ان البطالة المقنّعة أهون من البطالة الظاهرة، بينما الواقع خلاف ذلك، لعدد من الأسباب:
أولا: البطالة المقنعة ليست ظاهرة للعيان، لذلك يصعب متابعتها وعلاجها من قبل المهتمين والمصلحين، خصوصا إذا عرفنا ان الكثير من الذين يعانون من البطالة المقنّعة يستحون من الإعلان عن أنفسهم، بل قد يتكلم أحدهم عن عمله وعن انتاجه بينما يعلم في قرارة نفسه أنه من أقطاب شبح البطالة المقنعة في عمله. أما البطالة الظاهرة فهي مرض يمكن تشخيصه بسهولة ما يؤدي إلى إمكان علاجه مهما كان العلاج صعبا.
ثانيا: البطالة المقنعة سبب من أسباب البطالة الظاهرة وليس العكس، وهذه النقطة المهمة لا يلتفت إليها الناس، فالموارد والأموال العامة التي تنفق من دون انتاج كان من الممكن الاستفادة منها في توظيف العاطلين في مواقع عمل منتجة يتقوى بها الاقتصاد الوطني وبالتالي تتوافر بها وظائف جديدة للعاطلين.
ثالثا: البطالة المقنّعة عادة ما تقتل الكفاءات والمواهب، لأن أكثر الناس يعملون لكي يعتاشوا، فإذا كانت معيشتهم قد تم حسمها من خلال البطالة المقنّعة فسيرون عدم أهمية استخدام كفاءاتهم ومواهبهم. بينما في حال البطالة الظاهرة فإن الأكثرية لا تستسلم لقدر ليس فيه لقمة عيش، بل تعمل هذه الأكثرية على اكتساب المزيد من الكفاءات وشحذ المواهب بغية استثمارها لليوم الذي توظفها فيه لاكتساب العيش.
رابعا: عادة ما تكون البطالة المقنّعة بسبب تخطيط خاطئ لتوزيع الموارد يتسبب في تصميم خاطئ للعمل، وهذا يتطلب إصلاحه جهدا أكبر من إيجاد وظائف جديدة لأنه أكثر تعقيدا.
و هناك طرق خاطئة عادة ما يطبقها المسئولون للقضاء على البطالة المقنعة، منها:
إعطاء المبتلي بالبطالة المقنعة أعمالا غير منتجة، على سبيل المثال إذا اشتكى أحد الموظفين لدى المسئول قلة الأعمال لديه لكي ينقله إلى مكان آخر، يقوم هذا المسئول بالطلب من الموظف المزيد من الأعمال الكتابية والتقارير التي لا طائل من ورائها سوى إهدار مزيد من حبر الكمبيوتر والأوراق والوقت.
يقوم المسئول بابتعاث الموظف لدورات تدريبية خاطئة من ناحية مناسبتها لوضع الموظف سواء في عمله أو في عمل منتج قد ينتقل إليه مستقبلا.
يترك المسئول الحبل على الغارب، لا يعالج الأمر ولا يرفع أي تقرير عنه للمسئول الأعلى أو المصلحين في المجتمع.
ولكن ما هو الحل؟ هناك عدة نقاط أراها مساعدة في التشخيص:
أولا: تصميم العمل أو الـ (job design) ومناسبته للمتطلبات الحقيقية للعمل قد يكون سببا للبطالة المقنّعة، مثلا: قد تكون متطلبات الوظيفة هي كاتب طباع، ولكن سوء التصميم جعل من المسمى الوظيفي مدققا.
ثانيا: قد يكون تصميم الهيكل أو التنظيم الوظيفي هو السبب، مثال: تكون الوظيفة هي وظيفة مشرف مع وجود مشرف أول ويكون وضع العمل بحيث لا يحتاج إلى هذا المشرف بالمرة مع وجود المشرف الأول، هنا لا توجد بالأصل متطلبات لهذه الوظيفة لعدم وجود الحاجة إليها وأكثر أنواع البطالة المقنّعة لدينا من هذا النوع الثاني.
ثالثا: يكون طول عمر الهيكل أو التنظيم الوظيفي تسبب في هرم هذا الهيكل إذ أصبح هناك عدم حاجة إلى بعض الوظائف ما يتسبب في البطالة المقنّعة لأصحابها.
التشخيص السابق طبعا ليس كافيا، فقد تكون لبعض الحالات خصوصياتها، ولكن التشخيص الصحيح هو نصف العلاج.
وأثار انتباهي ان إحدى الوزارات الحكومية وعدت بالقضاء على البطالة المقنعة بتدوير المسئولين وبوضع هيكل جديد، وواضح أن التدوير بما هو تدوير لا ينفع ولا يضر في القضاء على البطالة المقنّعة لعدم تعامله مع الهيكل الوظيفي وتصميم العمل، أما وضع هيكل جديد، فلنا عليه عدة نقاط:
المسألة ليست مسألة وضع هيكل جديد فقط، بل بالإضافة لذلك سرعة تنفيذ هذا الهيكل. الهيكل السابق طال عهده إلى ما يزيد على الأربعين سنة. المفروض أن يكون تم تعديل هيكلي شامل لأربع مرات على الأقل في هذه الفترة الزمنية الطويلة.
لقد قيل إن ديوان الخدمة المدنية سيقر هيكلا جديدا منذ ما يزيد عن السنوات السبع، ولم يتم إقراره لحد الآن، إن هذا البطء في رد الفعل من قبل القائمين على إقرار الهيكل مع حاجة العمل الحيوية إلى ذلك يعتبر من أكبر أعراض المرض المسبب للبطالة المقنّعة وغير البطالة المقنّعة، لأنه يدل على ضعف وقصور المؤسسة الحكومية عن الوصول إلى - و لو بشكل بسيط - حالة المؤسسة المتعلمة ذات رد الفعل السريع المتجنب لأخطاء الماضي.
ان المتسببين في البطالة المقنعة ليسوا في منأى عن المسئولية، لذلك من أهداف الهيكل الجديد إذا كان للإصلاح يجب أن يشمل على الأقل الحد من صلاحياتهم وليس ترقيتهم!
كما أن وضع (هيكل جديد) يختلف عن مصطلح (Reengineering) والذي يعني النسف الكامل للهيكل السابق وإعادة الهيكلة، ويجب ألا يتم الخلط بينهما، لأن الثاني هو المطلوب لإصلاح يكون جذريا وليس الأول الذي يعطي إصلاحا محدودا وغير جذري.
* كاتب بحريني
العدد 667 - السبت 03 يوليو 2004م الموافق 15 جمادى الأولى 1425هـ