كان في يوم من الأيام من أبرز المحللين السياسيين البارزين في الفضائيات، متخصصا في تلميع صور بعض الشخصيات التي يقتات الفتات على موائدها. إلا أن صحوة الضمير لديه بدأت تعمل على مدى العامين الماضيين تحديدا... والصحوة تلك تنم عن مشاعر وأمنيات بغيضة بألا يستقر العراق لكي لا يصل إلى سدة الحكم من لا يُكافِئون على مقال يمتدحهم فيه، وآخر يتهجم به على أعدائهم... إذ إنه متخصص في هذا المجال وقتما تقتضي الظروف، ويشاء من يبحث عن أمثاله لإطرائهم.
هذه مقدمة للرد على شتيمة سمعتها على لسان المذكور في قناة «المستقلة» قبل فترة وجيزة، في حديث عن مستقبل العراق، وكان الهجوم على شخصية بارزة ورجل دين ذي مكانة عالية، انتخب ضمن القيادة الثلاثية التي شكلتها المعارضة العراقية بعد حرب الخليج مباشرة، ويرأس مركزا للأعمال الخيرية في لندن، ألا وهو السيدمحمد بحرالعلوم.
وجاءت هذه الشتيمة لغرض في نفس الكاتب، حينما تعرض معد البرنامج لأعضاء مجلس الحكم العراقي المؤقت السابق، فنفى الضيف المذكور أن يكون أحد أعضاء المجلس من المقيمين في العراق إبان العهد البائد إلا ثلاثة منهم، والباقي جميعهم عملاء ومتعاونون مع الأميركان، وأخذ يستعرض أسماء الأعضاء، وعندما وصل إلى ذكر السيدمحمد بحرالعلوم أسماه «بحر الظلمات»، الأمر الذي دعا الضيف الآخر مع معد البرنامج إلى الاستنكار... ولكن، من هو بحر العلوم هذا؟
السيد بحرالعلوم عالم ديني وخريج الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فضلا عن كونه رئيسا للحركة الإسلامية المستقلة في العراق. ترك العراق في العام 1969 بعد ملاحقته من قبل النظام العراقي المدحور، وإصدار حكم الإعدام بحقه ليستقر في بريطانيا، إذ نال شهادتي الماجستير والدكتوراه، مواصلا بذلك معارضته لنظام البعث. وحين ثار الشعب العراقي في الانتفاضة الشعبانية كان في مقدمته رجال الدين وعدد كبير من العلماء، ومنهم رجال أسرة بحرالعلوم، من بينهم إخوته وأصهاره، كما أن ابنته استشهدت في ساحة المعركة. ومع تلك المعاناة، واصل السيد عمله لإزاحة نظام صدام. وبعد غياب دام 34 عاما عاد السيد كغيره من المنفيين المطاردين إلى وطنه الأم.
أما ضيف القناة المخضرم فيرأس تحرير صحيفة في إحدى دول الخليج الشقيقة، وأستاذ جامعي في العلوم السياسية، لطالما تفنن في تشويه الحقيقة أيام الخلاف بين البلدين الشقيقين على جزر حوار، وكانت كتاباته تفتقد الحد الأدنى من الأدب والتهذيب... إذ دأب على بث الكلام المسموم الذي ينضح بالكراهية والحقد، متجاهلا شرف الكلمة وأمانتها، منتهكا في الوقت نفسه الأخلاقيات والأعراف الصحافية، معتمدا التشويه عبر أسلوبه المتضمن الحقد والبذاءات. لم يكن من أبناء دول الخليج، ولكنه يصرّ على ذلك. عمل في الإمارات عدة سنوات، وحاول مرارا أن يحصل على الجنسية فيها، ولكن محاولاته جميعها باءت بالفشل، بسبب ما عُرف عنه من نفاق وانتهازية وإثارة للفتن، وبطريقة ما استطاع أن يحصل على الجنسية القطرية.
... وماذا بعدُ؟
إذا، هذا الفرق بين بحرالعلوم ابن الأسرة العلمية التي عانت من نظام صدام، وبين هذا المخضرم السياسي الأوحد في المنطقة. أسرة بحرالعلوم أسرة علمية سياسية اجتماعية تمتد جذورها إلى المرجع الديني آية الله السيدمحمد مهدي بحرالعلوم الطباطبائي الذي يرقى نسبه إلى إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، وقد قدمت هذه الأسرة كثيرا من الشهداء مثل آية الله علاء الدين بحرالعلوم وآية الله عزالدين بحرالعلوم وآية الله جعفر بحرالعلوم وآية الله حسين بحرالعلوم، إضافة إلى مجموعة أخرى من العلماء. وصاحبنا من الدخلاء والمرتزقة الجدد، الذين لا يترددون لحظة في إثارة الفتن، ولا يملك طريقة لتحقيق المآرب الشخصية غير الكتابات والتصريحات اللامسئولة، بما تتضمنه من بذاءات تكشف بجلاء عن حقيقة معدنه. يكفي أن الضيف العراقي أفحمه بأسماء أعضاء مجلس الحكم الموجودين داخل العراق قبل الاحتلال، بخلاف ما ادعى هذا المتقلِّب
العدد 665 - الخميس 01 يوليو 2004م الموافق 13 جمادى الأولى 1425هـ