العدد 664 - الأربعاء 30 يونيو 2004م الموافق 12 جمادى الأولى 1425هـ

"الجاهليون الجدد" بلباس إسلامي أنيق!

"فليصمت المجنون"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حسين الكلام عن الإسلام يستدعي طهارة السلوك. والكلام عن الثغور لا يحول الصعاليك المتبطلين إلى مجاهدين. ومن أراد أن ينصب نفسه مدافعا عن الامة الاسلامية فعليه أن يحوز على تزكية أهل حارته أولا، بل أن يحوز على ثقة العاملين معه في عمله الذي يعتاش منه، لا أن يكون سبعا ضاريا شرسا. وما أسهل الحديث عن الفضيلة على بائعات الهوى في الأسواق الكاسدة. من هنا يهمنا تعرية المواقف المخاتلة، التي تبيع لبعض الناس أوهاما وتمنيهم بالجنة على تعصبهم ضد الآخرين، وتشحنهم بالضغائن والأحقاد ضد أبناء الطوائف الأخرى، وينسون قوله تعالى: "الفتنة أشد من القتل". ثم ان هذا الموقف الفكري المنحرف، من الكذب المفضوح ادعاء انتسابه إلى تيار "الاخوان المسلمين"، ذلك التيار التاريخي العملاق. فاللحية وحدها لا تدخلك في حظيرة الأبرار، إن لم تكن رجلا بمعنى الكلمة. فللرجولة مقوماتها، أهمها ألا تخون الوطن وتطعنه في صميم وحدته. وإذا كتبت كلمة ضد "التجنيس" والتمييز فلتلتزم بتبعاتها، لا أن ترتعد فرائصك يوم إدخالك على المحقق فتكتب قصيدة في اليوم التالي تمتدحه ليفرج عنك! اما التستر تحت عباءة "الاخوان" فلا يخدع شعبا قارئا متفتحا أكب على مطالعة كتب الامام الشهيد حسن البنا "رحمه الله"، وأدمن قراءة كتب محمد الغزالي والسيد قطب والقرضاوي والشعراوي وغيرهم من عمالقة الفكر الإسلامي الحديث. ثم ان وقوفنا ضد هذه الميلة الجاهلية نحو حب الفرقة وابتغاء الفتنة بين ابناء الشعب الواحد لما نرى أنه يصطدم أساسا بجوهر المبادئ الاسلامية السمحاء ويضربها في الصميم. فليس من الصحيح السكوت عن هذه العربدة والشعوذة التي تجري أمام أعيننا بأي مبرر كان حتى ينحدر السيل ويغرق المدينة. والخطورة الكبرى في هذا الطرح تكمن في بروز عنصرية جديدة بلباس إسلامي مزيف، وهذا ما نحذر منه أولا وأخيرا. فلافرق بين الغربي الذي يستبيح دم الشرقي لمجرد انه أسمر اللون، وبين العربي الذي يستبيح دم الغربي لمجرد لونه الاحمر. كلتاهما عنصرية جاهلية تغرف من مستنقع نفسي واحد، فكيف بمن يهزأ بتاريخ البلد، ويستخف بهوية الوطن، ولا يراعي مشاعر نصف الشعب، يوما يطردهم من العروبة ويوما يخرجهم من الاسلام، فكأن الاسلام صندوق خشبي حصل عليه عن طريق الميراث، فلا يدخل فيه إلا من يرضى عنه! عقلية مشحونة بـ "الأنا" القبلية، التي ما سيطرت على امرئ إلا أوردته النار وبئس الورد المورود.

صندوق الصعاليك

نقول ذلك ونحن نذكر بأصول المبادئ الاسلامية، التي لا تفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. عصبية الجاهلية التي وضعها محمد بن عبدالله "ص" تحت رجليه في حجة الوداع، يريد هذا الصعلوك أن يبعثها جاهلية عمياء من تحت التراب. الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين ضيقه أمثال هؤلاء حتى حصروه في صندوق صغير يفاخرون به العالم أجمع. المبادئ السامية التي فتحت قلوب أهل المشرق والمغرب للإسلام أيام الدعاة الصالحين المخلصين، حورت إلى عنصرية تؤمن بالتفوق على غرار أفكار النازي هتلر، وهذه المرة ليس على الكفار والمشركين وإنما على أهل دينك ووطنك وأهل حارتك الذين لا تفصلك عنهم خمسة أمتار! دمدمة هي أبعد ما تكون عن أخلاق وسماحة وانفتاح هذا الشعب الطيب الودود. في ظل هذا التدليس والتخليط على الناس، أصبح مثل هؤلاء يحلقون في سماء الخيالات المريضة. الأحاديث النبوية التي رسمت دربا نيرا يحكم علاقة المسلم بغيره من أبناء الديانات والشعوب الأخرى، كلها أصبحت نسيا منسيا، فالجاهلية الجديدة "تجب ما قبلها" من مبادئ كنا نقرأها في كتب الحديث ونشم فيها الرحمة الحانية: "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". ولكن المعادلة الجديدة تقول إنهم صنفان: "أنا وقبيلتي فقط في الجنة، وبقية العالمين في الجحيم"

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 664 - الأربعاء 30 يونيو 2004م الموافق 12 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً