العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ

نحن وأميركا

يوسف البنخليل comments [at] alwasatnews.com

أصبح التاريخ السياسي الذي يدرس لأجيال الوطن بحاجة إلى إعادة نظر بعد أن طرأت عليه عدة تغييرات، وتبدلت الأوضاع الداخلية للبلاد. فالمتتبع للعلاقات الدولية للبحرين سيكتشف أنها لم تحظ بعد بكم وافر من الرصد والتحليل. فعلى سبيل المثال نجد التاريخ البحريني يتحدث بشكل مسهب عن تاريخ الوجود البرتغالي والبريطاني، ولكنه لا يتناول الوجود الأميركي، والعلاقات البحرينية - الأميركية، حتى أصبح مجرد الحديث عن هذه القضية أمرا محرما.

وعندما حدث الإصلاح قبل ثلاث سنوات برزت فرص عدة لمناقشة وبحث العلاقات الدولية للبحرين، ولكن للأسف لم تؤت نتائجها. فالعلاقات البحرينية - الأميركية مازالت غامضة، ومعظم الأفراد ترتبط في أذهانهم - عند الحديث عن هذه العلاقات - مسألة التسهيلات العسكرية التي قدمتها الحكومة إلى الولايات المتحدة، واستمرار الأخيرة في ممارسة الضغوط من أجل تحقيق مكاسب ومصالح معينة.

إلا أن هذه العلاقات تحمل جانبين، فهناك جانب سلبي قد يكون في الصورة التي اكتسبها الوجود الأميركي في البحرين، وتأثيره الإعلامي، والأدوار التي يلعبها هذا الوجود. وهناك طبعا جانب آخر قد يكون إيجابيا من وجهة نظري، يتمثل في ما استفادته البلاد من الوجود التاريخي للولايات المتحدة، وخصوصا أنها بدأت في قطاعي الصحة والتعليم، ومازالت حتى اليوم تقوم بأدوار مماثلة بغض النظر عن الأسباب والدواعي التي أدت إلى خلق هذا الوجود وضمنت استمراريته. ويمكن ملاحظة نتائج هذا الدور في المئات من المواطنين الذين درسوا في الجامعات والكليات الأميركية، وتدربوا على التكنولوجيا التي أنتجتها اميركا.

ثمة مشكل مرتبط دوما بالعلاقات الثنائية بين البلدين، فالذين يتناولونها بالرصد أو التحليل أو عن طريق إبداء وجهات النظر، غالبا ما يرتكزون في طرح آرائهم على منطلقات عاطفية صرفة أدت إلى خلق تصور عام بأن الولايات المتحدة شر عظيم لابد من محاربته. وبالمقابل برز آخرون أكدوا أن العلاقات مع الولايات المتحدة قائمة على الموضوعية، وكونها قوة عظمى فلابد من توثيق العُرى معها وتوطيدها، وذلك بهدف الاستفادة القصوى من هذه العلاقات. ولكن المأخذ الأهم على هؤلاء هو أنهم بمرور الوقت شكلوا تيارا أميركيا يسعى إلى تمجيد الولايات المتحدة وتعظيمها من دون مبرر سوى الانبهار بها، وابتعادهم عن المنطلقات العروبية/ الإسلامية في تقييم هذه العلاقات وتشخيصها.

إن أهم الأسباب التي أدت إلى بلورة هذين الرأيين الجهل العميق بالولايات المتحدة، وعدم الدراية بطبيعة نشأتها، وتاريخها، وكيفية صوغ سياساتها، وبالتالي كيفية التعامل معها.

وهنا تبرز القضية، ففي الوقت الذي نحن بحاجة ماسة إلى معرفة كيفية التعامل مع الولايات المتحدة، نجد أنفسنا محصورين بين مقاطعتها بتطرف، أو تمجيدها بإفراط. وهو ما لا ينبغي بعد أن تطورت العلاقات ووصلت إلى ما هي عليه اليوم، ولاسيّما بعد الشروع في مفاوضات التجارة الحرة بين الطرفين. وقد آن الأوان للتعرف على الامكانات والفرص الكبيرة المتاحة لإقامة علاقات متوازنة لا نخسر فيها الكثير، ولكننا قد نستفيد كثيرا إذا أحسنّا التصرف

العدد 660 - السبت 26 يونيو 2004م الموافق 08 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً