ما يجري الآن باسم الحوار الوطني هو أقرب ما يكون الى نقاش بصورة خناق أو هو بمعنى أصح خناق بصورة نقاش.
وإنه في نهاية الأمر يعبر عن حال من حالات فقدان الاتساق بين أطراف النقاش ما يخلق حالة من حالات الخناقشة وليس المناقشة ويفتت الحوار الوطني بدلا من أن يعززه ويسقط كل طرف أجندته الخاصة على هذه الخناقشة.
لذلك دعونا نعيد ترتيب أوراق الحوار الوطني ونعيد طرح الأسئلة من جديد ولا نترك الأمور تتشتت وتخلط الأوراق ونعود الى مربع الصفر في هذا الذي نسعى اليه ونطلق عليه قضية «الحوار الوطني».
(1)
لقد وصلت «الأزمة» التي كانت تعبر عن نفسها في كل فترة من الفترات تحت مسميات عدة وتأخذ في كل مفصل من المفاصل التي تتأزم فيها الأمور أبعادا خطيرة وسواء أكانت تلك الأزمات تلعب فيها الأطراف دورا مباشرا أو غير مباشر إلا أنها في نهاية الأمر كانت تشكل ظاهر الأزمة والذي سببها فقدان الثقة بين الأطراف المختلفة في المعارضة والسلطة وسيطرة خطاب متشدد وجامد (1).
ولقد وصلت «ذروة» هذه الأزمة بين الجمعيات السياسية الأربع (الوفاق - العمل الإسلامي - العمل الديمقراطي - التجمع القومي) والحكومة من خلال عملية الشد والجذب فيما يعرف باسم «التعديلات الدستورية» وعقد المؤتمر الدستوري والندوة الجماهيرية الكبرى لتدشين مشروع ( العريضة الشعبية للمطالبة بدستور عقدي لمملكة دستورية يكون الشعب مصدر السلطات فيها ) (2).
وشكلت هذه التداعيات قمة التجاذبات السياسية بين هذه الجمعيات والسلطة السياسية بعد صدور دستور 2002 كما جاء في المؤتمر الصحافي لهذه الجمعيات بتاريخ 29 مارس/ آذار العام 2004 ما دعا الحكومة وعلى لسان وزير العمل مجيد العلوي (3) الى إبداء أسفه لوجود عناصر معارضة قال إنها متطرفة تدفع البلاد نحو حال من الاستقطاب والتجاذب السياسي غير الصحي والإساءة الى العلاقة بين الحاكم والمحكوم لكسر حاجز الثقة بينهما.
وقال: هناك شخصيات في الجمعيات الأربع تريد التصعيد والصدام مع الحكومة مبديا دهشته من دعوتها إلى الحوار في الوقت الذي لا تعترف فيه أصلا بالدستور والمؤسسات المنبثقة عنه ومن بينهم الحكومة (4).
ويتذكر المتابعون السياسيون سرعة تصاعد المواجهة بين الجمعيات السياسية الأربع والسلطة السياسية وقد تم التلويح بجدية قرار حل هذه الجمعيات ما كان سيعيد هذه المؤسسات الى خانة المربع الأول.
ولقد دفع هذا الأمر ببعض العقلاء من القوم للدخول على خط هذه المواجهة الساخنة للوصول من خلال حوارات جماعية وثنائية بين تلك الأطراف من جمعيات من مختلف الأطياف وعناصر وطنية مستقلة وقد قامت صحيفة «الوسط» مشكورة بالدعوة الى مثل هذا الحوار الذي تكلل في نهاية الأمر الى صيغة البرقية المشهورة الى جلالة الملك.
وهكذا تحلحلت الأمور واجتمع جلالة الملك مع الجمعيات السياسية ونتج عن ذلك الافراج عن موقوفي العريضة والترحيب باستمرار الحوار كما أن جلالته وجه كلا من وزارة الديوان الملكي ووزارة العمل الى حضور اللقاءات بين الجمعيات السياسية للتواصل بصورة مستمرة بين الفعاليات السياسية وممثلي الدولة (5).
(2)
وظل السؤال الحائر مستمرا ومؤرقا إن الحوار الوطني مطلوب وبرزت أكثر من علامة استفهام وأكثر من سؤال: ما المقصود بالحوار الوطني... أي حوار نريد وما المقصود بالوطني؟!
ومن الواضح ان الأداء حول مايسمى (بالحوار الوطني) ليس هو بمجال اتفاق أيضا بل مجال اختلاف إذ رآه البعض «وجاهات ومشروعات سامرية (6)» ورأى البعض الآخر أن هناك «خلل حاصل في آليات الحوار على مستوى المعارضة والمعارضة فيما بينها وفي دائرة البيت الواحد والخلل مكمنه إنتفاء أطراف معينة للحوار معها» (7).
إلا أن دعوات الحوار تبرز «في حالة الاحتقانات السياسية» (8) وعلى هذا الأساس فإن «الحوار ضروري» (9) وينبه البعض على أنه حينما ترفض السلطة الحوار «تؤسس لإنتاج الأزمات والاحتقانات السياسية والقوى الساخنة حينما ترفض الحوار فيما بينها أو مع السلطة فإنها تؤسس كذلك لتحريك الأزمات والتعقيدات والإرباكات...» (10).
ولكن أي حوار ومن هي أطراف هذا الحوار؟! «لأول وهلة يبدو أن قضية الدعوة للحوار الوطني مسألة متفق عليها (...) يمكن أن يستعيدها كل فريق ويطوعها لتتلاءم مع خطابه السياسي ومرئياته كيفما اتفق» (11).
وإن دعوات الحوار يجب ألا تحمل ووجهة نظر مسبقة وخصوصا اذا كانت محل اختلاف وتلاقي جدلا شديدا في الشارع السياسي فهذا يعمق من عدم قدرتها على جمع أطياف متعددة في حوار وطني يتطلب الحياد وعدم التحيز الى مواقف معينة (12) فهل هذا هو الواقع؟!
(3)
الجمعيات المقاطعة ترى بأن مسألة الحوار «مسألة جوهرية (...) إلا أن هناك أهدافا أساسية للحوار (...) وهذا الحوار يجب أن يصل الى مشتركات (...) ولا بد أن يصل الى آليات سياسية (13).
كما أن هذه الجمعيات تعتبر «المسألة الدستورية» هي القضية الأساسية في الحوار (...) وهي بمثابة الصخرة في الطريق ولا يمكن لهذا الحوار أن ينطلق إلا بإزالة هذه الصخرة (14).
وعلى ذلك تطالب هذه الجمعيات بوضع أجندة للخروج بمحلول والتركيز على الشيء الجوهري للخروج بتوافق في المسألة الدستورية وإرسالها الى جلالة الملك عبر من ينوب عنه من الجهات الرسمية (...) الوصول الى صيغة توافقية لمستقبل المشاركة السياسية في الانتخابات النيابية لعام 2002 (15).
وبالتالي ترى الجمعيات المقاطعة أن الحوار يجب أن يتم بين ( الحكومة والمعارضة ) وفيما يسمونها (معارضة) «فذلك ليس انتقاصا من كون الآخرين غير معارضين فأنا اتكلم عن المعارضة الدستورية، الفاقعة والواضحة في معارضتها الى البرنامج السياسي كله لنظام الحكم وهذا الحوار غير موجود الآن» (16).
وعلى هذا الأساس ترى هذه الجمعيات ان الحوار يجب أن يكون بين «الجمعيات الأربع ومؤسسة الحكم متمثلة في رأس السلطة جلالة ملك البلاد أو من ينوب عنه والجمعيات الأربع للوصول الى صيغة توافقية تؤمن مستقبل المشاركة السياسية» (17).
كما اعتبر الشيخ عيسى قاسم بشأن «مفاوضات الشأن العام والمسألة الدستورية وقضية المشاركة والمقاطعة في الانتخابات النيابية المقبلة (...) وإن الخلاف الجذري في وجهة النظر منحصر بين الجمعيات المعارضة وجانب الحكومة (...) وإن المصلحة والاقتضاء الموضوعي يفرض أن يكون الحوار ثنائيا (18).
وحدد نائب رئيس جمعية العمل الإسلامي صلاح الخواجة شروط «المفاوضات»:
1- أن تكون بين المعارضة التي حملت الملف الدستوري وجلالة الملك أو من يمثله.
2- كتابة ما يتم الاتفاق عليه.
3- أن تكون وفقا لأجندة واضحة ومتفق عليها.
4- أن تكون محددة في التواريخ والزمن.
5- أن تكون مراقبة من قبل جهات معينة (داخلية أو خارجية)! (19)
وقد أعلن رئيس جمعية الوفاق بطريقة قائلا:
ما الصوت الذي يقابل صوت جمعية الوفاق عندما تريد أن تصوت؟! لا ولكن دافع لذلك فأتى صوت جمعية الوفاق لا أعادله بأي تركيبة معينة في هذا الحوار وهذه التركيبة التي يحجزها عدد من الاخوة مع شديد الاحترام لهم. ولكن هذا الحوار ليس منطقة لغرز القرار (20).
ولقد علق أحد الكتاب قائلا (21) : إن التحالف يتحرك وكأنه كسب المعركة فعلا فيطالب بلقاء مباشر مع رأس الدولة مع أن بديهيات العمل السياسي تؤكد أهمية التحضير الى الحوارات (...) وبسبب هذه القراءة غير الموفقة يعمل التحالف من دون أن يشعر ربما على قطع صلة تواصله مع أطراف أخرى بما في ذلك التحالف السداسي (...).
كما أن الإيحاءات الناتجة من المناداة المتشددة والمتكررة من بعض منتمي التحالف بشأن أحقيتهم في الكلام بشأن الدستور- تشير من غير أن تقصد - الى أن مستقبل البلد الذي يشكل الدستور أرضيته الأساسية هو شأن خاص بالتحالف وبعض أطراف الحكم (...) وأن التحالف ينظر الى معالجة القضية الدستورية بطريقة تظهره مستفردا واقصائيا (22).
(4)
أما وجهة نظر الجمعيات المشاركة في الحياة النيابية فإنها ترى أن القضية الوطنية «ليست حكرا على أحد أو على طرف دون آخر ولا يحق لأية جمعية أن تسلب الآخرين حقهم في الحوار وتحدد من لهم حق الحوار بشكل ثلاثي أو رباعي أو خماسي» (23).
كما انتقدوا قصر الحوار بشأن المسألة الدستورية «بين الحكم وجمعيات التحالف الرباعي وانه يجب عدم مصادرة بقية الآراء ولا يجب فرض الهيمنة أو الادعاء بالأحقية في تمثيل رأي جميع المواطنين» (24).
ويرى أصحاب هذا التيار «أن يكون الحوار وطنيا شاملا لجميع القوى السياسية الفعالة في البلاد فالكل معني بالموضوعات التي يبحثها هذا الحوار بما فيها المسألة الدستورية والتقسيم القائم في البلاد بين «مقاطعين» و«مشاركين» لا يعكس حقيقة الاستقطاب السياسي الموضوع ولا اشعاع الحقيقة لأطراف العمل السياسي» (25).
ويرى أصحاب هذا التيار ضرورة اشتراك «الجمعيات السياسة واعضاء مجلس النواب والشورى وهيئات المجتمع المدني والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية إضافة الى ممثلين عن الدولة» (26).
وهكذا لاحظ المراقبون «بأنه بعد مضي عامين من تفجر الخلاف والتجاذب والاستقطاب السياسي الحاد بين تيار قوي وجمعيات المقاطعة من جهة وتيار قوى وجمعيات المشاركة قناعة بدأت تتشكل ولاسيما في صفوف المقاطعة بأنه لا محيص من الحداد السياسي الشامل، ولقد بات واضحا ثمة مأزق موضوعي يواجه كل الطرفين المشارك والمقاطع (27).
(5)
ما هو موقف الحكومة؟!
إن الحكومة رحبت على لسان وزير العمل مجيد العلوي بالحوار مع الجمعيات الأربع في «أي وقت» آملا أن يسهم ذلك في «تفهم المتطلبات القانونية» للعمل السياسي (...) واعتبر الوزير ان القيادات الشعبية تقود «صراعا سياسيا بالتستر بالقانون ردعا الى عدم المضي قدما في العريضة» وأعاد الوزير«تأكيد أن المضي فيها يعني تطبيق القانون عليهم وحل الجمعيات» (28).
وبعد أن تحلحلت قضية العريضة وأعيدت الأمور الى نصابها أعلن الوزير بعد لقاء الجمعيات بجلالة الملك بأن اللقاء «لم يكن لقاء تشريفيا بل كان لقاء «حوار» استمر أكثر من تسعين دقيقة وتم الاتفاق على أن يتواصل هذا الحوار وكذلك تم الاتفاق على أن تكون هناك حلقة وصل بين الجمعيات وجلالة الملك وتمثلت في شخص الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الديوان الملكي ووزير العمل مجيد العلوي» (29).
كما أكد الوزير أن الحوار المرتقب مع الجمعيات السياسية سيؤكد أن «التعديلات الدستورية يجب أن تمر من خلال المجلس الوطني باعتباره ممثلا للسلطة التشريعية» (30).
ولفت الوزير الى أن الحوار سيحث الجمعيات على المشاركة في الاستحقاق الانتخابي العام 2006 وممارسة العمل السياسي وفقا للمؤسسات الدستورية الحالية وأن يمر التعديل الدستوري من خلال هذه المؤسسات (31).
كما قال بعض المقربين من دوائر هذا القرار: إن المعارضة تطالب بالحوار ومن الواضح أنها مازالت حتى الآن تجهل أهمية خلق المناخ للحوار (...) وما لم يتحرك المعتدلون ويعبرون عن رأيهم بكل جرأة وصراحة فلن نستطيع الوصول الى المناخ المطلوب لإقامة حوار أو سلسلة حوارات هادئة (32).
(6)
الى أين يتجه الحوار؟!
1- وزير العمل والشئون الاجتماعية المكلف بحكم عمله متابعة هذا الملف سيفقد سلسلة اجتماعات مع الجمعيات السياسية بناء على توجيهات من الديوان الملكي وذلك في ضوء اللقاء الأخير بين جلالة الملك وتسع جمعيات وستكون هذه الاجتماعات وسيستمع خلالها وزير العمل الى وجهات نظر الجمعيات ذات الشأن العام(33).
2- كما أعلن التحالف بأنه سيلبي دعوة وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي للحوار. وأكد رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان ضرورة عدم وضع شروط مسبقة أو إطلاق تصريحات من «الجانبين» من شأنها اعتراض الحوار وقال: قاطعنا انتخابات 2001 لعدم توافقنا مع هذا الوضع مما دفعنا لمحاولة تغييره ولم نتدخل لرؤية مشتركة حوله سيتجدد الموقف ذاته في الانتخابات التشريعية المقبلة.(34).
3- الجمعيات المشاركة في التجربة البرلمانية تنتظر اللقاء الذي سيعقد مع وزير العمل وينتظر معها بقية جمعيات المجتمع المدني ماذا سيدور من حوار.
4- وبين هذه الأطراف والشروط المسبقة ومختلف الرؤى يتساءل المراقبون هل تتجه الأمور في مسألة الحوار الوطني الى خناقشة أو الى مناقشة وحوار... من دون شروط مسبقة؟!
عضو مجلس الشورى
1- منصور الجمري - الوسط 04/4/10
2- المؤتمر الصحافي للجمعيات الأربع - 04/3/29
3- صحيفة الأيام 04/3/31
4- المصدر نفسه
5- صحيفة الوسط 04/5/20
6- صحيفة أخبار الخليج - محمد كاظم الشهابي - 04/5/27
7- صحيفة الوسط 04/4/12 سلمان عبدالحسين
8- صحيفة الوسط داوود 04/6/3
9-
10- صحيفة الوسط - السيد عبدالغريفي 04/5/14
11- أخبار الخليج - محمد كاظم الشهابي 01/6/13
12- صحيفة الوسط 04/5/24
13- صحيفة الميثاق - الشيخ علي سلمان 04/5/28
14- المصدر نفسه
15- صحيفة الوسط - حسن مشيمع 04/6/15
16- صحيفة الوسط - ابراهيم شريف 04/5/29
17- المصدر نفسه
18- صحيفة الوسط 04/5/29
19- صحيفة الوسط 04/6/15
20- صحيفة الميثاق - الشيخ علي سلمان 04/5/28
21- صحيفة الوسط - عباس أبوصفوان 04/6/21
22- المصدر نفسه
23- صحيفة الوسط - عبدالرحمن خليفة 01/6/1
24- صحيفة الأيام - رئيس جمعية الوسط الإسلامي 01/6/2
25- صحيفة الأيام - رئيس جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي 04/6/8
26- صحيفة الأيام - حسن مدن 04/5/2
27- صحيفة أخبار الخليج 04/6/6
28- صحيفة الوسط 04/4/6
29- صحيفة الميثاق 04/6/5
30- المصدر نفسه
31- صحيفة الأيام 04/6/20
32- صحيفة الوسط - تقي الزيتون 04/4/12
33- صحيفة الأيام 04/6/4
34- صحيفة الأيام 04/6/
العدد 659 - الجمعة 25 يونيو 2004م الموافق 07 جمادى الأولى 1425هـ