بعد أيام ستتسلم الحكومة العراقية الانتقالية السلطة من إدارة الحكم الأميركية وسيقع على كاهلها بدءا من الأول من يوليو/ تموز مسئولية إدارة شئون العراق في أصعب مرحلة تواجه هذا البلد بعد نهاية عهد صدام حسين. خبراء ألمان مهتمون بقضايا الشرق الأوسط يدلون بآرائهم فيما ينتظر العراق في المرحلة الجديدة.
المحافظون الجدد في واشنطن أو من يطلق عليهم اسم «الصقور» الذين يشكلون حاشية الرئيس الأميركي جورج بوش وتبدأ القائمة بنائب الرئيس ريتشارد تشيني مرورا بمستشارة البيت الأبيض للأمن القومي كوندليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفوفيتز، جميعهم سعوا قبل هجوم «القاعدة» على الولايات المتحدة بتاريخ 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 إلى بناء نظام عالمي جديد في منطقة الشرق الأوسط. بعد أيام قليلة فقط على الهجوم أوعز بوش لوزير الدفاع كي يعد خطة لغزو العراق. ولم يحتج رامسفيلد إلى كثير من الوقت فقد تم إخراج خطة لغزو العراق وضعت في السابق من درج أحد الجنرالات وبدأت عملية مريبة محملة بالشائعات والأكاذيب، بعضها يتهم العراق بالتعاون مع «القاعدة» وبعضها يبالغ كثيرا في تقدير خطر قدرات العراق التسليحية واتهامه بحيازة أسلحة للدمار الشامل.
إن أعمال العنف التي تجري يوميا في العراق وفشل الولايات المتحدة في فرض الأمن والاستقرار بمفردها أو بالتعاون مع تحالف الحرب، بعد أكثر من عام ونصف العام على غزو العراق، تجعل الخبراء والمحللين يشكون في نجاح مغامرة العراق في القريب وأن يتحول هذا البلد إلى بلد ديمقراطي في العالم العربي يتمتع بسيادته بالكامل. وعلى الأرجح أن الحضور العسكري الأميركي سيبقى في العراق لأسباب عسكرية واستراتيجية أيضا كون العراق يأتي بعد السعودية بلدا يملك كميات هائلة من الذهب الأسود. ويتطلع بوش إلى حصول شركات النفط الأميركية على نفوذ واسع في المستقبل في إنتاج وتسويق نفط العراق كما يتوقع الرئيس الأميركي أن تكون الحكومة العراقية الانتقالية موالية على الدوام للولايات المتحدة. في الأثناء يعرف الشعب الأميركي أن الجنود الأميركيين سيبقون سنوات طويلة في العراق في الوقت الذي اكتشفت فيه القوة العظمى أن لطموحاتها حدودا، إذ تعمل جاهدة لجر المزيد من الشركاء إلى العراق الذي كتب عليه بعد الغزو أن يصبح لفترة غير معروفة عالة على المجتمع الدولي. وليس بوسع الولايات المتحدة وحدها تحقيق الوفاق الوطني في العراق من دون مساعدة من أطراف أخرى.
ويبدو مستقبل العراق غامضا إذ إن الساحة مهيأة لاندلاع حرب أهلية عرقية ودينية. وبالكاد يمكن الجزم أن الوضع في العراق مستقر بل الفوضى تهيمن على هذا البلد. ولم تكن صدفة أن تنشر صحيفة «زود دويتشه» الصادرة بمدينة ميونيخ قبل أيام صورة كاريكاتير ظهرت فيها كوندليزا رايس وهي تمسك بيد الرئيس العراقي السابق صدام حسين وتقول لبوش: أعتقد أنه الرجل الوحيد الذي يستطيع فرض الأمن والاستقرار في العراق.
ويعتقد مدير معهد «الشرق» بمدينة هامبورغ وأحد أبرز المستشرقين المعاصرين الألمان أودو شتاينباخ أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يتعود على دولة مشابهة ليوغسلافيا السابقة وإعلانها دولة فاشلة failed state وأوضح أن العراق كان في تاريخه مستقرا فقط في ظل نظام أوتوقراطي وضعه الرئيس السابق صدام حسين. كذلك فإن خبير قضايا العراق إبراهيم فرهاد يرى أنه تم صرف النظر عن إمكان نجاح دولة ديمقراطية نموذجية في العراق لأن الواقع شيء آخر. وتحاول الولايات المتحدة الآن الاستفادة بما يمكن الاستفادة منه من الوضع الجديد من دون أن تكون لديها شجاعة كافية لتقر بأنها فشلت في مغامرة العراق. وقال فرهاد إن أسوأ ما يمكن حدوثه هو انهيار العراق ونشوء حرب أهلية متعددة الأطراف من سنة وشيعة وأكراد.
في العام 1932 حصل العراق على استقلاله، ولأول مرة منذ 72 سنة يواجه خطر الانهيار كدولة. كما يعتقد خبير الشرق الأوسط في مؤسسة فريدريش إيبرت التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم ميشائيل لودرز أنه من غير الواضح إذا سيسود الأمن والاستقرار في العراق أو سيظل عرضة لانفجار حرب أهلية في أراضيه في ضوء استمرار النشاطات العسكرية التي تقوم بها جماعات مناهضة للولايات المتحدة والحكومة العراقية الانتقالية. وقال لودرز إن أهم قاعدة يجب تحقيقها في العراق لضمان قيام دولة حقيقية هو فرض نظام الأمن. وقال شتاينباخ: يرغب العراقيون العرب أن يجري حكم العراق من بغداد بينما يرغب الأكراد بنظام فيدرالي لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه: من سيحكم العراق؟ حتى لو تسلمت الحكومة الانتقالية السلطة في الأول من يوليو/ تموز المقبل ستظهر مشكلات جديدة على صعيد المنافسة بين العرقيات المختلفة. ويعتقد زميله في المعهد، عزيز القزاز وهو باحث عراقي شارك في تأسيس الجمعية العراقية الألمانية، أنه كي يكتب النجاح في توفير الأمن والاستقرار فإنه ينبغي البدء بحل المشكلة بالعودة إلى الوراء وتحميل جميع القوى الوطنية العراقية من دون استثناء مسئولية فرض الأمن والفوز بفرض الأمن سيؤدي بنظر القزاز إلى الفوز بثقة المواطنين العراقيين ويصبح بالوسع خفض معدلات الجريمة بصورة كبيرة وإحلال الأمن وعودة دور المحاكم. كما يجد القزاز أن مسائل متعلقة بحقوق النساء والفيدرالية ودور الإسلام في العراق الجديد بحاجة إلى إعادة النظر، لكن بغض النظر عما يتفق عليه العراقيون من مختلف الفئات العرقية والسياسية ينبغي أن تتفق تصوراتهم مع تصورات الأميركيين ومصالحهم في المنطقة. بعد سنوات طويلة شعر الأميركيون خلال عهد صدام أنه يؤثر سلبا على مصالحهم في المنطقة، يريد الأميركيون الاستفادة من الأهمية الجيواستراتيجية للعراق خدمة لمصالحهم السياسية والعسكرية والاقتصادية. وعلى رغم لجوء الولايات المتحدة إلى جر الأمم المتحدة لغرض مساعدتها في خفض الأعباء الثقيلة على كاهلها في العراق وسعيها إلى جر حلف شمال الأطلسي فإنه ليس من المنتظر أن تتخلى واشنطن عن أطماعها في العراق، لكن المرء في واشنطن أدرك بما لا يقبل الشك أنه ليس بوسع القوة العظمى وحدها إدارة أمور العراق من دون الأمم المتحدة والحلفاء في أوروبا وحلف شمال الأطلسي فإنها مهددة بالغرق في وحل المستنقع العراقي. هذا ما يؤكده خبير الشرق الأوسط الألماني ميشائيل لودرز. يتفق الخبراء الألمان على أن المجتمع الدولي فقط بوسعه حل المشكلات الأمنية الموجودة في العراق والتي زاد عددها في الفترة الأخيرة. كما أن هناك حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن الحسبان وهي أن عمل الحكومة العراقية الانتقالية ومؤسساتها والدستور الجديد لن ينشأ ويعمل بين ليلة وضحاها بل هذا مشروع يتطلب نجاحه الكثير من الوقت. وتعتقد الأمين العام للجمعية الألمانية للأمم المتحدة بيتي فاغنر أن تحقيق الاستقرار في العراق وقيام دولة شرعية فعالة يثق العراقيون من مختلف الفئات فيها يعتمد إلى حد كبير على سلوك الولايات المتحدة وترى بيتي فاغنر أن أبرز الأسس أن تحصل الحكومة العراقية الانتقالية على السلطة كاملة في نهاية يونيو/ حزيران الجاري وألا تلتصق بها تهمة الولاء الأعمى للولايات المتحدة. وقالت إن الرئيس بوش أدرك أخيرا أنه ينبغي عليه دفع ثمن مقابل مشاركة دولية في إعادة تعمير العراق. لكن يبقى السؤال المطروح: هل بوسع موظفي الأمم المتحدة وخبراء التعمير من دول أخرى السفر إلى العراق في ضوء أعمال التقتيل البشعة التي يتعرض لها خبراء أجانب على أيدي جماعات مثل جماعة أبومصعب الزرقاوي؟ وقالت بيتي فاغنر إنه ينبغي على قوى الاحتلال أن تقدم أولا ضمانات أمنية لكن هناك من يشك بقدرة الولايات المتحدة نفسها على تقديم هذه الضمانات لأن جنودها أنفسهم يتعرضون يوميا لأكثر من عشرين هجوما من قبل المقاومة العراقية. الحرب مازالت مستمرة في العراق. هذا ما يؤكده أيضا الخبير العراقي في معهد الشرق الألماني عزيز القزاز الذي قال: ما يحصل اليوم في العراق هو صراع مسلح بين قوة صناعية عظمى ضد واحدة من دول العالم الثالث. وليست هناك فرصة لقيام مفاوضات سلام لعدم تكافؤ طرفي الصراع وهذه مشكلة تتحمل الولايات المتحدة مسئوليتها. من أهم الأخطاء التي وقعت بعد إعلان نهاية المعارك الرئيسية في مطلع مايو/أيار العام 2003 أن الأميركيين سارعوا إلى تسريح الجيش العراقي وهكذا نشأت ثغرة أمنية كبيرة وكان بوسع الشرطة والجيش العراقي القيام بدور فعال في حفظ الأمن ومكافحة الجريمة وكان بوسع أجهزة الأمن العراقية وضع الأطر الأمنية لإجراء انتخابات حرة تحت إشراف الأمم المتحدة
العدد 658 - الخميس 24 يونيو 2004م الموافق 06 جمادى الأولى 1425هـ