ربما تكون الدعوة إلى تشكيل الهيئة الاستشارية لجمعية «الوفاق» على أساس الانتخاب صدرت من متابعين وغيرهم، لكنها تكتسب أبعادا أخرى حين يتبناها أحد الوجوه البارزة في الجمعية، ويسربها للصحافة مباشرة أو غير مباشرة، عبر قريبين منه.
في حال المتابعين، فإن الدعوة على الأرجح تأخذ بعدا تحليليا، وقد تقترب من التنظير لما ينبغي أن تكون عليه أوضاع مؤسسة ذات ثقل جماهيري لافت مثل «الوفاق»، يفترض أن تشكل نموذجا في أسس البناء البيروقراطي والهرمي، وأن تشتغل على تكريس أعراف حزبية تمكنها من تجاوز إشكالات تيارها المحافظ ثقافيا، وأن تكون الهياكل الإدارية هي صاحبة القرار النهائي، بما يمكنها من التعاطي بصورة أكثر عقلانية مع «الرمزية» التي تكرس بشكل أو آخر دكتاتورية اللامؤسسات، وتستمر في انتاجها والتنظير لها.
في حال حسين، فإن دعوته تنطوي على حسابات سياسية في الأساس، متجاوزة الأبعاد الشخصية، وإن اختلطت بها أحيانا، إلى حسابات المشروع والأجندة والأولويات، وتستخدم هنا الأبعاد التنظيمية أو الهيكلية لتحقيق هذه المآرب المشروعة دون شك. فمن حق كل طرف أن يشتغل لتحقيق ما يراه أحسن، عبر التدافع ضمن المساحات التي توفرها الجمعية، التي هي في الأساس ائتلاف تيارات، وليس حزبا تقليديا ذا هياكل مركزية، أي أنها تشكل، بطبيعة تركيبها، منبرا يسمح بتعدد الآراء، بما لا تسمح به أية جمعية أخرى. وربما لهذا السبب يلاحظ في أحيان كثيرة انقسام حاد داخل مجلس الإدارة في معالجة قضايا الساحة، يكاد يقسمها. ولا يصعب على المراقب أن يلحظ الفوارق بين الأجنحة المتنافسة.
لقد ابتعد حسين - أو أُبعد - عن ساحة القرار السياسي في «الوفاق» بعيد الانتهاء من المرحلة التأسيسية، التي كان هو أحد أبطالها الكبار، بتصريحاته التي لم تخل من إرباك للجمعية الوليدة، حين كان يترأس اللجنة التحضيرية، وينطق باسمها. وألصقت فيها رسميا مقولة حصر الأعضاء في المواطنين الشيعة، وهي على أي حال تهمة غير بعيدة، لكنها تعكس واقع البلد الذي لم يتجاوز بعد العلاقات التقليدية المستندة إلى العرق والطائفة والمذهب والقبيلة، وعموم العلاقات الأولية التي تشطر المجتمع عموديا.
كسب الشيخ علي سلمان، بشخصيته التوفيقية، معركته داخل الجمعية التأسيسية ثم جدد له بالاجماع تقريبا في الانتخابات الأخيرة، لكن الأهم أنه كسبها خارج الجمعية، عبر انتصار الرموز له، كقائد سياسي للجمعية، ونُصح حسين حينها بالتفرغ للعمل الديني، وعدم الانخراط في السياسة اليومية.
واستجاب الأخير لأنه على الأرجح يؤمن عمليا بولاية رجل الدين، حتى لا أقول ولاية الفقيه غير المعلنة هنا، والمطبقة على أرض الواقع، وإن لم تستخدم على نطاق واسع، لأسباب تعود إلى طبيعة الفقيه المتصدي للساحة.
وأعلن حسين، مكرها على الأرجح، تفرغه للعمل الدعوي والثقافي في جمعية التوعية الإسلامية التي ترأسها ثم استقال فجأة، ولاحقا التخلي عن «رمزيته»، حين اعتزل إمامة الصلاة في منطقة النويدرات التي يقطنها، مادام الفيتو قائما ضد تصديه للسياسة اليومية في قبال «الوفاق».
إلا أن مغالبته لنفسه، ومقاطعته للواقع، كأية مقاطعة، لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، فلا هو قادر على التخلي عن آماله كناشط وحركي شديد المراس، ولا جمهوره في وارد نسيان دوره الاستثنائي إبان حوادث التسعينات التي صنعت منه في بعض الأوقات الرمز الأول، متقدما على الشيخ عبدالأمير الجمري، الذي لا يلبث أن يستعيد مكانته بشكل لا يتوقعه أشد القريبين منه، بسبب صفائه وأريحيته وبعد نظره، راهنا، يبحث حسين عن دور في قرار «الوفاق»، من خلال الهيئة الاستشارية، التي يمكن أن تقلص في حال انتخابها ومنحها صلاحيات التشريع والرقابة، من صلاحيات مجلس الإدارة شبه المطلقة. أما تشكيل الهيئة بالتعيين، فيعني استمرارها في دور الناصح الذي لا يستجاب لرأيه بالضرورة.
ويفترض أن تكون دعوة حسين هذه، وهو الشخصية المؤثرة والكاريزمية، منبئة عن قدرته على حشد أعضاء الجمعية للتصويت لصالح القريبين من مشروعه، ما يحتمل حصوله على أغلبية، ولو بسيطة، في الهيئة المقترحة، تمكنه من أن يكون له يد في ضبط عقارب ساعة «الوفاق».
لكن مشروع حسين في انتخاب «شورى الوفاق»، يواجه معوقات حقيقية، أبعد من كون النظام الأساسي لا يسمح بذلك. إذ حتى القريبون منه في مجلس الإدارة، وهم شخصيات لا يستهان بنفوذها، ينظرون للتعيين بخطابات لا تختلف كثيرا عن خطاب أية سلطة في دولة شرق أوسطية تود الاحتفاظ بصلاحياتها. على رغم أن عدد الأعضاء الكبير في الجمعية والذي يفترض أن يكون تضاعف عدة مرات بسبب فتح العضوية دون ضوابط للسماح لتوقيع العريضة الدستورية، تؤكد الحاجة القصوى لهيئة وسيطة بين الجمعية العمومية ومجلس الإدارة، يناط بها صلاحيات تشريعية ورقابية.
وعلى اكثرمن مستوى، فإن إعادة هيكلة «الوفاق» أصبحت أكثر إلحاحا، وهي أصبحت تتعاطى مع عشرات الآلاف من الأعضاء الرسميين، وليس متبنين فقط لخطابها، كما كان عليه الحال قبيل تدشين العريضة، ما يفرض استحقاقات على المؤسسة التي يجب أن تجتهد لابتداع ما يمكنها من أن تكون قريبة لأعضائها ومعبرة عن آمالهم، وقادرة على استيعاب متناقضاتهم، التي ستتسع، ولابد من أخذ الحيطة لتفادي التشظي، بإيجاد الآليات التي تسمح بالتغيير من خلال النسق الداخلي.
وعلى رغم أني مع استمرار «الوفاق» بروح لا تنطبع بالمركزية، إلا أن هذه اللامركزية يجب أن تكون مؤسسة على مرتكز شعبي.
ثم، فلتتوقع «الوفاق» مشكلة قانونية أمام وزارة العمل بعد نحو عام ونصف من الآن، حين تهم بعقد جمعيتها العمومية لانتخاب إدارة جديدة، وهذا بدوره يحتاج إلى تفكير جدي، لا يستسهل بموضوعة العضويات.
إن الهيئة الاستشارية يمكن أن تساهم بفعالية في وضع أسس مناسبة لصورة «الوفاق» خلال المدى المنظور، بما في ذلك الجانب المالي وتمويل العمليات الواسعة التي تقوم بها اللجان بهدف الارتقاء بها إلى مستوى الاحتراف... والتفكير جديا في إيجاد مبنى يلبي حاجة المؤسسة المتزايدة، مع وجود عدد كاف من الموظفين المتفرغين، يمتهنون العمل السياسي والإداري... فضلا عن مساهمة الهيئة في ترشيد القرار السياسي ووضع بدائل عملانية.
لا يجب أن تخشى الإدارة من سحب الصلاحيات. وعلى العكس، فإن تكامل الأدوار بين الهياكل المختلفة، وتدافعها بالتي هي أحسن، بما في ذلك وجوه الجمعية ورموز التيار، قد يمكن من وضع لبنات أكثر قوة لتحقيق ما يؤمل تحقيقه
العدد 656 - الثلثاء 22 يونيو 2004م الموافق 04 جمادى الأولى 1425هـ