كنت لم أتجاوز الثانية عشرة من العمر وأنا أخوض في عباب البحر في (المحمل أو البانوش) القارب المسمى فارس، وكان المبيت لثلاث أو أربع ليال، في ذلك البانوش، يُعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولكن ماذا تفعل، وماذا تقوى أن تقول، و«الكانة» التي هي مقود السفينة، ممسك بها محترف معاند لكل رغبات الانكسار والتعب التي تبدو على الوجوه الصغيرة، وكان جدي لأمي عليه سحائب الرحمة، بحارا ونوخذة ورث المهنة كابرا عن كابر، كسائر أهل البحرين الذين يعملون إما في الزراعة وإما في البحر وقليل منهم في التجارة. وكان هذا الجد العظيم مدركا لأهمية وضرورة (البحرنة) في وظائف البحر أكثر من حملة الدكتوراه وأصحاب الكراسي النيابية اليوم، إذ كان من المتذمرين من استلاب الآسيويين لخيرات البلد، عن طريق السرقات التي كنا نعاني منها، أو عن طريق استخدام الوسائل المختلفة للصيد الجائر.
ووفاء لجدي، أبث هذه الشكوى من قبره، للأحياء المتكئين على الكراسي النيابية، وسأوجز الشكوى إرضاء لروح الجد الطاهرة، في أسئلة عدة وهي كالآتي:
كيف وصل عدد رخص صيد الروبيان إلى أكثر من (400) رخصة؟ مع أن بحر البحرين لا يستوعب أكثر من (50) رخصة؟ والمقصود بالرخصة هنا هي رخصة سفينة الصيد.
كيف يسمح بتصدير ثروة البحرين البحرية للخارج، في حين يشتكي المواطن من ارتفاع الأسعار، وتهدد «مافيا البحر» بأن يصل كيلو السمك إلى عشرة دنانير!
لماذا يمنع استيراد الأسماك والروبيان من الخارج، إذا كان هناك شح في مخزوننا البحري؟
لماذا تعمل السلطات، على تعطيل سفن الصيد لأيام على الحدود البحرينية القطرية (قطعة جرادة تحديدا)؟ ولا يباع السمك القطري في الأسواق إلا بعد أن يصبح كورق المحارم! وذلك لذوبان الجليد عنه. وهل تتابع الجهات الصحية الفحص على هذا السمك؟ وتعطيل سفن الصيد الخليجية هو ما حدا تلك الدولة أن تعامل صيادي البحرين بالمثل، وتم فعلا توقيف عدد من السفن البحرينية في دولة قطر.
لماذا يتملك الشخص الواحد أكثر من (12) رخصة صيد ويتملك شركات تصدير أو محطات معالجة مشتقات النفط وغيرها من شركات، في حين يحرم على البحار المحترف مزاولة أية مهنة أخرى غير الصيد؟ ومن المسئول عن إصدار هذه الرخص؟ ألا تجب المحاسبة ها هنا، أم سيقال إن المادة (45) تتكفل بحماية هؤلاء أيضا! أية حماية لمن دمر البيئة البحرية، واستلب أرزاق الناس ؟!
ما الآلية التي تتم فيها مراقبة (تأجير الرخص من الباطن)؟ أو كما يقال حاميها حراميها؟
لماذا تقوم «مافيا البحر» بشراء سفن جديدة سنويا، وهم يشكون من تناقص المخزون؟ هل هذا لأجل التعويض «الحكومي» المنتظر، أم لقروض مريحة من بنك التنمية قد تسقط عنهم لاحقا ؟!
القانون «ينص» صراحة على أن المسموح به ثلاث سفن؛ ويتم إنقاص العدد من قبل الجهة المختصة، إلا أن البعض يملك أساطيل كبيرة من سفن الصيد.
لماذا لا تضع الجهات المختصة شروطا على الرخص ومزاولة النشاط البحري؟ وخصوصا في نظام منح الرخص لكبار السن والعجزة والأيتام، كأن توضع استمارة تصدق من قبل الوزارات والجهات المختصة بأحقية صاحب الطلب في إصدار رخصة صيد، وبأن المتقدم للرخصة لا يزاول أي نشاط آخر، ولا يستطيع القيام بالنشاط نفسه.
نرجو من الاخوة النواب حين رحلاتهم المكوكية للوزراء البحث عن إجابات لهذه الأسئلة، وتدارك الأمر قبل أن يصل إلى ما لا تحمد عقباه، فنحن نحتاج فعلا إلى قرارات جريئة. ويجب على أعضاء مجلس النواب أن يتحركوا ويفعلوا قانون النوخذة البحريني، فإنهم نواب الشعب وليسوا نواب (الهوامير الكبيرة)، ومخزون البحرين من الغذاء البحري يتناقص، فإن ثروتنا البحرية في أعناقكم إلى يوم الدين، وأكثركم مشايخ دين يا نواب... وإن من أسمى معاني هذا الدين حماية مصدر أرزاق الناس، وتحقيق العدل والمساواة بين الناس، وإزاحة جميع الفوارق بينهم، أليس كذلك؟
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 654 - الأحد 20 يونيو 2004م الموافق 02 جمادى الأولى 1425هـ